التاريخ وعلم الآثار > حضارة اسلامية
عبد اللطيف البغدادي ... أول طبيب عربي شحص داء السكري
ولدت في بغداد ونسبت إليها، وعشت حياتي الأولى في كنف أسرة اشتهر معظم رجالها بعلوم الفقه والحديث والتفسير والأصول. كان أبرزهم والدي يوسف الذي دفعني إلى مجالس شيوخ بغداد كي اتلقى علومي الأولى جرياً على عادات عصري في حفظ القرآن ودراسة الحديث وقواعد اللغة العربية وآدابها وشعرها، وقد أخذتها وأتقنتها في مجلس كمال الدين عبد الرحمن الأنباري.
عُرفت منذ صغري بشغفي للمطالعة والبحث والحفظ، فحفظت كتاب «المقتضب» للمبرد أبي العباس البصري و«أدب الكاتب» لابن قتيبة. ثم انصرفت إلى دراسة الفلسفة ومطالعة كتب أرسطو وأفلاطون بالإضافة لعلماء الكلام والتصوف العرب، فدرست كتاب «مقاصد الفلاسفة» و «ميزان العمل» للإمام الغزالي. بالإضافة لكتاب «النجاة» لابن سينا ونسخت له كتاب «الشفاء» بخط يدي.
استهوتني دراسة الكيمياء فطلبتها في كتب جابر بن حيان وكتب ابن سينا، ولكني سرعان ما سئمت من طلاسمها فأقريت ببطلانها. ثم تعمقت في دراسة النبات لعلاقتها بصناعة الدواء ودرست كتب ابن وافد وأبي حنيفة الدينوري واختصرهما، إضافة إلى كتاب «الحشائش» لديوسقوريدس. وكانت صناعة الطب ودراستها وتدريسها هوايتي المفضلة التي انصرفت بكل جوارحي وجهدي إلى إتقانها والبحث في كتب مشاهيرها المعاصرين لي أو الذين تقدموني كابن سينا، الذي انتقدته في بعض معالجاته وأفكاره لأن قياسه ساذج والقياس الساذج في صناعة الطب مطروح، فإن صححتَه وصدّقته قُبِل، وإلا رُدّ وطُرح.
وإلى جانب هذه العلوم اهتممت بدراسة التاريخ والجغرافية وصنف الكتب ووصفت الأقطار التي زرتها، إذ كنت مولعاً بالترحال طلباً للعلم. فقد سافرت إلى الموصل وحضرت مجلس بعض علمائها مثل موسى بن يونس عالم الحساب والكيمياء والفقه، كما زرت القدس واجتمعت بصلاح الدين الأيوبي والتقيت المؤرخ بهاء الدين ابن شداد والقاضي الفاضل، ثم زرت القاهرة وجلست أقرأ بالناس في الجامع الأزهر كما فعلت في المسجد الأقصى في القدس. ومن القاهرة رحلت إلى دمشق وأقمت بالمدرسة العزيزية حيث زاولت تدريس مختلف العلوم ولاسيما الطب. ومنها رحلت إلى بلاد الروم وإلى بعض مدن الشرق الإسلامي. وفي كل هذه المدن حصلت على إجازات من شيوخها. ثم عاودني الحنين إلى مسقط رأسي في بغداد فعدت إليها بعد غياب دام 45 سنة وتوفيت فيها بعد مرض عضال ودفنت في مقبرة الوردية .
من منجزاتي المهمة هو أنني أول طبيب عربي تنبهت على مرض السكري وشخّصت أعراضه السريرية ولخصتها في استرسال البول والعطش الدائم الشديد بسبب كثرة التبول وانطراح الماء الذي يرد إلى الكلية دون الاستفادة منه. أما معالجتي فهي تقوم على الحمية والتغذية المقننة والراحة والهدوء النفسي.
كما أنني جعلت التشريح ضرورة من ضرورات صناعة الطب ودراستها ومزاولتها، وألحيت على الاعتماد عليه في المعالجة والوصول إلى اليقين. فأنا أول من قال أن الفك السفلي للفم هو قطعة واحدة لا قطعتين مخالفاً رأي جالينوس، وذلك بعد التجارب الكثيرة التي قمت بها. حيث كان جالينوس قد عَلّمنا بأن الفك الأسفل يتألف من عظمين، يجمع بينهما نسيج ضام، غير أنني عاينّت ألفي عظم ولم أجد فيها فكاً واحداً مؤلفاً من عظمين.
تركت ورائي ثروة علميَّة كبيرة بلغت أكثر من 150 كتاباً ومقالةً ورسالةً في الطبِّ والفقه والفلسفة والمنطق والتاريخ واللغة والأدب، إلا أن أكثر مؤلفاتي ضاعت بسبب الكوارث والحروب. فبعضها أحرق وبعضها سلب ونقل، فاندثرت بسبب ذلك معظم الثروة الفكرية العربية الإسلامية. وما بقي من كتبي ذكره ابن أبي أصيبعة في كتابه «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» ومنها:
- مقالة في الحواس ومدركاتها ومراتبها ونسب بعضها إلى بعض.
- مقالة في داء السكري والأدوية النافعة فيه.
- مقالة في ميزان الأدوية المركبة من جهة المركبات.
- كتاب «الكفاية في التشريح».
- رسالة في المعادن وإبطال الكيمياء.
- كتاب «انتزاعات في منافع الحشائش».
- كتاب «المدهش في أخبار الحيوان» .
- كتاب «الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر».
- كتاب «الجامع الكبير في المنطق والعلم الطبيعي والعلم الإلهي» في عشرة أجزاء.
المصادر : 1- شحادة.عبد الكريم، صفحات من تاريخ التراث الطبي العربي الإسلامي، 2005.
2- الزركلي. خير الدين، الأعلام، دار العلم للملايين، 2002.