الهندسة والآليات > هندسة البترول والغاز
انفجارُ منصّةِ Deepwater Horizon النفطيّةِ في خليج المكسيك
"الخطأُ الأوّل هو الخطأُ الأخير"
قد تبدو هذه العبارةُ غير مقاربةٍ للحقيقةِ معظمَ الأحيان، إلا أنها تمثّلُ أحدَ أهمِّ تحذيراتِ الأمنِ والسلامةِ في مجالِ عملِ الشركاتِ النفطية. هل تخيّلتم يومًا كيف يمكنُ لخطأٍ ما أن يؤديَ إلى كارثةٍ في دقائق؟
هنا في هذا المقال سنبحثُ خلفَ الأسبابِ التي أدت إلى حدوثِ كارثةِ أكبرِ تسرّبٍ نفطيٍّ بحريٍّ في التاريخ، مع وفاةِ أحدَ عشرَ شخصًا نتيجةَ انفجارِ منصةِ Deepwater Horizon النفطيّة في خليجِ المكسيك.
في مساءِ العشرينِ من نيسان عامَ 2010 وعلى مسافةِ 70 كيلومتر من شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية كان طاقَمُ العملِ على منصةِ الحفر البحريّ "ديب ووتر هورايزن" يخططُ لهجرِ البئر النفطيّة "ماكوندو" مؤقتاً، حيث قام هذا الطاقم قبلَ وقوعِ الحادثِ بيومٍ واحدٍ بضخِّ الإسمنت في فتحةِ البئر بهدفِ إغلاقِ البئر ومنعِ تسرّبِ النفطِ إلى خارجها.
حسبَ ما وردَ عن شركةِ الخدماتِ النفطيّةِ البريطانية المسؤولةِ عن المنصة "بريتش بتروليوم" أن الحادثَ يعود إلى عدّةِ أسبابٍ مختلفةٍ من أنظمةِ السلامةِ التي من المفترض أن تمنعَ وقوعَ هكذا أنواع من الحوادث.
1. سمنتةٌ خاطئة
إن الإسمنتَ الذي تمَّ ضخَّهُ في البئرِ لم يعمل على إغلاقها بصورةٍ صحيحةٍ مما سبّبَ تسرّبَ النفطِ والغاز عبر الأنابيب الواصلة بين قاعِ البئر والمنصةِ على السطح.
2. فشلُ صماماتِ الأمان
بالإضافةِ إلى عزلِ أسفلِ البئر من الجهتين بالإسمنت، تحتوي تشكيلةُ المواسيرِ على صماماتِ أمانٍ تحسّبًا لمثل هذا النوعِ من الحوادثِ حيث يوجدُ عادةً صمامانِ ميكانيكيانِ مصممانِ لغرضِ وقفِ التسرّبِ في حالِ وقوعِه ومنعِ النفطِ والغاز من الوصولِ إلى السطح، إلا أن هذين الصمامينِ فشلا معًا في أداءِ المهمة.
3. التفسيرُ الخاطئُ لقياساتِ الضغط
لعبَ الخطأُ البشريُّ دورَه أيضًا في حدوثِ الكارثةِ، حيثُ توجّبَ على طاقمِ العملِ أن يقومَ باختباراتِ الضغطِ داخلَ البئرِ بهدفِ التأكدِ من إغلاقها، إلا أنَّ نتائجَ هذه الاختبارات فُسِّرت على نحوٍ خاطئ، مما جعلَ الطاقمَ يعتقدُ بأن البئرَ تحتَ السيطرة.
4. عدمُ رصدِ حدوثِ أيَّ تسرّبٍ نفطيّ
بغضِ النظرِ فيما إذا كانتِ البئرُ تحت السيطرة أم لا، يتوجبُ على طاقمِ المنصّةِ أن يتابعَ تدفقَ النفطِ والغاز نحوَ السطح من خلالِ مراقبةِ قياساتِ الضغط حيثُ يشيُر الارتفاعُ المفاجئُ للضغطِ عادةً إلى تسرّبٍ للنفطِ والغاز في البئر. هذا ما حدثَ فعلًا قبلَ وقوعِ الانفجار بـ 50 دقيقة إلا أن ذلك لم يفسر على أنهُ تسربٌ نفطي.
وقبل 8 دقائقَ بالتمام من وقوع الكارثة بدأ مزيجٌ من سائلِ الحفر والغاز بالظهورِ والتدفقِ على أرضيةِ المنصّة، سارعَ العمالُ بإغلاقِ صمامِ أمانِ يدعى مانعَ الاندفاعِ الذي يتم تركيبُه على فوهةِ البئرِ في قاعِ المحيط ، لكن المفاجئةً كانت بأنه لم يعمل بشكلٍ ملائم.
5.الفاصلُ العاجز
كان من المفترضِ أن يقومَ طاقمُ العملِ بتحويلِ هذا التدفق بشكلٍ آمنٍ بعيدًا عن سطحِ المنصة عبرَ أنابيبٍ جانبية، ولكن بدلاً من ذلك قاموا بتحويلِه إلى فاصلٍ على سطحِ المنصّة مخصصٍ لفصلِ كمياتٍ قليلة من الغاز في حالِ وقوعِ تسرّبٍ نفطيٍّ جزئي. إلا أن هذا الفاصلَ لم يستطع فصلَ كاملِ كميةِ الغاز الكبيرة المتسرّبة، فبدأت بالانفصالِ عن سائل الحفرِ إلى الحدِّ الذي حدثَ عندهُ الانفجار وبدأ الحريقُ بالتهامِ المنصة.
6. غيابُ عملِ أنظمةِ إنذارِ تسرّبِ الغاز
مع العلمِ أن سطحَ المنصةِ كان مزودًا بجهازٍ حسّاسٍ لقياسِ نسبةِ الغاز على السطح والذي حالما يستشعرُ وجودَ أي تسرّبٍ غازي يعملُ على إطلاقِ صفارةِ الإنذار بالإضافة إلى إغلاقِ فتحاتِ مراوحِ التهوية لمنع وصولِ الغاز إلى مسببات الاشتعال، كالمحرّكات مثلًا. إلا أن هذا النظام فشلَ أيضاً.
7. غيابُ بطارياتِ موانعِ الاندفاع
إن حدوثَ الانفجارِ أدى إلى تدميرِ خطوطِ التحكمِ التي يستخدمها الطاقمُ لإغلاقِ موانعِ الاندفاع، وعلى الرغم من أن موانعَ الاندفاعِ مزودةً بنظامين منفصلين يعملان تلقائيّاً على إغلاقها في حال فقدانِ الاتصال بسطحِ المنصّة إلا أن البطاريةَ الفارغةَ لأحدِ الأنظمة والمفتاحُ المعطلُ للنظام الآخرِ حال دون إغلاقِ موانعِ الاندفاع.
أدت هذه السلسلةُ من الأخطاءِ البشريةِ والميكانيكية إلى نتائجٍ كارثيةٍ دمرتِ الحياةَ البحريةَ في خليجِ المكسيك وتحملتِ الشركة "بريتش بتروليوم " المسؤولة عن هذه الكارثةِ مبالغَ ماليةٍ ضخمة وصلت إلى 14 مليار دولار أمريكي، كما شارك في جهودِ الاستجابةِ حوالي 48 ألفَ شخصٍ وما يقارب 6500 سفينة، حيث كرّس العمالُ أكثر من 70 مليون ساعةَ عملٍ لإزالةِ الآثار وتشتيت النفط مع تنظيفِ المياه والشواطئ.
المصادر: