الكيمياء والصيدلة > كيمياء حيوية
هل تمنع الجراثيم المُصمّمةُ مِخبرياً البدانة؟
تمكنت جراثيمٌ مُعدّلةٌ وراثيَّاً من تثبيط الإفراط في الطعام عندَ فئرانٍ قُدِّمَ لها نظامٌ غذائيٌّ عالي المحتوى من الدّهون، و استمرَّ التَّأثيرُ المفيدُ لهذه الجراثيم مدةَ 4 إلى 6 أسابيع مما يشير إلى أنَّها قدِ استوطنت لفترٍة مؤقتةٍ في القناة الهضميّة.
وقد طوَّر الباحثون هذا العلاجَ المضادَ للبدانة ليختبروا طريقةً جديدةً في معالجة الأمراض المزمنة؛ حيث يتم تعديل مجموعةٍ من الجراثيم التي تعيشُ داخلَ وعلى سطحِ أجسامِنا والتي تُعرَف مجتمعةً بـالأحياء الدقيقة الخاصةِ بكلِّ شخص.
حيث يأمَل الباحثون بأن يتمكنوا من تصميم جراثيم ٍمعدَّلةٍ وراثيَّاً قادرةٍ على إفراز أدويةٍ لعلاج أمراضٍ كالسُّكري و ارتفاع ضغط الدّم وغيرها من الأمراض المزمنة؛ ممّا يُلغي الحاجةَ لأن يتذكّر المريضُ تناولَ دوائِه يوميّاً، بالإضافة إلى أنَّ العديد من الأدوية لا يمكن إعطاؤها فمويّاً لأنَّها تتخرّبُ بتأثير عصاراتِ جهازِ الهضم و بهذا الاكتشاف يُمكنُ للجراثيم أن تُسهّل إعطاءَ أدويةٍ كهذه.
قام الباحثون بالعمل على سلالةٍ من جراثيم الإيشيريشيا القولونيةE.Coli والتي تُوصَفُ عادةً كمعيناتٍ حيويّةٍ للهضم (وهي عبارة عن جراثيم تدعم عمليّة الهضم) ، حيث تمكًّن العلماء من جعل هذه الجراثيم تقومُ بإفرازِ مُركّبٍ مُثبّطٍ للشهيّة والذي عادةً ما تفرزه الأمعاء بشكلٍ طبيعي استجابةً لتناول الطعام ممّا يعطي الشّعور بالشّبع و الامتلاء. لا يتم عند بعض الناس (وكذلك الفئران) إفراز هذه المادةِ بشكلٍ كافٍ و هذا يؤدّي بالنتيجةِ إلى تناولِ كمياتٍ فائضةٍ من الطعام نظراً لأنهم لا يتلقون إشارة كافيّة للشبع.
و قد أضاف الباحثون هذه الجراثيم للماء المُعطَى للفئران التي يُتَّبَع معها نظام غذائي عالي الدهون، مما أدّى بالنتيجة إلى أنَّ الفئران المُعالَجة اكتَسبَت 15% وزناً أقل من الفئران الأخرى التي تمّت تغذيتها بغذاء عالي المحتوى من الدهون أيضاً ولكن بدون إعطائها هذه البكتيريا مع الماء.
إنَّ استخدام هذه الجراثيم لعلاج الأمراض المزمنة هو فكرةٌ واعدةٌ ولكنَّها تشكِّل تحديَّاً هائلاً، يهدُف لتصميمِ جراثيم علاجيّة تُشكّل بنجاح تجمّعاً ضخماً لها في أمعاء الإنسان دون أن تتعرّضَ للمهاجمة من قِبَل الجراثيم المُقيمة في الأمعاء، و الطريقةُ الوحيدة لجعل هذه الجراثيم المُعدَّلةِ تعمل لفترات طويلة هو تصميمها بحيث لا تتعرّض لمنافسةٍ من قبل جراثيم الأمعاء الطبيعية.
ولكن هنالك مخاطرٌ محتملةٌ أيضاً، حيث أنَّ تناول الجراثيم المعدَّلة المُثبِّطة للشهيّة قد يشكل خطورةً على الأشخاص الذين يعانونَ من مشاكل طبيةٍ أخرى، أحدُ هذه المخاطر تم التّخلص منها بإزالةِ المورّثات التي تساعد جراثيم الإيشيريشيا القولونية على العيش خارج الأمعاء. ولكنّ المخاوف التي تتعلّقُ بالسّلامة لم تكن وحدَها العنصرَ الذي سبّب تباطؤ انتشار العلاجات المُستخدمة للمايكروبيوم فالمشكلة الأكبر كانت تكمن في فهمنا المحدود لهذه الجراثيم.
هناك جهودٌ واسعة تعمل على تحديد سلاسلِ المايكروبيوم المُمرِضة و السّليمة، ولكن هذا العمل صعبٌ لأنَّ معظم الجراثيم التي تعيش داخل و على سطح أجسامنا لا تنمو على المستنبتات الزرعيّة في المختبر.
أخيراً، يقول الباحثون بأنَّ هذه التجربة التي طُبِّقَت على الفئران ما هي إلا خطوةٌ مبدئيّةٌ لما يمكن استكشافه إذا تمَّ فهم المايكروبيوم بشكلٍ أفضل وذلك بمساعدة أساليب الهندسة الوراثيّة المتطوّرة التي ستفتحُ آفاقاً واسعةً من الإحتمالات.
المصدر: