الطب > مقالات طبية
هل البدانة معدية ؟
قام فريق من الباحثين في جامعة واشنطن باكتشاف دليل قوي على أنّ الجراثيم المعويّة قد يكون لها دور مهمّ وأساسي في السمنة واكتساب الوزن كما كان مقترحاً سابقاً.
حيث قام الباحثون بأخذ عيّنات من الجراثيم المعويّة من أربعة أزواج من التوائم البشرية، وقد تمّ انتقاؤهم بحيث يكون أحد التوأمين نحيلاً والآخر بديناً، ثم قدّموا هذه الجراثيم لمجموعة من الفئران التي جرت تربيتها بطريقة تجعلها عقيمة؛ أي لا تحوي أمعاؤها على أيّة جراثيم (بخلاف الفئران الطبيعيّة).
الفئران التي تعرّضت لجراثيم الأفراد النحلاء بقيت ضمن مجال وزنها الطبيعي، أما تلك الفئران التي تعرّضت لجراثيم من الأفراد البدناء فقد اكتسبت وزناً بسرعة كبيرة، رغم أنّها كانت تأكل نفس الوجبة تقريباً مقارنة مع الفئران النحيلة.
ثمّ تساءل الباحثون إذا ما كان خلط الفئران النحيلة والبدينة ببعضها في مساكن مغلقة سيؤثّر على سيطرة الجراثيم، لذا قاموا بوضع فأرين أحدهما تعرّض للجراثيم المرتبطة بالهزال والآخر تعرّض للجراثيم المرتبطة بالبدانة، وذلك قبل أن ينالوا فرصة كسب الوزن أو فقدانه. كان من المؤكّد لدى الباحثين أنّ عملية تبادل الفلورا ستتمّ، لكنّ اللافت في النتيجة أنّ هذا التبادل لا يتمّ إلا في اتّجاه واحد من الفئران ذات الجراثيم النحيلة (أي مجموعة الجراثيم المعويّة الخاصّة بالفئران النحيلة، أو مجهريّات البقعة الخاصة بها microbiota) إلى الفئران ذات الجراثيم البدينة.
كيف انتقلت الجراثيم بينها ولماذا لا تنتقل إلا في اتجاه واحد؟
عند خلط الفئران مع بعضها فإنّها تستهلك براز بعضها البعض، وقد استطاعت الجراثيم القادمة من الأفراد النحيلة أن تستعمر أمعاء الفئران الأخرى، في حين لم تستطع الجراثيم القادمة من الأفراد البدينة أن تقوم بالمثل!
يقول أحد الباحثين أن هذا منطقي، فقد لاحظوا في دراسة سابقة أنّ الجراثيم المرتبطة بالبدانة أقلّ تنوعاً من تلك المرتبطة بالهزال، وهذا يجعلها تترك بين مستعمراتها شواغر تملؤها الجراثيم المرتبطة بالهزال، في حين لا تستطيع الجراثيم المرتبطة بالبدانة أن تقوم بالمثل نظراً لقلّة تنوّعها .
لكن هل يكفي دور الجراثيم في تحديد السمنة والوزن؟
تساءل الباحثون لماذا لا تحدث موجة وبائية من الهزال في الولايات المتحدة مثلاً! وهذا ما دفعهم لاختبار علاقة الغذاء بالجراثيم السائدة. حيث قاموا بإعطاء الفئران وجبات غذائية على شكل حبّات دوائية تحتوي على قيم غذائية تشبه وجبات الإنسان.
عندما قاموا بإطعام الفئران وجبات غذائية مماثلة لتلك التي تكون منخفضة الدهون وغنية بالخضروات والفاكهة، استمرّ استعمار الجراثيم المرتبطة بالهزال في الفئران البدينة، ولكن عندما قاموا بإطعامها وجبات غذائية مماثلة لتلك العالية الدهون والفقيرة بالخضروات والفاكهة، سادت الجراثيم المرتبطة بالبدانة في الفئران البدينة ولم يحدث الانتقال.
يقول جيفري غوردن Jeffrey Gordon(وهو عالم أحياء متخصّص ويشرف على الدراسة) بأنّ "هناك علاقة معقّدة بين الغذاء الذي نتناوله وطريقة عمل الجراثيم في أمعائنا، وعلى الشخص تناول الغذاء الصحيح والسليم". "إنّه بناء معقّد مكوّن من تفاصيل مثيرة والأحياء الدقيقة ليست سوى جزء منه" .