الاقتصاد والعلوم الإدارية > الاقتصاد السوري
ولادة الليرة السورية
النقد السوري خلال الحكم العثماني:
لم تكن العملة المتداولة زمن الحكم العثماني في سورية مرتبطة بالدولة السورية آنذاك، وإنما ارتباطها كان بالحكم العثماني نفسه. قبل عام 1888م كانت الدولة العثمانية خاضعة لقاعدة المعدنين، وهي ليست بقاعدة رياضية وانما نظام صرف نقدي يعبر عن التداول بالنقود المعدنية (فضة-ذهب) عليها نقش عثماني معترف به ضمن الإمبراطورية العثمانية، كانت العملات المتداولة آنذاك: ليرات عثمانية ذهبية وفضية.
وفي نفس الفترة تم اصدار العديد من الأوراق النقدية العثمانية، ولكن لم تكن محمية بعلامات مائية وتميزت بندرة الإصدار، ولم يذكر أن تم التداول بها في دولة سورية آنذاك.
طبقت الامبراطورية العثمانية بعد عام 1888م قاعدة ذهب (المعدن الواحد)، حيث تم التعامل بعملة سورية دون شكلها الصريح، ضمن التعاملات بجانب الليرة الذهبية العثمانية والفرنسية والإنكليزية، وتميزت هذه الفترة بإصدارات ورقية عثمانية مغطاة 200% بسندات خزينة نمساوية وألمانية. وكان عام 1918 م عام مفصلياً لنهاية الحكم العثماني نتيجة الثورة العربية الكبرى، الأمر الذي مهد لظهور الليرة السورية فيما بعد.
والجدير بالذكر أنه في نفس العام 1918 م، لم تعد العملة الورقية العثمانية ذات قيمة قابلة للتداول، وحل مكانها الجنيه المصري المطبوع ببريطانيا، الذي جرى التعامل به في سوريا حتى عام 1923 م، مع الإشارة أنه بقي التعامل جارياً بالعملات الذهبية والفضية السالف ذكرهم والجنيه الإسترليني.
يذكر أن التعامل بالجنيهات المصرية في بعض المناطق السورية أدى إلى إطلاق تسمية (مصاري) كبديل عن كلمة نقود.
هذه صورة للجنيه المصري (إصدار البنك الأهلي) المتداول في سورية بعد انتهاء التعامل بالعملات العثمانية ودخول الجيش البريطاني من مصر
النقد السوري بين الحربين العالميتين (في ظل الانتداب الفرنسي):
في عام 1920م عندما وضعت سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي ولدت الليرة السورية-اللبنانية لأول مرة حيث تم إصدارها من قبل المصرف السوري (المصرف الفرنسي في سورية) الذي أعطي آنذاك امتياز إصدار النقد بقرار من المفوض السامي الفرنسي والذي اشترط ربطه بالفرنك الفرنسي (1ليرة = 20فرنك فرنسي) وتكونت واحدة الليرة السورية من أجزاء تدعى "غروش" بحيث كانت (الليرة الواحد = 100 غرش).
صورة لأول ليرة سورية إصدار (البنك السوري) عام 1919 م من فئة (100 غرش) أو ليرة واحدة، كما هو واضح تم معاملة النقود الورقية مثابة الشيك المسحوب على باريس (بالإضافة لمرسيليا في عملات أخرى)، وكل ليرة تعادل 20 فرنك فرنسي
وكانت الليرة في تلك الحقبة الابنة البارة للفرنك تتبع كل تحركاته، لكنه لم يكن من المقبول أن يعطى حق إصدار النقد بقرار من الاحتلال دون موافقة الحكومات المحلية لذا بدأت المفاوضات مع الحكومات المحلية عام 1924م وأثمرت إقرار هذا الإصدار باتفاقية نقدية بين الحكومة الفرنسية من جهة والحكومتين السورية واللبنانية من جهة أخرى، أعطت من خلالها "البنك السوري" الامتياز بإصدار هذه الليرة وذلك لمدة 15 عام، وعندما أريد تجديد الاتفاقية كانت الأمور تجري بسرعة وسلاسة مع الحكومة اللبنانية بشكل أكبر منها مع الحكومة السوري آنذاك... مما أدى إلى انفصال الليرتين السورية واللبنانية عن بعضهما في عام 1939م إلا أنهما كانتا قابلتين للدفع في كلا البلدين.
صورة لليرة واحدة عام 1939 إصدار بنك سورية ولبنان
وفي فترة الحرب العالمية الثانية رافق التحالفات الفرنسية البريطانية تحالف الفرنك الفرنسي مع الجنيه الإسترليني واقترن سعرا صرفهما ببعضهما، وتم ربط الليرة السورية عام 1941 بالجنيه الاسترليني وعُمم ذلك على جميع الأراضي الواقعة تحت حكم فرنسا (فكان الجنيه الإسترليني بعد احتلال الحلفاء لسورية تعادل 883.125 قرشاٌ سورياً، وكانت 22.65 ليرة سورية تعادل فرنكاً فرنسياً واحداً).
وفي عام 1947م، تم اعتماد الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية (1دولار = 2.19 ليرة سورية)، وظل التذبذب في أسعار الصرف يسبب المشاكل الاقتصادية لسورية حتى ضاقت حكومتها ذرعاً بذلك وبدأت المفاوضات لاستقلال الليرة وتصفية الديون مع فرنسا حتى تركت سورية منطقة الفرنك عام 1948م.
النقد السوري منذ الاستقلال وحتى تاريخ اليوم:
دام إصدار الليرة السورية مرتبطاً إدارياً بفرنسا حتى بعد استقلال سورية، فما زال الإصدار يتم تحت إشراف فرنسي عن طريق مصرف سوريا ولبنان بتوقيع الرئيس بوسون، ولكن مع إدراج توقيع مدير شُعَب سوريا على النقد فكان آخر إصدار ورقي للمصرف المذكور عام 1949 م، ومرت الحكومة النقدية السورية بعمليات تأسيس متتابعة حتى 1957 م، فتم إصدار أول ليرة سورية مستقلة عن فرنسا عام1953.
صورة لأول ليرة سورية ،، نلاحظ سميت الإصدار الأول ،، صادرة عن مؤسسة النقد السورية 1953 م
وتم إدراج اسم الجمهورية السورية، وتوقيع الحاكم (حاكم المصرف المركزي)، وتوقيع وزير المالية في البدايات في اصداري 1953 و1957، ثم تم اعتماد توقيع وزير الاقتصاد فيما بعد.
وتم إصدار عملات معدنية من فئات القروش (2.5، 5، 10، 25، 50)، بالإضافة إلى عملات ورقية من فئات (1، 5، 10، 25، 50، 100، 500) ليرة.
صورة لأول ليرة سورية صادرة عن مصرف سوريا المركزي ،،، سنة 1957 م ،، عليها توقيع الحاكم ، وتوقيع وزير المالية
اعتمد المصرف المركزي سياسة سعر الصرف الثابت حيث تم تسعير الدولار ب 3.65 ليرة في عام 1976، وتم تعديل السعر حتى وصل إلى 11.25 عام 1989، وأصبح في التسعينات 48.5 ليرة إلى جانب سعر الصرف المتعدد.
وفي مطلع عام 2000 تم إصدار عملات ورقية من فئة 200 و1000 ليرة؛ بالإضافة إلى طرح إصدارات جديدة من باقي الفئات، والاستغناء عن النقود الورقية المساعدة (1، 5، 10، 25) بصكها معدنياً إلى جانب الليرة والليرتان.
ظل ربط الليرة بالدولار الأمريكي ساري حتى أتى قرار فك ارتباط الليرة السورية بالدولار وربطها بسلة عملات (وحدات حقوق السحب الخاصة) في آب من عام 2007: اليورو، الاسترليني، الدولار، الين وبأوزان متفاوتة، مروراً بسياسات صرف آخرى سوف نتطرق لها في بحث لاحق.
المصادر:
د. أحمد زهير شامية، مصطفى حسين 2007، مدخل إلى اقتصاديات النقود والمصارف. مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، جامعة حلب، بتصرف.
أحمد السمان، 1960، موجز الاقتصاد السياسي، الجزء الثاني، مطبعة جامعة دمشق، بتصرف.
بدر الدين سباعي، 1967، أضواء على الرأسمال الاجنبي في سورية (1850 – 1958)، دار الجماهير، دمشق. بتصرف.