الطب > طب الأسنان
التصبُّغاتُ السنيّةُ Dental discolouration (الجزء الأول)
تصبُّغاتُ الأسنانِ الخارجيةِ وكيفيةُ عِلاجِها
----------------------------------------------------------
لا شكَّ أنَّ مُعظمَنا يسعى لأن يكونَ مظهرُه الخارجيُّ لائقاً على أكملِ وجهٍ ويحاولُ دائماً إضفاءَ سِمَةَ الجمالِ على وجهه بِفَضْلِ ابتسامته، ولكنْ من أكثرِ المشاكلِ الجماليةِ غيرِ المَرغوبةِ والتي تقفُ عائقاً أمام رِضانا عن مَظهرِنا هي تغيُّرُ لونِ أسنانِنَا عن لونِها الطبيعي، وربّما تصلُ إلى مرحلةٍ تجعلُنا نشعُرُ بالحَرَجِ أمامَ الأصدقاءِ أو زُملاءِ العملِ والدراسة. فما هي الأسبابُ الكامنةُ وراءَ تغيُّرِ لونِ الأسنان؟ وكيف يتم علاجه؟ دَعُونا نُجيبُكم في هذا المقال:
----------------------------------------------------------
إنَّ لونَ الأسنانِ الطبيعي مُتَدرّجٌ من الرمادي المُصفَّر إلى الأبيض المُصفَّر، وكما نعلمُ بأنَّ الجزءَ التاجيَّ من السن (الجزء الظاهر في الفم) مُتَألِّفٌ من الميناءِ (القسم الخارجي من السن) والعاج (القسم الذي يلي الميناء) واللُّب (القسمُ الداخلي من السن)، وأيُّ تغيُّرٍ في هذه البِنَى من المُحتملِ أنْ يُسبِّبَ تبدُّلاً في مظهرِ السن الخارجي.
يعتمدُ ظهورُ لونِ السن على كلٍّ من كيفيّة تلقّي الضوءِ وانعكاسِه عن سطحِ السن، وعلى شفوفيةِ النسجِ الصلبةِ (الميناءِ والعاجِ) وثخانَتِها.
وتنقسمُ أسبابُ تغيُّرِ لونِ السن إلى أسبابٍ خارجيةٍ وأخرى داخلية، وسوفَ نتكلَّمُ في مقالِنا اليومَ عن الأسبابِ الخارجيةِ التي تُعتَبَرُ الأكثرَ شُيوعاً.
التصبّغاتُ خارجيةُ المنشأ: هي عبارةٌ عن تلوّناتٍ سطحيةٍ ناتجَةٍ عن ترسُّبِ بَعضِ المواد واندماجِها مع الطبقاتِ الموجودةِ على سطحِ السِّن (كالجُليدةِ المُكتسَبةِ أو اللويحةِ السنية). وتنقسمُ إلى تصَبُّغاتٍ عضويةٍ وأخرى معدنية.
- التصبُّغاتُ العضويةُ:
ا) تصبُّغاتُ الجراثيمِ المُلوِّنةُ: تتوضَّعُ على أسنانِ الأطفالِ الأماميةِ، حيثُ تُسبِّبُ بعضُ الجراثيمِ المُلوِّنة تصبُّغاتٍ بألوانٍ معينةٍ تختلف من شخصٍ إلى آخرَ حسبَ درجةِ العنايةِ الفمويةِ ، فعلى سبيلِ المثال؛ تُنتج هذه الجراثيمُ ترسباتٍ خضراءَ أو برتقاليةً عند الأطفالِ ذوي العنايةِ الفمويةِ السيئة، وترسباتٍ سوداءَ عند الأطفالِ ذوي الصحةِ الفمويةِ الجيدة ونسبةِ النخرِ المنخفضة. ولكنْ إلى الآن لا يوجدُ دليلٌ قاطعٌ على آليّةِ عملِ تلك الجراثيم.
2) التصبُّغاتُ التَبغيّة: عبارةٌ عن لطوخٍ صفراءَ بنيّةٍ تميلُ للاسودادِ على سطوحِ أسنانِ المدخّنين، وتنجمُ عن التدخينِ بِكُلِّ أشكالِه ( السيجار - الغليون - مضغ التبغ ) حيثُ تَندَخِلُ الموادُ الناتجةُ عن احتراقِ الفحمِ في شقوقِ الميناءِ والعاج.
3) التصبُّغاتُ الناتجةُ عن الشَّاي أو القهوة: تلوُّناتٌ صفراءُ مائلةٌ للبني تتوضَّعُ على سطوحِ أسنانِ الأشخاصِ الذين يتناولون هذه المشروباتِ بكمياتٍ كثيرةٍ مع إهمالِ الصحةِ الفموية.
4) التصبُّغاتُ الناتجةُ عن استعمالِ المحاليلِ الدوائيةِ والغسولاتِ الفمويةِ استعمالاً مُبالَغاً بِه: وخاصّةً الغسولاتُ الحاويةُ على كلُورْهِكْسيدين (Chlorhexidine) (مادةٌ مُطهّرةٌ من الجراثيمِ)، التي تُحدِثُ تلوناتٍ سوداءَ أو بنيّةً ولكنَّها سهلةُ التنظيف.
- التصبُّغاتُ المعدنيةُ:
هي تصبغاتٌ قليلةُ المُصَادفةِ، إلَّا أنَّ أبخرةَ بعضِ المعادنِ التي استُعمِلَ العديدُ منها طبيّاً في الماضي تتَّحدُ معَ سطوحِ الأسنانِ وتُسبِّبُ تلوُّنَها، ومن الممكنِ أنْ تندَخِلَ ضِمنَها وتُسبِّبَ تلوُّناً دائماً، ومِثالُها ما يلي: تُسَبِّبُ أبخرةُ النُّحاسِ تلوُّناً أخضرَ وأبخرةُ الحديدِ والأدويةُ الحاويةُ عليه تلوُّناً أسودَ أمَّا الزِّئبَقُ فَتلوُّنٌ أسوَدٌ مُخضَرّ. إلَّا أنّه في الوقتِ الحاليِّ من النادرِ وصفُ مثلَ هذه المعالجاتِ ولهذا السبب لم تَعُدْ تُشَاهَدُ تلكَ التصبُّغات.
كيفيَّةُ علاجِ هذا النوعِ من التصبُّغات:
يعتمدُ العلاجُ في المقامِ الأوَّلِ على معرفةِ السَّبَبِ الرئيسيِّ لحدوثِ التصبُّغاتِ الخارجيَّةِ أو الداخليَّةِ وإزالتِه، ومن ثُمَّ إجراءُ التِّقنياتِ المستخدمةِ لإعادةِ اللَّونِ الطَّبيعي:
1) تنظيفُ الأسنانِ في العيادةِ السنيةِ: بعضُ التصبُّغاتِ يُمكنُ إزالَتُهَا بواسطةِ جهازِ الكافترون (Cavitron) الذي يعتمدُ على الأمواجِ فوقِ الصَّوتيةِ أو التلميعِ مع معجونٍ وقائيٍّ ساحِلٍ، أو تقنيَّةُ الصَّقلِ باستخدامِ الهواءِ المضغوطِ مع المسحوقِ ذي القُدرَةِ السَّاحِلَة. وعلى أيِّ حالٍ فإنَّ الاستخدامَ المتكرِّرَ لهذه الطُّرَائِقِ غَيْرُ مرغوبٍ لأنَّها قد تُسبِّبُ ضرراً للميناء.
2) سَحلُ الميناء: وهي تقنيّةٌ تتضمَّنُ تَطبيقَ مزيجٍ من حمضِ هيْدُروكْلُورِيك (Hydrochloric ) الضَّعيف وجُزيئاتِ كَرْبيد السِّيليكون (silicon carbide) ضمن معجونٍ قابلٍ للانحلالِ في الماء، ويكونُ السَّطحُ الناتجُ ناعماً وذُو مَظهرٍ لَامِعٍ.
وهي طريقةٌ لإزالةِ التلوُّناتِ السطحيّةِ بما فيها التبقُّعاتِ الفلوريةِ ونَقصِ التَكلُّسِ الثانوي الناتجِ عن وجودِ الحاصراتِ التقويمية.
3) تَبييضُ الأسنانِ: تمَّ تطويرُ تقنياتِ تبييضِ الأسنانِ في وقتٍ مبكّرٍ قبل قرنٍ من الزمنِ تقريباً، وتَستخدِمُ جميعُ هذه التقنياتِ عمليةَ الأكسدةِ للتبييض. وأصبحَت هذه التقنيَّةُ اليومَ طريقةً آمنةً وسهلةً ووسيلةً غيرَ مُكلِفَةٍ لِعلاجِ العديدِ من أنواعِ تصبُّغاتِ الأسنانِ وعادةً لا تُستخدَمُ هذه الطريقةُ لِعلاجِ الأسنانِ المؤقتة.
ويتضمَّنُ التبييضُ طريقتَين وهُما التبييضُ الخارجيُّ والتبييضُ الداخلي:
التبييضُ الخارجيُّ (الحيويُّ): يُستخدَمُ في المقامِ الأوَّلِ للمرضى الذين يُعانونَ من التصبغاتِ الصفراءِ أو البرتقاليةِ المُعمّمةِ أو البنيّةِ الخارجيةِ (بما في ذلك تبقُّعاتُ كلُورْهِكْسيدين) وعلى الرغم من ذلك فَقَدْ تساعدُ هذه الطريقةُ في تَحسينِ الحالاتِ الخفيفةِ من التلوُّناتِ التتراسكلينيةِ أو التبقُّعاتِ الفلورية.
موادُ التبييضِ الأكثرُ استخداماً حالياً هي كَرْباميد وبِيروكسيد الهيدروجين، وعندما تُطبّق بتراكيز مرتفعة مدروسة فإنّها تعطي تبييضاً أكثر وضوحاً.
للتبييضِ الخارجيِ طرائقٌ متعددةٌ ألَا وَهي:
1) تتضمَّنُ تقنيةُ التبييضِ في العيادةِ السنيّةِ استخدامَ محلولِ بيروكسيدِ الهيدروجين بتراكيزِ (15-40)% إلا أنَّها يجبُ أن تُستخدَمَ من قبلِ طبيبِ الأسنانِ لأنَّها تتطلَّبُ العزلَ الدقيقَ للأسنانِ وذلكَ لحمايةِ الأنسجةِ الرخوةِ (كالخدِّ واللثة) من التأثيراتِ الكاويةِ لتلك المواد.
2) نظامُ التَّبييضِ المنزِلي: إنَّ هذه الطريقةَ شائعةُ الاستخدامِ في الوقتِ الراهنِ، حيثُ يُمكنُ استخدامُها بمفردِها أو بالمشاركةِ مع نظامِ التبييضِ في العيادة.
يجبُ أنْ تتمَّ هذه الطريقةُ تحتَ إشرافٍ دقيقٍ من قبلِ طبيبِ الأسنانِ أو أخصائيِّ الصحةِ الفمويةِ، حيثُ يضعُ المريضُ محلولَ بيروكسيد الكَرْباميد بتركيزِ (10-22)% ضمنَ جهازِ واقيِّ الفمِ (وهو عبارةٌ عن جهازٍ شفّافٍ يتمُّ صنعُهُ وفقاً لفمِ كُلِّ مريضٍ)، ويتمُّ تطبيقُه يومياً ويُفضَّلُ خلالَ فترةِ النومِ لِمُدَّةِ (2-6) أسابيع.
كما يُنصَحُ المرضى بتجنُّبِ استخدامِ مُنتَجاتِ التَّبييضِ المنزلي غيرِ المُوَافَقِ عليها من قِبَلِ الجمعيةِ الأمريكيةِ لطبِّ الأسنانِ والتي يتمُّ تسويقُها وبَيعُها دونَ إشرافٍ مِهَنِي.
3) شرائطُ تبييضِ الأسنانِ: هي شرائطٌ مصنوعةُ من البولي ايتيلين ومُشبَعَةٌ بتركيزِ (5.3)% من بيروكسيد الهيدروجين ومنَ المُمْكِنِ أنْ تُوصَفَ هذه الطريقةُ للحفاظِ على الأسنانِ التي تمَّ تبييضُهَا مُسبَقَاً.
وعندما تكونُ البقعُ أكثرَ اسوداداً يمكنُ لأفضلِ النتائجِ أنْ تتحقَّقَ بمشاركةِ كِلتا الطريقتَين (التبييضُ في العيادةِ والمنزلِ) إلَّا أنَّ مُعظَمَ المرضَى يحتاجُونَ إلى إعادةِ معالجةٍ دوريةٍ.
ردودُ الفعلِ التحسُّسيّةِ للتبييضِ الخارجي:
على الأطباءِ أنْ يكونُوا مُدركِين للتأثيراتِ الجانبيةِ لهذه الطريقة، حيثُ إنَّ ما يقاربُ ثُلثَي المرضى لديهم حساسيَّةٌ خفيفةٌ قصيرَةُ المدى تجاهَ البرودةِ وتهيُّجِ اللثة.
إنَّ سطوحَ الأسنانِ وخاصةً الجذورَ المكشوفةَ أو سطوحَ الميناءِ ذاتِ العيوبِ الثانويةِ الناتجةِ عن نقصِ تكوُّنِ الميناءِ يَسهُلُ اختراقُهَا ونفوذُ الموادِ المُبيِّضَةِ إلى داخلِها وبالتالي تكونُ أكثرَ عرضةً للحساسيَّةِ تجاهِ البرودةِ، كما يعودُ تهيُّجُ اللثةِ عادةً إلى التركيبِ غيرِ المُلائِمِ للجهازِ الواقي للأسنان (كَأَنْ يَكُونَ ذو حوافَّ طويلةٍ).
لم يَتِمْ توثيقُ ردودِ فعلٍ سلبيةٍ لدى النساءِ الحواملِ أو المرضعاتِ أو المدخنين ومع ذلك لا يُنصَحُ بإجراءِ التبييضِ لهم .
الوقاية:
وكما نعلمُ جميعاً " الوقايةُ خيرٌ من العلاجِ "، لِذا فإِنَ أَفضلَ الأساليبِ الوقائيةِ هي:
1) الابتعادُ عن تناوُلِ الأطعمةِ والسَّوائلِ المُصبّغَةِ وبعضِ المنتجاتِ الغذائيةِ التابعةِ للحميةِ (كالفيتاميناتِ والمعادنِ والأعشابِ والأحماضِ الأمينيةِ) والتوقُّفِ عن بعضِ العاداتِ السيِّئَةِ كالتدخينِ ومضغِ التبغ.
2) تفريشُ الأسنان: يُساهِمُ التفريشُ الفعَّالُ لِمرَّتين يومياً مع معجون أسنانٍ مُناسِبٍ في منعِ تلوّنِ الأسنانِ، حيثُ أنَّ مُعظَمَ المعاجين تحتوي على موادَ مُنظّفَةٍ وموادَ أخرى ساحلَةٍ ومانعةٍ لتشكُّلِ القلحِ، بالإضافةِ إلى أنَّ بعضَ معاجينِ الأسنانِ الحاليةِ تَحوي موادَ مُبيِّضَةً.
تابعونا في مقالِنا القادم حيثُ سوفَ نَتكلّمُ عن التصبُّغاتِ الداخليةِ وطرائقِ مُعالجَتِها.
المصادر :
1) كتاب أمراض الفم ( 1 ) - د. حسان فرح - جامعة البعث
2) هنا
حقوق الصورة: