علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث
الباريدوليا: كيف نخلق معنى من العشوائية؟
ما الذي كنت تفعله في الساعة الحادية عشرة وإحدى عشر دقيقة، في اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر عام ألفين وأحد عشر؟"
إذا سبق وكان هذا الحدث مهماً وخاصاَ وله معنى بالنسبة لك لمجرد تواجد هذا النمط من التسلسل على ساعتك الرقمية فهذا يدل على أنك قد تعاني من الاستسقاط.
الاستسقاط " Apophenia" هو خطأ التصور .. إنه الميل لتفسير أنماط عشوائية على أنها ذات معنى.
ويتجلى الاستسقاط في العديد من الطرق المختلفة. على سبيل المثال : تفسير كلمات مبهمة على أنها ذات مغزى، أو قراءة الشفاه بدون صوت ما يؤدي إلى سوء فهم المعنى، أو تفسير أنماط الأرقام على أنها ذات دلالة ومعنى.
الاستسقاط هو تجربة إنسانية طبيعية. إنه ليس مرضياً غالباً. لكنه قد يصبح كذلك لدى مرضى الفصام، حيث يتم تفسير الأنماط بشكل متهور وطائش.
ينتج الاستسقاط من تطور الإدراك البشري. إن القدرة على التعرف على الأنماط التي تمثل أشياء نأكلها، أو نتجنبها، أو نعيد إنتاجها، ما هو إلا توظيف لمعلومات وصلتنا من محيطنا الحيوي وساعدتنا على البقاء.
الطيور تقوم بذلك، وكذلك النحل والبراغيث والفيروسات.
إن التعرف على الأنماط هو ما يفعله جهاز الكومبيوتر عند إدخال اسم المستخدم وكلمة المرور.
الاستسقاط لا يعني مجرد التعرف على الأنماط فحسب، بل يعني أيضاً تفسير الأنماط في بيانات عشوائية تبدو وكأنها ذات معنى.
الباريدوليا "Pareidolia" هي استسقاط بصري .. إنها الميل لتفسير مؤثرات غامضة على أنها مألوفة بالنسبة للمشاهد.
مثل رؤية أشكال حيوانات في الغيوم .. أو رؤية وجه رجل في القمر أو رؤية أشباح في الظلال أو رؤية وجه أحد الرموز الدينية في شطيرة الجبن المشوية أو رؤية أسماء هذه الرموز الدينية على أحد الحيوانات أو الفواكه أو جذوع الاشجار .... إلخ
إننا من خلال الباريدوليا نسعى لخلق المعنى عندما يكون غائباً. ما من خطر من رؤية وجوه في الغيوم أو رجل في القمر، إنها عمليات غير مؤذية. لكن الباريدوليا قد تصبح خطيرة في بعض الأحيان خصوصاً عندما تأخذ منحى سياسياً أو دينياً. كرؤية أحد الرموز الدينية على قطعة من الخبز المحمص، واعتبار ذلك معجزة إلهية. أو زعم جماعة سياسية أنها رأت وجه مرشحها الرئاسي في نسق الزهور في حديقة البيت الأبيض.
ولتفسير هذه الظاهرة، افترض الفلكي الأمريكي " Carl Sagan" أن العقل البشري طور تقنية للتعرف على الوجوه والأشياء بتفاصيل قليلة. فبإمكان العقل، عن طريق ربط بعض التفاصيل أو الملامح، أن يبني أنماطاً يربطها مع بعضها البعض ليتعرف على ملامح لأشخاص مألوفين، أو أصوات مألوفة.
على الرغم من أن الباريدوليا لا تقتصر على رؤية الوجوه فقط إلا أنها تعني تفسير أي مثير غامض على أنه ذو معنى. مثل تفسير الغثيان على أنه نوبة روماتيزم، أو سرطان معدة، أو قرحة، أو دودة شريطية. أو تفسير صداع الرأس على أنه تمدد أوعية دموية، أو ورم في المخ، أو إشارة على الاقتراب من الموت.
الاستسقاط والباريدوليا قد يكون نعمة للفنانين، وذلك عندما تؤدي المحفزات البصرية أو الصوتية إلى الالهام. فتبدو الظلال وكأنها شخص عار. أو تلهم أصوات العصافير بتأليف لحن أو ابتكار آلة موسيقية.
إن الاستسقاط يساعدنا على تفسير التوريات والتلاعب الذكي بالكلمات. كما أن التلاعب بالباريدوليا هو ما يجعل بعض لوحات سلفادور دالي سحرية.
فيما يخص النمط "11.11.11" فهو استسقاط يعتمد على الأرقام المتناسبة. إن البشر يحبون أنماط الأرقام ويخافونها في نفس الوقت. سواء أكانت الرقم "7" و "11" المرتبطين بالحظ، أو "13" المرتبط بالخطر ، أو "666" المرتبط بالشيطان.
بعض الأنماط مثل تلك الموجودة في الفحوص الطبية أو الحسابات المصرفية هي ذات مغزى كبير. بعضها قد يبدو ذو معنى لكنه ليس كذلك.
إنها مماثلة لعلم التنجيم، الذي يحدد أنماط ذات معنى في الحركات الظاهرة للأجرام السماوية بالنسبة للأرض.
إن هاجس "11.11.11" هو شكل من أشكال الاستسقاط، الذي ينتج في جزء من التكنولوجيا الرقمية. حيث أنه قبل مئة عام كانت الساعات دائرية، ومتناظرة، وتدون التاريخ باستخدام الأرقام الرومانية الشائعة الاستخدام حينئذ، فكان" "XI يشير إلى الرقم "13".
بعد مئة عام من الآن ، عندما تترقب الحادي عشر من تشرين الثاني عام 2111، ربما قد تكون الطريقة المرجحة لكتابة الرقم "11" في الولايات المتحدة و أوروبا هي الرمز الصيني لهذا الرقم. والذي سوف يحمل معه ثروة من الاستسقاطات الرقمية هي الآن خارج مجال إدراكنا لأننا ببساطة لا نستخدم هذه الرموز الرقمية في عصرنا الحالي، ومن المرجح أن تكون هده الرموز الصينية موضوعاً للاستسقاط أيضاً.
لقد حان الوقت لصرف النظر عن هذه المعاني الخيالية التي أنشأناها بأنفسنا، ليس كل مافي هذا العالم بذي معنى، يجب أن نتعلم كيف نميز بين تفسير المعنى. وبين بناء معنى.
إن التغير المستمر في تفسير وإدراك الأنماط هو ما يجعل من التجربة الإنسانية تجربة رائعة.
فتمييز وتفسير الأنماط عملية جوهرية لبقائه.
ولكن قبل أن يسأل المرء "ما هو معنى الحياة؟"، عليه أن يجيب أولاً "هل هناك معنى للحياة؟” “فما تجربة الانسان إلا حالة من الاستسقاطات المتتالية التي تستحق الدراسة” إن تأمل ذلك سيبقينا مشغولين لفترة من الزمن.
المصادر: