الحرب العالمية الأولى..الاغتيال الذي غير وجه أوروبا

في السنين السابقة للحرب كانت القوى العالمية العظمى تنحصر في روسيا والامبراطورية النمساوية الهنغارية والمملكة المتحدة وفرنسا، وهذه اللائحة لم تتغير منذ القرن الثامن عشر باستثناء بروسيا (ألمانيا حالياً) والذين شكلوا تحالفاً دبلوماسياً وعسكرياً لأغراض دفاعية.

وفي القرن التاسع عشر ظهر مفهوم جديد على الساحة الحربية الأوروبية وهو مفهوم الحرب السريعة، الذي تبنته ألمانيا التي خرجت منتصرة في حرب السبعة أسابيع ضد فرنسا، مما أدى إلى تحول ألمانيا من دولة ذات دور ثانوي في الحروب إلى قوة عظمى أوروبية.

فَتَحتَ حكم القيصر (فيلهلم الثاني) أصبحت تركز على تشكيل أحلاف مع جيرانها الشرقيين، كروسيا والامبراطورية النمساوية الهنغارية وإيطاليا التي أصبحت بدورها قوة عظمى في أوروبا. وهذا التحالف الذي تشكل عام 1882 بين الدول السابقة ظل قائماً حتى عام 1914.

الشكل (1): قيصر ألمانيا فيلهلم الثاني

أما الامبراطورية النمساوية الهنغارية التي كانت تحت حكم فرانز جوزيف الأول الذي امتدت امبراطوريته من جنوب ألمانيا حتى البلقان وعاصمتها (فيينا)، كانت خارجة من حرب البلقان ضد الامبراطورية العثمانية، وكانت مزدهرة من الناحية الاقتصادية والأدبية والفنية.

الشكل (2): الامبراطور فرانز جوزيف

وفي آسيا الصغرى التي كانت تحت حكم العثمانيين التي شملت البلقان حتى إيران شرقاً وشبه الجزيرة العربية جنوباً وشمال إفريقيا غرباً، كانت تحت حكم السلطان محمد الخامس وعاصمتها القسطنطينية (إسلامبول – إسطنبول).

استلم محمد الخامس عرش الامبراطورية، و كانت الدولة في حالة انهيار، لكنها كانت لا تزال متماسكة، وأصبح رؤساء الحزب الاتحادي هم الحكام الفعليون، وكان السلطان ألعوبة في أيديهم، ففقدوا العديد من أراضيهم في البلقان بعد عدة حروب مع الامبراطورية النمساوية الهنغارية وفقدوا ليبيا بعد الحرب مع إيطاليا.

الشكل (3): السلطان محمد الخامس

وفي المعسكر الآخر بقيادة المملكة المتحدة التي حكمها جورج الخامس الذي كان منشغلاً بتوسيع مستعمراته في كل من أوروبا، وإفريقيا، وأمريكا الشمالية، وآسيا وأقيونوسيا.

وسعت المملكة المتحدة لتوسيع ترسانتها الحربية و خاصة أسطولها البحري والذي اعتبر أكبر الأساطيل الحربية في ذلك الوقت. وعاشت فترة ازدهار من الناحية الاقتصادية.

الشكل (4): ملك المملكة المتحدة جورج الخامس

أما حليفتها الجديدة فرنسا التي تعتبر القوة العظمى الثانية، فقد سعت في تلك الفترة لإنشاء تحالف مع الامبراطورية الروسية والمملكة المتحدة خوفاً من تصاعد قوة ألمانيا، فعززت مستعمراتها في شمال ووسط قارة افريقيا وحكمها في تلك الفترة (ريمون بوانكاريه).

الشكل (5): رئيس فرنسا ريمون بوانكاريه

أما في الشرق حكمت الامبراطوورية الروسية و قيصرها (نيقولا الثاني) الملقب بنيقولا الدموي وريث عائلة رومانوف معظم أوروبا الشرقية و شمال آسيا و تميزت بالعداوة الشديدة مع الامبراطورية العثمانية بعد حروب عديدة. وقد تميز عهده بالعجز الاقتصادي والفقر والبطالة التي قاسى منها الشعب لسنوات عديدة مما أدى لاشتعال ثورة في روسيا عام 1905.

فعانى الجيش الروسي من الضعف في العتاد و المعدات بالرغم من كثرة الجنود حيث اعتبر أضخم جيش في ذلك الوقت حيث قدرت أعداده بحوالي 5 ملايين جندي.

الشكل (6): قيصر روسيا نيقولا الثاني

وكانت إيطاليا تحت حكم (فيكتور إيمانويل الثالث)، عضواً رسمياً في التحالف الثلاثي مع ألمانيا وهنغاريا والامبراطورية النمساوية الهنغارية، فقامت بتعزيزعلاقاتها الدبلوماسية مع كل من بريطانيا وفرنسا، لقناعتها أن دعم النمسا (التي كانت أيضاً العدو التقليدي لإيطاليا خلال القرن التاسع عشر خلال فترة توحيد ايطاليا) لن يمنحها أياً من الأراضي التي تطمح للحصول عليها كزادار واستريا (في كرواتيا). ونتيجة لذلك وقعت اتفاقاً سرياً مع فرنسا عام 1902 يلغي عملياً عضوية إيطاليا في التحالف الثلاثي.

الشكل (7): ملك ايطاليا فيكتور ايمانويل الثالث

وفي 28 حزيران من عام 1914 كان ولي العهد في الامبراطورية الهنغارية النمساوية الأرشيدوق (فرانس فيرديناند) في رحلة لزيارة البوسنة (سراييفو) مع زوجته في موكب يتألف من 6 سيارات وفي الطريق كانت تنتظره مجموعتان من الصرب القوميين فقامت المجموعة الأولى بمحاولة فاشلة لاغتياله عن طريق إلقاء قنبلة يدوية تحت سيارته لكنها انفجرت في السيارة التي كانت خلفه مما أدى لجرح بعض من مرافقيه .

ولما قرر زيارة المشفى للاطمئنان على مساعديه - وكان يتواجد فيه جرحى الحادثة – وكان يقع قرب مقهى، حدث ارتباك أمني، فقد كان ولي العهد دون حراسة، وفي نفس الوقت كان (غافريلو برينسب) أحد الصرب المتآمرين في ذلك المقهى، فحين وقوف الموكب أمام باب المشفى، قام غافريلو بإطلاق النار دون تردد على ولي العهد وزوجته مما أدى إلى مفارقتهم الحياة، وكانت تلك الطلقتين هما السبب في اشتعال الحرب التي ساقت أوروبا إلى اضطرابات دامت حوالي ثلاثة أرباع قرن بالرغم من أن عملية الاغتيال لم تلق تغطية إعلامية كبيرة في بادئ الأمر.

الشكل (8): اغتيال ولي العرش النمساوي

وكانت العلاقات بين الامبراطورية النمساوية الهنغارية وصربيا في حالة توتر وأدت حادثة الاغتيال واكتشاف أن مصدر السلاح الذي قتل ولي العهد من مستودعات الجيش إلى امتلاك الامبراطورية النمساوية العذر المناسب لمحاربة صربيا تحت ذريعة الانتقام لولي العهد.

وبعدها ذهب ريمون بوانكاريه رئيس فرنسا لزيارة روسيا لتوطيد العلاقات و تجديد المعاهدة بين الحلفاء وعندما عاد إلى فرنسا أمر الجيش الفرنسي بالتسلح و التأهب للحرب.

وفي 23 تموز من نفس العام أرسل فرانز جوزيف برقية إلى صربيا تأمر بالتحقيق في حادثة اغتيال ابن شقيقه ولي العهد و كان رد الصرب بالنفي، مما أدى إلى انتشار شائعة تقول أن رئاسة الوزراء الصربية علمت بالمؤامرة ولم تفعل شيئاً لمنع عملية الاغتيال.

وبدأت الحرب في 28 تموز عندما أعلنت الامبراطورية النمساوية الهنغارية الحرب على جارتها صربيا وأدخلت المدافع وبدأت بقصف بلغراد، ونتيجة لذلك قام قيصر روسيا بتحريك قواته إلى الحدود مع الامبراطورية النمساوية.

الشكل (9): المدافع النمساوية تقصف بلغراد

وفي 30 تموز أرسل فيلهلم الثاني قيصر ألمانيا برقية إلى قريبه نيقولا قيصر روسيا بإبعاد جيشه عن الحدود و لكن الرد لم يصل.

في 1 آب أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا وبعدها بيومين أعلنت الحرب على فرنسا وفي نفس الليلة دخل الجيش الألماني إلى بلجيكا لمحاولة إحاطة الجيش الفرنسي من الشمال و الشرق.

وكانت بلجيكا بعد حروب نابليون تعتبر منطقة عازلة فبعد اختراق الجيش الألماني لهذه المعاهدة أعلنت المملكة المتحدة الحرب على ألمانيا في 4 آب وهكذا تكون جميع القوى الأوروبية العظمى قد دخلت الحرب للمرة الاولى منذ 100 عام.

نشكر السيد Rafeek Siofi على مساعدته في انجاز هذا العمل.

المصادر:

هنا

هنا