الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
النباتات... لمكافحة التلوّث بالمتفجرات!
. لمكافحة التلوّث بالمتفجرات!
تتفاقم مشكلة التلوث بالمتفجرات يوماً بعد آخر، مع تزايد رقعة استخدام الأسلحة والذخائر وطمر النفايات الناتجة عن الصناعات العسكرية في مناطق عديدة حول العالم، ففي الولايات المتحدة وحدها قُدِّر أن نحو 10 مليون هيكتار من الأراضي العسكرية قد تلوّثت بمكونات الذخائر.
ويعد ثلاثي نترات التولين المتفجر (2،4،6-trinitrotoluene) أو ما يسمى (TNT) مادّة عالية السّمية وملوثاً مستقرّاً في البيئة ازداد انتشاره بشكل كبير وعلى نطاق واسع في المائة عام الماضية، مما زاد من المخاوف المتعلقة بسمّيته على الأنظمة الحيوية، خصوصاً مع تزايد الطلب العالمي على المتفجرات والأسلحة حيث يعني ذلك استمرار استخدام TNT عالمياً وعلى نطاق واسع، بخلاف المواد الكيميائية السامة والملوِّثة والتي يمكن حظر استخدامها والحدّ من تأثيرها.
تؤثّر المتفجرات بشكل كبير على تنوّع المجتمعات الميكروبية في التربة، وتعيق تشكيل الغطاء النباتي، لأن القسم الأعظم من مادة TNT يستقرّ في جذور النباتات، ويثبّط عمليّة نموها وتطورها، ومع تزايد حجم المناطق الملوثة بالمتفجرات، فإن معالجة الأراضي والمياه الملوثة نتيجة النشاط العسكري باتت قضية عالمية ملحة.
خلال سعيهم إلى معالجة التلوث بالمتفجرات، تمكّن فريق من مركز المنتجات الزراعية الجديدة CNAP التابع لقسم البيولوجيا في جامعة يورك البريطانية من تحديد آلية تسمم النباتات بمادة TNT، مما قد يمكّن لاحقاً من الوصول إلى طرق جديدة مبتكرة لمعالجة المتفجرات بشكل فعّال اقتصادياً وبيئياً باستخدام النباتات، مما يعني تنظيف ملايين الهكتارات من الأراضي من التلوث الذي ألحقته المتفجرات بها.
كما بينت الدراسة التي نشرها الفريق في مجلة العلوم Science إمكانية استخدام نوعٍ جديدٍ من مبيدات الأعشاب بشكل مستدامٍ ومتناوب مع الأنواع الأخرى من مبيدات الأعشاب، بهدف مكافحة ظاهرة مقاومة مبيدات الأعشاب التي ازدادت بشكل كبير منذ سبعينات القرن الماضي دون أن تترافق بتركيب نمط جديد من المبيدات قادرٍ على إنجاز عمله.
_________
تتشكّل السّمّية النباتية الناتجة عن المتفجرات، عبر تخفيض TNT في المتقدرات mitochondria، مشكّلة جذراً نتروجينياً يتفاعل مع أوكسجين الهواء، لتكوين فوق أكسيد تفاعليّ يسبب أضراراً كبيرة للخلايا.
وقد وجد الفريق أن هذا التفاعل يتم تحفيزه من خلال الأنزيم النباتي monodehydroascorbate reductase 6 (MDHAR6)، لذلك فإن النباتات الطافرة الخالية من هذا الأنزيم والتي تم إنتاجها سابقاً في إطار اختبارات لمقاومة النبات للإجهاد تُظهِر تحمّلاً أكبر بكثير لمادة TNT مثل نبات الأرابيدوبسيس Arabidopsis.
ويؤكد الباحثون أن استخدام مثل هذه النباتات لتنظيف المواقع الملوثة بالمتفجرات، لا يمكن أن يتم إلا من خلال إزالة السمية النباتية الشديدة الناتجة عن مادة TNT، لذا يرى الباحثون أنه من خلال استهداف أنزيم MDHAR6 في تلك النباتات الطافرة يُمكن إنتاج نباتات مقاومة لمادة TNT، نستطيع عبرها إعادة الغطاء النباتي وعلاج الأراضي الملوثة كالمواقع العسكرية، وأماكن التخلص من نفايات الصناعات العسكرية.
كما يؤكد الفريق إمكانية استخدام المركبات التي تتفاعل مع أنزيم MDHAR6 بذات الطريقة التي تتفاعل بها مع مادة TNT كمبيد للأعشاب صديق للبيئة لكونها تتحلل بسرعة في الطبيعة.
يشدِّد الباحثون أخيراً على ضرورة الاهتمام بالآليات الطبيعية لإزالة المواد السامة التفاعلية من المجال الحيوي، لذلك فإن نتائج هذا البحث ستساهم لاحقاً في معالجة المواقع الملوثة بالمتفجرات بطرق بيئية فعالة قليلة الكلفة، إضافة إلى إنتاج أصناف جديدة لمبيدات الأعشاب الصديقة للبيئة تستهدف أنزيم MDHAR6 في البيئات التي تتزايد فيها مقاومة مبيدات الأعشاب.
المصادر: