التاريخ وعلم الآثار > التاريخ
أشهر 5 انتصارات انتزعت بثمن باهظ
إليكم أشهر 5 انتصارات انتزعت بثمن باهظ
(النصر البيروسي) هو الانتصار الذي يتحقق في ساحة المعركة ويأتي بكلفة عالية جداً، وهو ما يثبت بأن هذا النصر يكون طاحناً ومهلكاً على المنتصر أكثر بكثير من المنهزم، هذا المصطلح (النصر البيروسي) أخذ اسمه من النصر الكارثي الذي أحرزه الفاتح اليوناني بيروس ملك إبيروس (منطقة جغرافية تقع في جنوب اوروبا حالياً) ولكن التاريخ مليء بأمثلة أخرى عن قادة استنفذوا جنودهم ومصادر إمدادهم في معركة وحيدة ودفعوا لقائها الكثير على المدى البعيد، من العالم القديم إلى الحرب الأهلية، سنلقي نظرة على هذه الصراعات الخمسة والتي خرج منها المنتصر أسوأ مما كان قبلها.
معارك هيراقليا وأسكولوم
الفيلة البيروسية
إن الانتصار البيروسي الأصلي كما أسلفنا قد أتى كانحناءة احترام للملك اليوناني بيروس ملك إبيروس الذي قضي عليه من خلال حروبه المكلفة ضد الرومان، كان بيروس أول من غزا ايطاليا في العام 280 قبل الميلاد، بعد تحالفه مع مدينة تارنتوم التي تتحدث اليونانية، والتي استاءت من سيطرة الجمهورية الرومانية المتزايدة على أراضيهم. وصل بيروس مع قوة مؤلفة من حوالي 25000 رجل و20 فيل حرب – وهي المرة الأولى التي تواجه فيها الفيالق الرومانية الفيلة – وفوراً أحرز نصره الشهير في معركته الأولى في هيراقليا، وفي السنة التالية انتصر على الرومان للمرة الثانية في صراع مشتعل في أسكولوم.
تخيل بيروس نفسه الاسكندر الكبير في اليوم التالي، وأمل بأن غزوته قد وضعت له موطئ قدم في إيطاليا، ولكنه وعلى الرغم من هزيمته للرومان في المعركتين السابقتين فقد خسر أكثر من 7500 من خيرة مقاتليه بالإضافة إلى العديد من الضباط، وكان لا يملك أي طريقة لتعويض مقاتليه، بالإضافة إلى أن فشله في توجيه ضربة قاضية لعدوه قد أدى إلى انهيار معنويات مقاتليه، وبالاستناد إلى المؤرخ اليوناني القديم بلوتارك حيث يقتبس تمتمة الملك المحارب "إذا انتصرنا في معركة واحدة اخرى على الرومان، سيؤدي ذلك إلى دمارنا كلياً". وتبع ذلك نكسة في معركة بينيفينتوم عام 275 قبل الميلاد، فألغى بيروس حملته على مضض وأبحر عائداً إلى اليونان.
معركة مالبلاكيه
تظهر الصورة دوق ماولبره يعطي الأوامر أثناء سير المعركة
بعد وفاة الملك تشارلز الثاني من دون تسمية وريث على العرش في عام 1700 م، فقد اندلعت الحرب على الخلافة الإسبانية بين من كانوا يعتقدون أن مكانهم هو على العرش، وقد بلغ الصراع قمة دموية في عام 1709 م في معركة مالبلاكيه حيث التقى حلف مؤلف من 100،000 رجل (هولندي،نمساوي،بروسي) بالإضافة إلى المقاتلين الإنكليز تحت قيادة دوق ماولبره مع جيش فرنسي قوي مؤلف من 90،000 جندي، كان دوق ماولبره يتطلع لسحق القوات الفرنسية، وفي 11 أيلول أطلق هجوماً ضخماً بالمشاة والفرسان، في حين حصن الفرنسيون نفسهم في متاهة من الخنادق و العوائق، و استغرق الحلفاء 7 ساعات مرهقة جداَ حتى تمكنوا من خرق خطوط الفرنسيين وإيقاف أعمالهم. لقد كان جنود ماولبره المسحوقون متعبون جداً ليتابعوا أفضليتهم، في حين كان الفرنسيون قادرين على تنفيذ انسحاب منظم، مع المحافظة على سلامة جزء كبير من قواتهم.
ستذكر معركة مالبلاكيه في التاريخ على أنها المعركة الأكثر دموية في القرن الثامن عشر، فقد خسر الفرنسيون حوالي 12،000 مقاتلاً في حين خسر ماولبره 24،000 الفاً أي حوالي ربع قواته، و في ايماءة مشابهة لإيماءة بيروس ملك ايبيروس فقد أخبر القائد الفرنسي كلود دي فيلا الملك لويس الرابع عشر "إذا كان ذلك يسعد الله بأن يعطي أعدائك نصراً آخر كهذا، فإن ذلك سيدمرهم"، بالإضافة إلى أن حمام دم مالبلاكيه قد أدى إلى إزاحة الدوق ماولبره فإنه قد زرع بذور الانفصال في جيش الحلفاء، وبحلول عام 1712 بدأ هذا الحلف بالانهيار.
معركة تلة بانكر
تحولت الثورة الأميركية إلى ثورة دموية بحلول صيف 1775م، وبغض النظر عن المناوشات الجانبية التي حدثت في ليسنغتون وكونكور، كان ما يزال على المستعمرين اختبار همتهم ضد الجيش الإنكليزي، إلا أن ذلك تغير في 17 حزيران، عندما حاولت قوة مؤلفة من 1000 رجل من الميليشيا من هنا و هناك أن تستطلع تقدماً إنكليزياً على المرتفعات المطلة على بوسطن - وقد أخذت المعركة اسمها من تلة بانكر وهي القمة التي كانت مهمتهم الرئيسية هي الاستيلاء عليها- و بعد تحصين تلة بريد فقد واجهوا قوة انكليزية متفوقة عليهم قوامها حوالي 2200 جندي، وقد صدت نيران البنادق الأميركية الدقيقة هجومين للانكليز، ولكن في الهجوم الثالث كانوا قد استهلكوا مخزونهم الهزيل من الذخيرة، وتبعها دقائق مسعورة من المواجهة رجل لرجل انتهت بانسحاب الميليشيا من التلة و تراجعهم عنها.
إن النصر البريطاني في تلة بانكر أتى باهظ الثمن، بالمقارنة مع 400 جريح أو قتيل من المستعمرين، فقد أحصى أصحاب المعاطف الحمراء أكثر من 1000 قتيل، إن هذه الخسارة الثقيلة قد أجبرتهم على تغيير خططهم و ذلك بالاستيلاء على قطعة أخرى مرتفعة من الأرض في ضواحي بوسطن، وفي الوقت نفسه فقد اعتبر الأميركيون خسارتهم على أنها انتصار للحق فهم ذهبوا للمواجهة وجهاً لوجه مع جيش أكبر وأفضل تجهيزاً منهم، وأظهروا بأنهم لا يمكن أن يهزموا دون قتال، وفي حين رثى الجنرال الانكليزي ويليام هوي نجاحه بأنه كان "باهظ الثمن" فأن القائد الوطني ناثانيال غرين قد كتب أنه يتمنى لو يستطيع المستعمرون أن يبيعوا تلة أخرى بنفس الثمن.
معركة بورودينو
انسحاب نابليون من موسكو
إن اليوم الأكثر دموية في حياة نابليون بونابرت العسكرية قد ظهر للعيان في السابع من ايلول عام 1812، وذلك عندما كان الامبراطور الفرنسي في وسط معمعة غزوته المحكوم عليها بالفشل إلى روسيا، ففي المراحل المتقدمة من الحملة كان الجيش الامبراطوري الروسي راضياً عن تنفيذ انسحابات تكتيكية، و كان جيش نابليون الكبير (كما كان يطلق عليه بالفرنسية Grande Armée) قد تقدم حتى اصبحت موسكو في مرمى نيرانه، ولكن عندما اقترب الفرنسيون من بلدة بورودينو الصغيرة فإن القائد الروسي ميخائيل كوتزوف قد قرر أخيراً أن يدير جيشه للمواجهة مع الفرنسيين، فبنى التحصينات وأصبح مستعداً للمواجهة، نابليون في المقابل أضاع قليلاً من الوقت، فقد رمى جيشه القوي المؤلف من 130،000 رجل في مواجهة الخطوط الروسية بنمط هجومي تقليدي و هو الانقضاض المباشر، رد جنود كوتزوف بسلسلة من الهجمات المعاكسة الهشة، واستمرت المعركة بين أخذ ورد حتى وقت متأخر من بعد الظهر، حيث تمكن الفرنسيون أخيراً من السيطرة على معقل الروس الرئيسي، و كان نابليون متردداً في إرسال حرسه الامبراطوري النخبوي، ولكن جيش كوتزوف قد نجح بتجنب الدمار والفرار.
سيطر نابليون بشكل كامل على ساحة المعركة، لكن الأرض كانت مغطاة بالجثث الفرنسية، فقد خسر الجيش الكبير حوالي 30،000 وهذا الرقم أقل بحوالي 15،000 عن خسائر الجيش الروسي ولكنه بعيد جداً عن أن يكون رقماً ملائماً عند القتال على الأراضي المعادية، بعد بضعة أيام الأمور ساءت أكثر عندما وصل نابليون إلى موسكو، حيث وجد جائزة انتصاره أي موسكو قد هجرت على نحو كبير، و بعد فترة قصيرة من وصوله فقد أشعل الروس النار في المدينة وأتى الحرق على أجزاء كبيرة منها، ، وبعد شهر واحد أعلن نابليون ايقاف حملته على روسيا، ولكن انسحابه كان مطارداً من قبل الجيش الامبراطوري بالإضافة إلى الشتاء الروسي المتجمد، حيث أخذ كل منهما ضريبة المرور، وفي الوقت الذي استطاع فيه الفرنسيون أخيراً الهروب من هذه الأرض العدائية (روسيا) فقد عانوا من خسارة صاعقة بلغت 400،000 قتيل.
معركة شانسلورسفيل
رسم يظهر ستونوال جاكسون وهو يتعرض للإصابة
إن بضعة معارك في الحرب الأهلية تبين العبقرية التكتيكية للجنرال روبرت لي أكثر من ذلك النصر الذي أحرزه في معركة شانسلورسفيل في ولاية فيرجينيا في أيار عام 1863، فبالرغم من أن أعداد جنود الجنرال جوزيف هوكر قد فاقت أعداد جنود روبرت لي و بنسبة 2 إلى 1 فقد أخذ روبرت لي مقامرة كبيرة – متجاهلاً بذلك كل المذاهب و العلوم العسكرية – بتقسيم قواته مرتين و أخذ المبادرة بالهجوم، و باستراتيجيته الجريئة فقد قطع آمال جوزيف هوكر بتطويق جيش فرجينيا الشمالي و في النهاية أجبرت قائد الاتحاد على الانسحاب عبر نهر راباهانوك مكللاً بالعار.
على الرغم من أن معركة شانسلورسفيل تدعى غالباً تحفة روبرت لي الفنية، فقد جاءت بثمن باهظ جداً حيث تكبد الحلفاء خسارة صادمة ب 13،000 قتيل، بالإضافة إلى مقتل الجنرال اللامع ستونوال جاكسون والذي دعاه روبرت لي ذراعه الأيمن بنيران صديقة، فيما خسر The Union Army of the Potomac (اتحاد جيش بوتوماك) الذي يقوده جوزيف هوكر أكثر من 17،000 قتيل وجريح وأسير، ولكن بخلاف جيش الثوار فقد كانت لديه القوة البشرية والقدرة على إعادة التجنيد وذلك لتعويض تلك الخسائر، والأكثر أهمية أنه هرب من التدمير ليعيش ويقاتل في يوم آخر، وبعد شهرين تماماً من هذه المعركة سيعود جوزيف هوكر ليلتقي مجدداً مع روبرت لي في معركة كثيراً ما تعتبر نقطة التحول في الحرب الأهلية وهي معركة غيتيسبيرغ.
المصدر: