البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية
هل ينتقل مرض ألزهايمر من شخص إلى آخر؟
دعونا نبدأ بمقدّمة إحصائية سريعة.
يُعاني ما يُقدّر بـ4.5 مليون أمريكي من داء ألزهايمر، ووفقاً لأحدث الدراسات فإنّ نصفَ مليون منهم يُتَوَفّون سنوياً، ممّا يجعله في المرتبة الثالثة في قائمة الأمراض المُسبّبة للموت في الولايات المتحدة بعد أمراض القلب والسرطان. ومع ازدياد معدّل انتشاره، تزداد التساؤلاتُ حول مسببّاته وتتتالى الدراسات التي تبحث عن الأجوبة، حيث تكشف أحدثها عن وجود دليلٍ على إمكانية الإصابة بالمرض كنتيجةٍ لعملياتِ زراعة الأعضاء، بل أنّه من الممكن أيضاً أن ينتقل عن طريق بعض العمليات الجراحية.
والآن، سنروي قصّةً حدثت في منتصف القرن الماضي.
بين عامي 1958 و1985 تلقَّى عددٌ من الأشخاص من ذوي القامات القصيرة جرعاتٍ من هرمون النمو البشري (GH) المستخلص من الغدة النخامية لمتبرعين مُتوفين (الغدة النخامية هي غدة صمّاء بحجم حبة البازلاء، تقع في قاعدة الدماغ). ولكن كانت بعض تلك الهرمونات ملوثةً بالبريونات Prions! ستسأل نفسك الآن ما هي البريونات؟ وإليك الإجابة: البريونات هي الشكل المُمرِض لجزيئات بروتينية توجد بشكل طبيعي في الجسم وخاصةً على سطح خلايا الجهاز العصبي المركزي وأماكن أخرى من الجسم عند الثدييات. تُعدُّ من العوامل الممرضة، لكنَّها تختلف عن البكتريا والفطريات والفيروسات من حيث افتقادها للمادة الوراثية. كما أنّها لا تولِّد استجابة مناعية في المضيف لكونها شكلاً شاذًّا من بروتين طبيعي في الجسم.
تعمل البريونات على حثِّ بروتينات أخرى طبيعية على التشوُّه وتتراكم كلُّها في الدماغ مسببةً أمراضاً نادرةً مثل جنون البقر و(كورو kuru ) و(كروتزفيلد جاكوب Creutzfeldt-Jakob)، وقد وجد العلماء مؤخَّراً أنَّ عملياتٍ مماثلة من تشوُّه البروتين تلعب دوراً في العديد من الأمراض العصبية التنكُّسية مثل ألزهايمر Alzheimers وباركنسون Parkinson وداء لوغيريغ Lou Gehrig’s disease.
لنتابعَ قصّتنا... ما الذي حدث لأولئك الأشخاص؟ تسببت هذه الجرعات الملوثة بالبريونات بحدوث مرض كروتزفيلد – جاكوب (CJD) عند بعض المرضى الذين تلقَّوا العلاج بهرمون النمو، وفور ظهور هذه التقارير، أُوقِفَ ذلك العلاج ولكن بعد أن كان قد تلقَّى حوالي 30.000 مريض لتلك الحُقَن! وفي عام 2012 تمكّن الباحثون من تحديد 450 حالة إصابة بمرض كروتزفيلد– جاكوب حول العالم نتيجة الحقن بهرمون النمو وبعض الإجراءات الطبية كجراحة الأعصاب وعمليات زراعة الأعضاء.
وهنا نأتي إلى السؤال الأهم: هل ينتقل داء ألزهايمر بين البشر؟ للإجابة على هذا السؤال، قام عالم الأعصاب جون كولينج John Collinge من جامعة لندن وزملاؤه، بدراسةٍ تشريحيةٍ لثمانية مرضى تَوفَّوا بسبب إصابتهم بمرض كروتزفيلد- جاكوب بعد معاملتهم بهرمون النمو المأخوذ من الغدد الصمَّاء لأولئك المتبرعين، ولكن قبل أن نعرف نتيجة هذه الدراسة التشريحية يجب أن نضع في الحسبان الأمرين التاليين:
• كانت أعمار المرضى تتراوحُ بينَ 35 و51 عاماً، وهي أعمار أصغر من أن يظهر فيها داء ألزهايمر.
• لم يكن من بين المرضى من يحمل طفراتٍ وراثيةٍ مرتبطةٍ بالظهور المبكر لهذا الداء (ألزهايمر).
فماذا كانت النتيجة؟ وجد العلماء في ستة أدمغةٍ حالاتِ تشوهٍ في بروتين أميلويد- بيتا (إنَّ تشوّه بروتينات أميلويد- بيتا amyloid-β هو السِّمة المميِّزة لـ ألزهايمر)، أظهرت أربعةٌ منها درجةً معينةً من اعتلال الأوعية الدماغية الأميلويدي (Cerebral amyloid angiopathy) الذي تتراكم فيه ترسُّبات من بروتين الأميلويد على جدران الأوعية الدموية في الدماغ.
حسناً، وماذا يعني ذلك؟ تشير كلُّ الدلائل إلى احتمالٍ واحد، وهو أنَّ بروتينات أميلويد- بيتا كانت في حُقَن هرمون النمو وانتقلت إلى أولئك الأشخاص. وعلى الرغم من أنَّه لم يُظهِر أيٌّ من الأدمغة أيّة علاماتٍ أخرى تدل على مرض ألزهايمر، كتراكم بروتين مشوه يدعى "تاو tau". ويشير الباحثون إلى أنَّه إن لم يتوفى المرضى في عمرٍ مبكرٍ، فسيظهر عندهم مرض ألزهايمر في وقتٍ لاحقٍ من حياتهم.
مجرّدُ بحثٍ في الماضي أم تطلّعٌ للمستقبل؟
يُعد هذا البحث بمثابة خطوةٍ أولى نحو الإجابة على السؤال المتعلّق بإمكانية انتقال البروتينات المرضية من شخص إلى آخر. يقول كولينج:" تستند هذه الدراسة إلى المشاهدة؛ ببساطةٍ، إنّنا نصف مشاهداتِنا لما حدث عند هؤلاء المرضى، ونسعى إلى تفسير ذلك"، ويرى أنّ هذه الدراسةَ وحدها، غيرُ كافيةٍ لإثباتِ أنّ مرض ألزهايمر يُمكن أن ينتقل لشخصٍ نتيجةَ الملامسة مع نسيجٍ دماغيّ لشخصٍ آخر، لكن يطمح الباحثون في المستقبل للحصول على كمية من هرمون النمو البشري المستخلص من غدد هؤلاء المتبرعين للبحث عن وجود الدليل (وهو تجمعات من بروتين أميلويد – بيتا).
لكن لبعض العلماء رأيٌ مختلفٌ..
يشير جون تريانوسكي John Trojanowski، أحد أبرز الباحثين في مجال داء ألزهايمر من جامعة بنسلفانيا، إلى صغر حجم الدراسة وعدم تمكّنها من تقديم جوابٍ واضح حول ما إذا كان ألزهايمر ينتقل بين البشر فعلاً، ويقول:" تُظهر الدراسات أنّ الصفائحَ plaques (تجمعات غير طبيعية من بروتين أميلويد - بيتا تترسب بين الخلايا العصبية) والتشابكات tangles (خيوط متشابكة من بروتين تاو tau تتواجد داخل الخلايا العصبية الميتة) تبدأ بالتشكّل في وقتٍ مبكرٍ من العقدين الثاني والثالث من العمر، ما يعني بأنّ ترسّب بروتين أميلويد- بيتا عند الأشخاص موضع الدراسة يمكن أن يكون مرتبطاً بالعمر، ليس إلّا." ويرى أنّ هذه الدراسة من شأنها أن تُحدِثُ مزيداً من الإرباك وتثيرَ مخاوفَ بين الناس حول العدوى بداء ألزهايمر.
وبين مؤيّدٍ للدراسة وآخرَ مُقلّلٍ من شأنها، ما زال العلماء بصدد دراسة الطرق التي يُمكن لمجموعةٍ من الأمراض العصبية التنكُّسية أن تتطوّرَ من خلالها، إضافةً إلى الدور الذي يُمكن أن يلعبَه انتقال هذه الأمراض بين البشر آخذين بعين الاعتبار الدليل المُقدّم في هذه الدراسة.
وإلى أن ترى نتائجُ تلك الدراساتِ النورَ، من الجيد أن نعتني بصحة جهازنا العصبي باتباع نظامٍ غذائيّ صحيّ وممارسة التمارين الرياضية والذهنية!
المصادر: