الموسيقا > عظماء الموسيقا
ديتريش بوكستهود Dieterich Buxtehude الموسيقى الغريبة في أُلفَتِهَا وفي أفكارِهَا الذَّاتيَّة
"الموسيقى التي كانَ يبدو أنَّها تُصغِي لنفسِهَا، وكانَت في كلِّ مرَّةٍ تُريحني وتَجعلُني أكثرَ استعداداً للالتفاتِ إلى أصواتي الدَّاخليَّة" هكذا وَصَفَ الأديبُ الألمانيّ هيرمان هيسّه موسيقى ديتريش بوكستهود " Dieterich Buxtehude" في روايتِهِ "دميان". والذي قَد يبدو اسمُه لِلوهلَةِ الأولى، غَرِيباً بعض الشَّيء خصوصاً إنْ لم تكُن مِن عُشَّاقِ موسيقى الباروك الكنائسيَّة وآلة الأورغن، ولكن عليكَ أَنْ تَعِي شيئاً هامَّاً، ألا وهو أنَّ الكثيرين مِن الموسيقيين العُظمَاء لم يُحَاطُوا بتلكَ الهالةِ الإعلاميَّةِ الصَّاخبةِ لسببٍ أو لآخر. لكن على الرّغم مِن ذلكَ دائماً ما كانَت أعمالُهُم تَجِدُ طريقَهَا إلى مَسَامعِ مَنْ يُقدِّرونَ قيمتَهَا.
يبقى مكانُ ولادةِ ديتريش بوكستهود الفِعليّ والمراحلُ المُبِّكرةِ مِن شبابِهِ مجهولةً حتَّى يومنِا هذا، لكن يُرجَّح أنَّهُ وُلِدَ سنة 1637 في "Holstein Oldesloe،"، وبدَأَ رحلَتَهُ مع الموسيقى إلى جانبِ والدِهِ الذي كانَ عازفاً لآلةِ الأورغن في كلٍّ مِن "Helsingborg، وHelsingør" اللَّتان كانَتَا حينها مُدناً تابعةً للدَّولةِ الدِّنماركيَّة. في عام 1688 استقرَّ بوسكتهود في مدينة "Lübeck" باعتبارِهِ عازفاً في كنيسة St. "Mary." حيثُ اكتسَبَ شهرتَهُ كمؤلفٍ موسيقيّ. وأصبحَت المدينةُ الوجهةَ الأولى لِمُوسيقيي الشَّمالِ الألمانيّ. مِن أمثالِ هاندل وباخ. فـفي عام 1705 سارَ باخ في شَبابِهِ ما يَزِيدُ عَن 300 كيلو متر لِسَماعِ موسيقى بوكستهود.
تَضمَّنَت واجباتٍ بوكستهود كَعازِفِ أورغن في الكنيسة: التَّأليف المُوسيقيّ للمَهرجانَاتِ العَامَّةِ إلى جَانبِ زيجات وجنازاتِ الأُسر المَرمُوقَة في المَدينة. وخلالَ حَياتِهِ نشَرَ مَجمُوعتَينِ فقط مِن أعمالِهِ الرَّئيسيَّة. رحلَ بوكستهود في التَّاسع مِن أيَّار عام 1707، تاركاً خلفَهُ العديدَ مِن الأعمَالِ والمُؤلَّفاتِ المُوسيقيَّة المعزوفةِ والمُغنَّاة، مُعظمُ هذه الأعمالِ لم تُكتَشَف حتَّى القرن العشرين. في حين أنَّهُ مِن المُؤكَّدِ أنَّ الكثيرَ مِن أعمالِهِ ما زَالَت مفقودةً خاصَّةً تلكَ التي تتعلَّقُ بالآلاتِ الوتَريَّة.
إنَّ أكثرَ أعمالِهِ المُوسيقيَّة تأثيراً وأهميَّةً تلكَ التي كُتِبَت للأورغن، والتي تَشمَلُ الـ "toccatas"، والـ "preludes" ؛ التي غالباً ما تكونُ قصيرةً، والـ "fugues"، والـ "chaconnes"، والعديدَ مِن مقطوعاتِ تراتيل الجوقات الكنائسيَّة، والـ "passacaglia" التي ألهَمَت باخ في تأليفِهِ لـ "Passacaglia in C Minor". وفي وَصفٍ أدبيٍّ رائعٍ لمقطوعةِ "Passacaglia" لـبوكستهود نَعُودُ مرَّةً أُخرى لـهيرمان هيسّه في روايته دميان: " حينَ كانت أحوالي تَسُوء كُنتُ أطلبُ مِن بستوريوس أنْ يعزفَ لِي الباساكاليا لبوكستهود. وعِندَهَا أجلسُ في الكنيسةِ المُظلِمَةِ وأنا غارقٌ كليَّاً في الموسيقى الغريبة في أُلفَتِهَا وفي أفكارِهَا الذَّاتيَّة، الموسيقى التي كانَ يبدو أنَّها تُصغِي لنفسِهَا وكانَت، في كلِّ مرَّةٍ، تُريحنِي وتجعلُنِي أكثرَ استعداداً للالتفاتِ إلى أصواتِي الدَّاخليَّة." وفي الأعمالِ المُغنَّاة اقتَبَسَ بوكستهود العديدَ مِن النُّصوصِ المقدَّسَةِ وتَمَكَّنَ مِن مَزجِ الأصواتِ لِلخرُوجٍ بِنَسيجٍ موسيقيٍّ، أقلُّ ما يُقَالُ عنهُ إنَّهُ يُمَثِّلُ أصالةَ موسيقى الباروك بأرقى صورِهَا. شكَّلَت هذه الأعمالُ مفخرةً كبيرَةً لمدينةِ "Lübeck"، واستَمَرَّت ضمنَ تَقَاليدِ المدينةِ حتَّى القرن التَّاسع عشر.
مجموعةٌ مِن أعمَالِ ديتريش بوكستهود:
المصادر:
Burrows، John: Classical Music. Dorling Kindersley، 2005
هيرمان هيسّه: دميان، ترجمة ممدوح عدوان.