الهندسة والآليات > الطاقة
عمليةُ بِناءٍ ضوئيٍ اِصطناعية: خلايا وقودٍ تُحاكي عملَ أوراقِ النباتاتِ في تخزينِ وتوليدِ الطاقة
إنَّ توليدَ وتخزينَ الطاقةِ المُتَجدِّدَةِ -مثلَ الطاقةِ الشمسيةِ وطاقةِ الرياح- يُشكِّل العائقَ الرئيسيَّ في اقتصادِ الطاقةِ النظيفة. فعندما تمَّ تأسيسُ مَركَزِ البناءِ الضوئيِّ الاصطناعيِّ المشتركِ (JCAP) في معهدِ كاليفورنيا لِلتكنولوجيا في عام 2010، كان مَقَرُّ "وسائلِ الطاقةِ المبتكرةِ" في وزارةِ الطاقةِ الأميركية لديهِ هدفٌ رئيسيٌّ واحدٌ، و هو إيجادُ طريقةٍ غيرِ مُكْلِفةٍ لِإنتاجِ الوقودِ بِاستخدامِ العناصرِ التاليةِ فقط: أشعةُ الشمسِ والمياه وثاني أكسيدِ الكربون. حيث يتمُّ مُحاكاةُ عمليةِ البناءِ الضوئيِّ في ورقةِ النبات، ومِن ثَمَّ يتمُ تخزينُ الطاقةِ الناتجةِ من تلك العمليةِ على شكلِ وقودٍ كيميائيٍّ، حيثُ يتمُّ الاستفادةُ منه عندَ الحاجة.
وعلى مدى السنواتِ الخمسِ الماضية، حقَّق الباحثون في مركَزِ (JCAP) تقدماً كبيراً نحوَ هذا الهدفِ، فَهُم الآن يُقَدِّمونَ تقريراً عن تطويرِ أولِ نظامٍ متكاملٍ وآمنٍ يعتمدُ على الطاقةِ الشمسيةِ لِتشكيل الوقودِ الهيدروجيني؛ وذلكَ عن طريقِ تحليلِ جزيئاتِ الماء.
ويقولُ المشرفُ العامُّ على هذهِ الدراسةِ في مركز (JCAP) والدكتورُ الكيميائي في معهدِ كاليفورنيا (Nate Lewis) "إنَّ هذهِ النتيجةُ هي حجرُ الأساسِ والثمرةُ المَرجُوَّةُ لِمشروعٍ قد اِمتدَّ لِفترةِ خمسِ سنواتٍ. ولم يكنْ تحقيقُ هذه النتيجةِ هو إنجازنُا الوحيد، فَوصولنا إلى تلكَ النتيجةِ خلالَ الزمنِ المُجَدوَل والميزانيَّةِ المحدَّدة هو إنجازٌ بِحدِّ ذاتِه ".
كما صرّح (Atwater) قائلاً: لقد ساعدَ هذا الإنجازُ على لفتِ الانتباهِ إلى المعرفةِ والأفكارِ البناءةِ والقدراتِ التي يمتلكُها مركزُ (JCAP)، والتي بدورِها تُعطينا إنطباعاً عنِ الإنجازِ الذي قدْ يتمُّ الوصولُ إليه بِواسطةِ أيِّ فريقِ عملٍ مُتَكامل. إنَّ هذا الجهازَ الذي تمَّ التَّوصُلُ إليه ما هو إلَّا حصيلةَ عدّةِ سنواتٍ من الجهدِ والعملِ الشاقِ لِلوصولِ إلى التصميمِ والمكوناتِ المناسبةِ لِبناءِ مُولِّدِ وقودٍ شمسيٍّ مُتكامل"
ويتكوَّنُ هذا الجهازُ من ثلاثةِ عناصرٍ رئيسيةٍ وهي: قطبينِ ضوئيينِ –أحدُهما عبارةٌ عن مصعدٍ ضوئي والآخرُ عبارةٌ عن مِهبَطٍ ضوئي- بالإضافةِ إلى غشاءٍ رقيق.
وتَتِمُّ آليةُ عملِ الجهازِ -باختصارٍ شديدٍ- كالتالي:
يقومُ المصعدُ الضوئي بِاستخدامِ أشعةِ الشمس لِأكسدةِ جزيئاتِ الماء، فَـ يتمُّ تحليلُ جزيئاتِه إلى البروتوناتِ والإلكتروناتِ وكذلك غازِ الأكسجين. ويقومُ المِهبط الضوئي بِإعادِة توحيدِ تلك البروتوناتِ والإلكترونات لِتشكيلِ غازِ الهيدروجين. وفي الوقتِ ذاتِه يقومُ الجزء الثالثُ في هذا الجهازِ وهو "الغشاءُ البلاستيكي الرقيقُ" بِالحفاظِ على غازِ الأكسجين والهيدروجين منفصلينِ عن بعضِهما؛ حيث أنَّهُ إذا تمَّ السماحُ لِلغازَيْنِ بِالاختلاطِ وتواجدتْ شرارةٌ في المحيطِ بطريقةٍ ما، فإنَّ ذلك قد يؤدي إلى حدوثِ انفجار. فهذا الغشاءُ البلاستيكي يسمحُ بِتكوينِ وقودِ الهيدروجين حيثُ يتمُّ جمعُهُ بشكلٍ منفصلٍ تحتَ ضغطٍ معين، ومن ثَمَّ دفعُه إلى الأنابيبِ بِأمان.
إنَّ هذا الجهازَ الإبداعيَّ لم يتمْ صُنعُه بين عشيَّةٍ وضُحاها، وإنما اِحتاجَ إلى خمسِ سنواتٍ متواصلةٍ وجهدِ عددٍ كبيرٍ من العلماءِ والباحثين حتى يرى الضوء. هنا بعضُ التطوراتِ التي حصلتْ لِكلِّ جزءٍ من الأجزاءِ الثلاثةِ، مع شرحٍ مُبسطٍ لِوظيفةِ كل عنصرٍ منهم:
إنَّ أشباهَ الموصلاتِ كَـ السيليكون (silicon) أو زرنيخيد الغاليوم (gallium arsenide) تستطيعُ أنْ تمتصَّ الضوءَ بِكفاءةٍ عالية؛ لِذلك يتمُّ استخدامُها في الألواحِ الشمسيةِ والأقطابِ الضوئية. ولكن بِالرغمِ من ذلك إلَّا أنَّ هذهِ الموادَّ قابلةٌ لِلأكسدةِ "الصدأ" وذلك عندَ تعرُّضِ أسطُحِها لِلماء، لذلك لا يمكنُ أنْ تُسْتَخدمَ وحدَها لِتوليدِ الوقودِ الشمسي مباشرةً.
ولقد كان التقدمُّ الكبيرُ الذي تمَّ إحرازُهُ في مختبراتِ (JCAP)يتمثَّلُ في إضافةِ طبقةٍ ذاتِ سماكةٍ ضئيلةٍ جداً -تَصِلُ إلى عدَّةِ نانومتراتٍ- من ثاني أكسيدِ التيتانيوم (TIO2) على الأقطابِ الضوئيةِ المكوَّنةِ من تلك الموادِ شِبْهِ المُوَصِّلَةِ ؛ حيثُ يساعدُ على منعِها من التآكُلِ بِسبب الصدأِ، وفي الوقتِ ذاتِه لا يمنعُ الضوءَ والإلكتروناتِ من العبور. ولقدْ استخدمَ الدكتورُ (Nate Lewis) وزملاؤُهُ في جهازِهِم طبقةً يبلغُ سُمكُها 62.5 نانومتر مِن ثاني أكسيد التيتانيوم (TIO2) ، وهذه المادةُ تدخلُ في صناعةِ بعضِ معاجين الأسنانِ و في الطلاءِ الأبيض وكريماتِ الوقايةِ من أشعّةِ الشمس.
يحتاجُ المصعدُ الضوئي –وهو العنصرُ الذي يلتقطُ أشعةَ الشمس- إلى مُحفِّزَاتٍ لِيقومَ بتوليدِ التفاعلِ الأساسي والمسؤولِ عن تحليلِ جزيئاتِ الماء. ولكنْ الموادَ الشبهَ مُوصِّلةٍ كَـ السيليكون وَ زرنيخيد الغاليوم لا تَستطيعُ القيامَ بذلك، في حينِ أنَّ بعضَ العناصرِ النادرةِ وذاتِ السعرِ المرتفعِ جداً –كـ البلاتينيوم- تستطيعُ القيامَ بِعمليةِ التحفيز تلك.
اِكتشفَ فريقُ العملِ أثناءَ محاولتِهم لِحلِّ هذه المشكلة، أنَّهُ في حالِ إضافةِ طبقةٍ من النيكلِ (NiOx) ذاتِ سمك 2 نانومتر على سطحِ ثاني أكسيد التيتانيوم (TIO2) فإنَّها ستعملُ كَمحفِّزٍ نشطٍ وَذي تكلفةٍ منخفضةٍ في الوقتِ ذاته. إنَّ مُحفِّز النيكل هو أحدُ أنشطِ المحفزاتِ المعروفةِ في تحليلِ جزيئاتِ الماء إلى غاز أكسجين وَبروتوناتٍ وَإلكترونات، لِذلك يُعتبرُ المُعاملَ الأهمَّ في تحديدِ كفاءةِ هذا الجهاز.
وفي المقابلِ فإنَّ المِهبطَ الضوئيَّ يحتاجُ كذلك إلى مُحفِّزٍ لكي يقومَ بِعملِه، لذلك يتمُّ تَبْطينُهُ بِطبقةٍ نانومتريةٍ -ذاتِ نشاطٍ عالٍ وتكلفةٍ مرتفع- من صفيحة النيكل و الموليبدينوم (NiMo). وبعدَ الانتهاءِ من وَضْعِ هذه الطبقةِ، يكونُ قد تمَّ بناءُ الجزءِ المسؤولِ عن تحليلِ الماءِ وَاستخراجِ الوقودِ الهيدروجيني (صورة 1).
وكما ذكرنَا سابقاً، فإنِّ هناك عنصراً آخرُ يساهمُ في كفاءةِ وسلامةِ هذا النظام، إنَّه ذلك الغشاءُ البلاستيكي الذي يقومُ بالفصلِ بين الغازاتِ ويمنعُ احتمالَ وقوعِ انفجار. ولكنْ في الوقتِ ذاتِه، يسمحُ لِلأيوناتِ بالتدفُّقِ بِسلاسةٍ لِاستكمالِ الدائرةِ الكهربائية.
إنَّ جميعَ العناصرِ الثلاثةِ السابقِ ذِكرُها، تعملُ بِشكلٍ تكامليٍّ لِلوصولِ إلى أعلى كفاءةٍ ممكنة. وَ وِفْقاً لِلظروفِ الخارجيةِ والداخليةِ، فلقد تمَّ تصميمُ هذه العناصرِ لكي تعملَ بِشكلٍ مٌسْتقرٍّ و ثابتٍ تحتَ الظروفِ ذاتِها.
إنِّ هذهِ الخليةَ الورقيةَ الصغيرةَ و التي تبلغُ مساحتُها 1 سم مربع، اِحتاجتْ إلى تَكافُلِ جهودِ مجموعةٍ من الفُرُقِ العِلميةِ المُتخصِّصَةِ في مجالاتٍ مختلفة، فَـ مِن فريقِ البحوثِ و التطويرِ و فريقِ المحاكاةِ إلى فريقِ الموادِ و خصائصِها و فريقِ التصميم.. جميعُهُم شاركوا في تطويرِ هذا النظامِ الجديد؛ لِيصبحِ قادراً على تحويلِ 10% من طاقةِ أشعةِ الشمسِ إلى طاقةٍ مُختَزنةٍ على شكلِ وقودٍ كيميائي، كما يستطيعُ هذا الجهازُ أنْ يعملَ لِمدةِ 40 ساعةٍ متواصلة.
بعدَ إطِّلاعِكَ على هذا المقالِ عزيزي القارئ، هل تستطيع أنْ تُخبِرنا عن تَنبُّؤاتِك لِهذهِ التقنيةِ مستقبلاً؟ وهل تتوقع ظهورَ تقنياتٍ أخرى تقومُ بِتخزينِ الطاقةِ المتجددة؟.. شاركنا بِرأيك في التعليقات.
المصدر: