الفنون البصرية > فن وتراث
دراكولا، أوّل مصّاصي الدماء وأشهرهم، بين الأسطورة والحقيقة
يمكنكم الاستماع للمقال عوضاً عن القراءة
تعود أحداث قصّتنا إلى ما يقارب قرناً من الزمن عندما قام برام ستوكر بنشر رواية دراكولا Dracula في بريطانيا عام 1897، والتي تعتبر واحدة من روائع أدب الرعب القوطي Gothic Fiction، والأدب الأوروبي عامة، لأنّها قدّمت للثقافة الغربيّة إحدى أكثر الشخصيّات شهرةً وإثارة، وهي شخصيّة مصّاص الدماء الكونت فلاد دراكولا، التي حظيت باهتمام كبير خاصّة من قبل صانعي الأفلام حيث شهدت فترة تقارب السبعة عقود من القرن العشرين وفرة في الأفلام التي لعب بطولتها مصّاصو دماء على اختلاف معاييرها وجودتها، إلّا أننا في هذا المقال لن نتطرّق إلى الشخصيّة الروائيّة بحد ذاتها ولا إلى الأعمال أو الشخصيات التي تبنّتها، سنبحث في مقالنا عن أصل أسطورة مصاص الدماء التي بدأها دراكولا، من أين استلهم ستوكر هذه الشخصية الفريدة من نوعها؟ وهل استندت على شخصيّات أو أماكن أو أحداث حقيقيّة؟
ولدت أسطورة مصّاص الدماء في شرق أوروبا ودول البلقان، حيث تتحدّث المعتقدات الشعبيّة هناك أن جسد الإنسان الشرير يظل سليماً بعد الموت ويخرج من قبره في ليالٍ محدّدة ليلاحق الأحياء ويثير الرعب إلى أن تتم مساعدته في إيجاد الراحة الأبديّة عن طريق أساليب قاسية مثل طعنه بأعواد خشبية أو قطع رأسه أو حرقه.
تقول الأسطورة أنّ مصّاصي الدماء مخلوقات شريرة تجوب الأرض ليلاً في مناسبات خاصّة -مثل عيد القديسين Halloween - وتتغذّى على دماء الأحياء ممّا يؤدّي إلى مقتلهم لكنّهم سرعان ما يعودون إلى الحياة وقد تحوّلوا بدورهم إلى مصّاصي دماء، وبهذا فهم يمثّلون رموزاً سوداويّة لحركة دائريّة تتجدّد فيها الحياة عبر الموت، يصفها علماء الإنسان والمؤرّخون بأسطورة "العودة الأبديّة".
أما أسطورة دراكولا بشكلٍ خاص فيُعتَقد أنّها تعود إلى فلاد الثالث أمير ولاكيا Wallachia (1413 - 1476)، ابن دراكول Dracul والذي يعني "الشيطان" أو "التنّين" في اللغة الرومانيّة.
ولد الأمير فلاد في ترانسيلفانيا -المنطقة الوسطى في رومانيا حالياً- وحكم على ثلاث فترات، في الأعوام: 1448 - ما بين 1456 و 1462 - 1476.
بالطبع لم يكن فلاد الثالث مصّاص دماء إلا أنه اشتهر بأساليب الإعدام الوحشيّة التي اعتمدها في التخلّص من خصومه، وقد أُطلق عليه اسم فلاد المُخوزِق Vlad the Impaler نسبة لاعتماده الخازوق كوسيلة مفضّلة في القتل.
أما اسم دراكولا فيأتي من عضويّة عائلة فلاد فيما يسمّى "تنظيم التنين Order of the Dragon" الذي كان مكرّساً لمحاربة الأتراك ودفع تهديدهم المستمر لترانسيلفانيا، ودراكولا هو تصغير "دراكول" ويعني ابن الشيطان أو ابن التنين.
الأمير فلاد
بالرغم من نسيان الغرب لشخصيّة فلاد الثالث، إلا أنّ برام ستوكر أعاد إحياءها بعد أن أثارت اهتمامه عند بحثه في الأساطير الرومانية عندما بدأ العمل على روايته، حيث وجد الاسم مناسباً تماماً لبطل روايته نظراً لما عُرِف عن الأمير من قسوة وتعطّش للدماء، إلا أنه لا توجد صلة مباشرة في الفلكلور الروماني بين فلاد الثالث ومصّاصي الدماء.
ويعتبر الكونت فلاد دراكولا في رواية ستوكر مصّاص الدماء الأشهر حيث أصبحت صفاته معياراً لصفات مصاصي الدماء كافة في المخيّلة المعاصرة، فعلى سبيل المثال لا يمتلك دراكولا ظلاً، ويتمتع بقوّة العديد من الرجال معاً، ويصغر عمره كلما تغذّى على دم ضحاياه، ويمكنه التحكم بعناصر الطبيعة مثل الضباب والمطر وبالحيوانات كالبوم والخفاش، كما ويمكنه التنقّل على هيئة غبار أو خفاش، وبالرغم من قوته الكبيرة إلا أنّ له نقاط ضعف فهو لا يستطيع دخول أي منزل بدون دعوة صاحبه، ويمكنه التحرك وتغيير هيئته في الليل فقط (بعد غروب الشمس وقبل الشروق)، كما ويصبح ضعيفاً أمام الصليب والثوم والماء المقدس.
ومن أهم الرموز المقترنة بالكونت دراكولا قلعته الحجريّة المرعبة، وبالرغم من أن ستوكر لم يحدّد موقعها بالضبط إلا أن روايته خلقت صلة وثيقة بينها وبين قلعة بران الواقعة في رومانيا على الحدود الفاصلة بين ترانسيلفانيا وولاكيا، والتي بناها الفرسان التوتونيّون Teutonic عام 1212.
تحوّلت القلعة الآن إلى مكان أثري يقصده السيّاح للاطلّاع عن كثب على أكثر شخصيّات الأدب الغربي رعباً وإثارة، فهي تحوي غرفة مخصّصة لبرام ستوكر تُعرض فيها أسطورة فلاد الثالث وأسطورة دراكولا.
(قلعة بران- قلعة الكونت دراكولا)
المصادر: