الاقتصادي Deaton ونوبل 2015

ولد Deaton عام 1945 في اسكتلندا، وحاز على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة كامبريدج عن بحثه " نماذج الطلب المستهلك وتطبيقها في المملكة المتحدة". وانتقل منذ العام 1983 ليكون أستاذ الاقتصاد والشؤون الدولية في جامعة برينستون في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولقد استلم Deaton جائزة نوبل للاقتصاد في 12 تشرين الأول/أكتوبر للعام 2015 لثلاث مساهماتٍ قام بها، ألا وهي: تطوير نموذجٍ لتقدير الطلب على سلعٍ مختلفةٍ حيث كان قد وضعه مع زميله Joun Muellbauer منذ العام 1980. وأيضاً دراسة العلاقة بين الاستهلاك والدخل في بحثه الذي أجراه عام 1990. وأيضاً عن بحثه في العقد الأخير حول قياس معايير المعيشة والفقر والرفاهية في الدول النامية.

لقد عمق الاقتصادي Angus Deaton من الفهم العام للأنماط المختلفة للاستهلاك من خلال أبحاثه، وخاصة في الدول الفقيرة. وقد تأثرت أبحاثه بشكل كبير بالممارسات العملية لأصحاب القرار السياسي والمجتمع العلمي. من خلال التأكيد على الروابط الكبيرة بين قرارات الاستهلاك الفردية ومخرجات الاقتصاد الكلي. وتعتبر أبحاثه مهمة على مستوى الاقتصاد الجزئي والكلي على حد سواء.

يتكون نموذج الطلب الذي اقترحه Deaton من مجموعة من المعادلات التي تظهر مستويات الاستهلاك للسلع والخدمات، وكل معادلة تختص بنوع معين من السلع كالأغذية والملابس وغيرها. وتظهر هذه المعادلات كيفية تأثر الطلب على هذه السلع بالدخل وبالعوامل الديموغرافية، حيث تعتبر هذه المعدلات مفيدة في اتخاذ القرارات الاقتصادية السياسية كمعرفة نوع الضرائب التي يمكن فرضها، وأية سلع يمكن أن تشكل وعاءً ضريبياً مناسباً.

خلال حقبة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، قام العديد من الاقتصاديين باختبار نماذج الطلب الموجودة، لكنهم لم يتمكنوا من التنبؤ بتغير الطلب تبعاً للتغير في الأسعار والدخل بدقة. كما أن تلك النماذج لم تكن تتسق مع فرضية عقلانية المستهلكين في اختيار البدائل من السلع والخدمات. حيث أنه يفترض بكل نموذج أن يستوفي العديد من الشروط والمتطلبات ليصبح ملائماً وواقعياً بالإضافة إلى أن يتماشى مع ما تفترضه فرضية عقلانية المستهلكين. وغالباً ما يكون التفسير لذلك بأن المستهلكين لا يتمتعون بالعقلانية الكاملة. ومع ذلك فقد ذهب Deaton إلى أن النماذج القائمة قد وضعت بصورة محدودة وتجبر سلوك المستهلك للخضوع للعديد من الافتراضات المقيدة والبعيدة عن الواقعية. ويعد نموذجه أكثر ملاءمةً ويعطي صورة واضحة بشكل أكبر عن أنماط الاستهلاك ومؤشراته مع إمكانية إجراء المقارنات بين الدول، والذي أصبح له تأثير كبير في الأوساط الأكاديمية فيما بعد.

كما ويوضح نموذج الاستهلاك الذي طوره Deaton كيف تقوم الأسر بتوزيع استهلاكهم على السلع والخدمات في فترة زمنية محددة، مع الأخذ بالنفقات الإجمالية خلال الفترة. وليس فقط تحديد ما يتم استهلاكه بل وما يتم ادخاره، حيث يعتبر تحديد مقدار ما يستهلكه الأفراد من دخلهم ومقدار ما يدخرونه من القضايا المهمة في الاقتصاد الكلي، كما أن عملية تقييم المدخرات على المستوى القومي مهمة لتكوين رؤوس الأموال ودوران الأعمال.

لقد شهد عقد الخمسينيات من القرن الماضي تطور اثنتين من أكثر النظريات التي توضح العلاقة بين كل من الاستهلاك والادخار والدخل، وهما فرضية الدخل المستمر لـ Fridman ونموذج دورة الحياة لـ Modigliani إذ يقوم جوهر هاتين النظريتين على فكرة مفادها، أن الأفراد يفضلون المحافظة على مستوى استهلاكهم وهم يعمدون إلى الادخار فقط في الحالات التي يتوقعون معها انخفاض دخلهم في المستقبل. وقد لعبت هاتان النظريتان دورا مهماً في أبحاث الاقتصاد الكلي في النصف الثاني من القرن العشرين. ومع أوائل التسعينات قدم Deaton عدد من الاختبارات التجريبية اشتقت من نظرية الدخل المستمر والتي أثبتت وجود اختلافات بين الواقع العملي والجانب النظري للعلاقة بين الدخل والاستهلاك. وحتى ذلك الوقت كانت أبحاث التحليل الكلي تعتمد على فكرة المستهلك المعياري حيث يتبع الاستهلاك للدخل. لكن Deaton أثبت أن الزيادة الغير متوقعة في الدخل على مستوى الدخل سينتج عنها ارتفاعات في الدخل في السنوات اللاحقة أيضاً وبذلك سيكون الاستهلاك الحالي أكبر من الدخل وهذا ما يتناقض مع نماذج التحليل الكلي، وسمي هذا في ما بعد بتناقض Deaton. ويوضح Deaton أن الحل الأساسي لهذه المعضلة يكمن بتعميق الفهم الاقتصادي الكلي يكون ودراسة الدخل والاستهلاك على المستوى الفردي. حيث يتغير الدخل تبعاً للأفراد، فدخل البعض يزداد بينما دخل البعض الآخر ينخفض. وفيما مضى كان يتم تجاهل هذه التغيرات عند حساب متوسط دخل المستهلك المعياري أو النمطي. جعل هذا من دراساتDeaton أن يكون لها الأثر الكبير على دراسات التحليل الكلي، فالدراسات السابقة منذ عهد كينز لم تكن تعتمد إلا على بيانات إجمالية وتتجاهل البيانات الفردية.

بالإضافة إلى ذلك، قام Deaton في العقود الأخيرة بإجراء الكثير من الأبحاث عن الاستهلاك والفقر والرفاهية في الدول النامية، حيث أكد فيها على أهمية بناء قواعد بيانات شاملة عن استهلاك الأسر لمختلف السلع بحيث تصبح بيانات الاستهلاك ذات موثوقية ومفيدة بشكل أكبر. وخاصة في ظل وجود العديد من المشكلات الرئيسة المرتبطة بالدراسة العملية لقياس كل من الفقر والرفاه في الدول.

إحدى المشكلات الرئيسة التي تظهر أثناء دراسة الاستهلاك تتمثل في معرفة نوع البيانات التي يجب جمعها، وأيضاً حدوث الانقطاع في السلاسل الزمنية للبيانات. وقد رأىDeaton أن جمع بيانات مقطعية سيكون أفضل للدراسة، بالإضافة لكونه أرخص وأبسط من جمع بيانات الأسر الفردية.

مشكلة أخرى تظهر عند دراسة مدى انتشار الفقر عن طريق قياس الاستهلاك أو الانفاق وذلك في حال اختلاف المناطق واختلاف الأسعار المحلية تبعاً لذلك، بالإضافة إلى تغير الجودة والنوعية للسلع من منطقة لأخرى. استطاع Deaton التغلب على هذه المشكلة عن طريق تقسيم الانفاق تبعاً للنوعية لتحديد أسعار السوق المحلية عندما يكون من العسير القيام بذلك في بعض البلدان.

مشكلة أخرى تتمثل في أن الفقر عادة ما يقاس على المستوى الفردي، بينما يتم جمع بيانات الاستهلاك على مستوى الأسر، كما يتم قياس مستوى الرفاهية من خلال مجموع الإنفاق الكلي للأسر منسوب لكل فرد، والذي يفترض بأن الطفل يستهلك أكثر من الفرد البالغ. لكن Deaton أظهر أن إنفاق الطفل يشكل من 30 إلى 40 % من إنفاق البالغ وهو ما يجعل التقديرات السابقة حول انتشار الفقر في الأسر التي لديها أطفال مبالغٌ بها.

هذا وقد قام Deaton بتقديم مساهمات عديدة من أجل الوصول لطرق أفضل لمقارنة الرفاهية عبر الزمن وبين البلدان. وذلك من خلال استخدام بيانات على المستوى الفردي وعلى المستوى القومي، وسيضاف مجهود Deaton إلى مجهود الكثيرين الذين قدموا ويقدموا الكثير للعلم والبشرية جمعاء.

المصدر:

Mats Persson. The Prize in Economic Sciences 2015. The Royal Swedish Academy Swensson. available on www.nobelprize.org.