الفنون البصرية > سلسلة ألعاب الطاولة
النرد، لعبة شعبية بلغة عالمية
يمكنكم الاستماع للمقال عوضاً عن القراءة
تُعتبر لعبة النرد واحدةً من أقدم الألعاب في التاريخ حالها حال لعبة الشطرنج و الغُو. من الممكن تقدير عمرها بـ 5000 آلاف عام وربما يعود أصلها إلى ما يُطلق عليه اليوم بـ ِ العراق (بلاد مابين النهرين سابقأ). فالدليل الذي يدعم هذه الإمكانية وُجد عند اكتشاف أول أحجار النرد المصنوعة من العظام البشرية في هذه المنطقة.
لوح لعبة الطاولة عند الرومان والمصريين القدماء وبلاد فارس:
لوح لعبة الطاولة مؤلفٌ من أربع وعشرين نقطة وثلاثين حجراً (قطعة أو رَجل) وهو موجود منذ وقتٍ طويل، لكن اللعبة لم تكن تسمى دائماً بـ النرد، وقد كان الرومانيون هم السبّاقون في اكسابها الشهرة من خلال نسختهم للعبة والمسماة بـ "Duodecum Scripta et Tabulae" أو اختصاراً "الطاولة". فالإمبراطور الروماني نيرون دخل بمراهناتٍ أثناء لعبها بمبلغٍ يقدر بـ 10.000 دولار في يومنا هذا.
عُثر على لوح للعبة ذو (3 * 10) مربعاً على نطاق واسع في مواقع مصرية أثرية قديمة. فاللعبة كانت معروفة لدى المصريين القدماء بـ لعبة الثلاثين مربع أوسينيت (أحياناً سينات). لكن القواعد الأساسية للعبة ليست معروفة تماماً، تم العثور على ألواح مشابهة مؤلفة من (3 * 12) مربعاً، (3 * 6) مربعاً والعديد من نماذج أخرى، لكنّه من غير الواضح إن كانت ألعاباً مختلفة أم مجرد اختلافات في لعبةٍ واحدة.
يُؤمن مؤرخو الألعاب أن لعبة السينيت هي الجدُّ الأول في سلالةٍ طويلة من الألعاب والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى لعبة الطاولة.
في عام 2004، عثر علماء الآثار في مدينة شاهري سوخته الايرانية الاثرية والتي يبلغ عمرها 5000 عام، على لعبة قديمة يدّعي الناس أنها أقدم نسخة من لعبة الطاولة على الإطلاق.
تضمّنت اللُقى والتي تعود للألف الثالث قبل الميلاد لوحاً مستطيلاً مصنوعاً من خشب أسود وقطعاً مصنوعة من الفيروز والعقيق وأحجار نرد، يظهر على اللوح ثعبانٌ محفورٌ ملتفٌّ حول نفسه عشرين مرة وبالتالي تحتوي اللعبة على عشرين فتحة، بدلاً من أربعة وعشرين في ألواح اليوم وستين قطعة بدلاً من ثلاثين.
هذا اللوح يقدم بالتأكيد تفسيراً مختلفاً لتارخ لعبة الطاولة أكثر من النظرية الاعتيادية التي تقول أنها تنحدر من لعبة السينيت.
من ناحية أخرى يبدو أن هناك فجوة بحوالي ثلاثة آلاف سنة بين هذا اللوح والرومان الذين كانوا أول من لعب سلف لعبة الطاولة.
أسماء مختلفة للعبة واحدة:
ترك الرومان دليلاً كبيراً على لعبة أسموها Ludus DuodecimScriptorum (وتعني الطاولة) والمؤلفة من اثنا عشر صفّاً والتي من المحتمل أنها مُشتقة من لعبة السينيت المصرية، لها مجموعة طبوغرافية مؤلفة 3*12 نقطة وتُلعب بثلاث أحجار نرد سداسية الجوانب، لكن لم يتم التأكد بعد من قواعد اللعبة. ويبدو أنه في القرن الأول الميلادي تم استبدال هذه اللعبة بأخرى ذات صفين من اثنتا عشر نقطة والتي سُميّت بحلول القرن السادس بـِ أليا "Alea".
كلا هاتين اللعبتين وغيرهما أُطلق عليهم الاسم تابولة "Tabula".
وفي آسيا، ظهرت لعبة النرد في وقت قريب من سنة 800 ميلادية في جنوب غرب آسيا وفي بلاد فارس. أمّا تاريخ الصين فيبيّن أن "t’sh-pu" تشو-بو وهو الإسم الصيني للنرد قد اكتُشفت في الهند الغربية، حيث أنها وصلت الصين خلال عهد أسرة Wei وي (220-265 م) وتمتعت بشعبية من عام 479 إلى عام 1000م. وفي اليابان فسُميّت بـ سوجوروكو "Sugoroko" واعتُبرت لعبةً غير شرعية في عهد الإمبراطورة جيتو Jito (690-697 م).
بالمقابل يبدو أن لعبة النرد دخلت أوروبا من خلال إيطاليا أو إسبانيا بعد الإحتلال العربي لجزيرة صقلية (902 م).
أول ذكرٍ للعبة في طبعة إنكليزية كان في مخطوطة إكسونيسيس التي نُشرت عام 1025، ومن المحتمل أنها جُلبت الى إنكلترا عن طريق رجال عائدين من الحروب الصليبية.
ففي العصور الوسطى لعبت كل أوروبا النرد أو الطاولات واكتسبت شعبيّة في الحانات الإنكليزية على الرغم من تفوق الشطرنج عليها في القرن الخامس عشر، أمّا في نهاية القرن السادس عشر أصبحت كلمة "الطاولة" لسبب ما مصطلحاً عاماً لأي لعبة تُلعب على سطح مستو أو طاولة. وكما هو حال العديد من الألعاب التي تُلعب من أجل المال أمست لعبةً غير شعبيّة لدى السلطات في بريطانيا وكانت القوانين التي تحظر اللعب بالطاولة في المنشآت المرخص لها نافذة حتى عهد الملكة إليزابيث الأولى.
النرد المعاصر:
في أوائل القرن السابع عشر خضعت اللعبة لبعض التعديلات على قواعد اللعب وفي عصر النهضة اجتاحت اللعبة أوروبا مجدداً في إطار مجموعة من الأسماء المختلفة التي بقي معظمها على حاله حتى يومنا هذا.
ففي إنكلترا تسمى "باكجيمن"، وفي اسكتلندا "جيمن"، وفي فرنسا "تيك-تاك"، وفي ألمانيا "بوف"، وفي اسبانيا " تابلاس رياليس"، وفي ايطاليا " تافولة ريالي"، وفي التشيك "فرهتسابي"، وعند العرب "شيش بيش".
في النهاية تختلف التسميات حول العالم ولكن "الطاولة" تبقى لعبةً شعبيّة تثير نوعاً من التحدي الصغير في جلسات الأصدقاء وترتفع أصوات أحجارها لترتفع معها أصوات المتفرجين وتشجيعاتهم في أجواء حماسيّة وحميميّة معاً.
المصادر: