البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية
كيف تتجنّب ملكة نحل العسل زواجَ الأقارب في مملكتها؟
تلعب عملية التأشيب Recombination دوراً حاسماً في الحفاظ على التنوع الوراثي للأنواع، وهي عمليةٌ تحدث عند تشكل النطاف والبويضات (في مرحلة الإنقسام المنصف) وعند تلاقي النطاف والبويضات وحصول تبادل واندماج لقطع أزواج الصبغيات. تلعب هذه العملية دوراً أساسياً في الحفاظ على التنوع الوراثي للأنواع، وقد درس علماء الأحياء هذه العملية لدى نحل العسل ليجدوا معدلاتٍ عالية جداً في نسبة التنوع الوراثي لدى هذه الكائنات، وأن هذا التنوع الوراثي يملك دوراً مهماً في الحفاظ على استمرارية وجود هذه الكائنات.
يعيش نحل العسل، كما باقي الحشرات الاجتماعية، في مستعمراتٍ تضمّ الكثير من أفراد الطبقة العاملة التي تجمعها قرابة وثيقة، ويعتبر التنوّع الوراثي في طبقة العاملات أمراً بالغ الأهمية لاستمرار بقاء المستعمرة بأكملها. توجدُ نظرياتٌ عديدة تشرح دور التنوع الوارثي في تزويد العاملات بقدرةٍ أكبر على إنجاز المهام الموكلة لها والضرورية لبقاء المستعمرة، بالإضافة إلى دوره في إبقاء المستعمرة بعيدةً عن الأمراض المهدِّدة. ولكن، كيف تتمكن الملكة، وهي الأنثى الوحيدة القادرة على الإنجاب في المستعمرة، من الإبقاء على مستوياتٍ عالية من التنوع الوراثي؟
قام كلّ من ماتيو ويبستر Matthew Webster وأندرياس وولبيرغ Andreas Wallberg، في جامعة أوبسالا – السويد، بدراسة عملية التأشيب لدى نحل العسل. وجدوا أن ملكة المستعمرة تقوم بالتعامل مع هذه المشكلة بطريقتين:
الطريقة الأولى تتمثل في تعدد الأزواج؛ فهي تتزاوج مع العديد من ذكور النحل وتستعمل نطافهم لتلقيح البويضات بشكل عشوائي، وبذلك يكون للعاملات آباء متعدّدون. أمّا الطريقة الثانية فتتمثّل بمستويات عاليةٍ جداً من التأشيب.
بعد دراسة التسلسل الكامل للخريطة الوراثية لـ 30 نوعاً من نحل العسل الإفريقي، تمكن الباحثون من دراسة التأشيب على مستوىً من الدقة والتفصيل لم يكن ممكناً فيما مضى. واتّضح أن تكرار مستويات التنوع الوراثي الحاصلة بالتأشيب لدى نحل العسل أعلى من أي حيوانٍ آخر، وهي أعلى بـ 20 ضعفاً منها لدى الإنسان.
يؤثّر التنوع الوراثي الحاصل بالتأشيب في كيفية تدخّل الانتقاء الطبيعي لتعزيز التنوعات الوراثية المفضلة. وبالتوازي مع ذلك، وجد الباحثون أن المورّثات الجديدة المسؤولة عن تكيّف الأفراد مع بيئتهم تخضع أيضاً لعمليات تأشيبٍ لاحقة.
ولكن مع كل ذلك، فإنّ التأشيب ليس أمراً يخلو من الخطر. يقول الدكتور ويبستر: " لا يعدّ التأشيب نافعاً للنحل بالمُطلق، فعندما تخضع قطعٌ من الصبغيات للتبادل فإنّ أخطاءً قد تحدث لها في بعض الأحيان أثناء عملية إعادة إصلاحها. والأمر ناتجٌ عن عملية تدعى [التحول الجيني باتجاه الجذور GC]".
هذه العملية تزيد من الإصلاح التدريجي للطفرات التي يُمكن أن تكون مضرّةً بنحل العسل. وعلى الرغم من وجود عملية مُشابهة لدى البشر، إلا أنها أقوى بأكثر من عشرة أضعاف لدى نحل العسل. مع مرور الوقت، من المتوقّع أن يقود التأشيب المستمر إلى تدهور الحوض الوراثي للنوع، الأمر الذي يبدو أنه سريع الحدوث لدى نحل العسل.
إنّ معدّلات التأشيب المرتفعة جداّ والتنوع الوراثي الكبير لدى نحل العسل، والضروري لبقاء واستمرار النوع، يبدو أنّه باهظ الثمن. فـ"لاشيء بالمجان، حتى بالنسبة لنحل العسل".
المصدر: هنا
البحث الأصلي: هنا