الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
الصراع في سورية قد يــُـخـَـلـِّـف جودةَ هواءٍ أفضل!
أصبح العلماء منذ عام 2004 قادرين على رصد ملوثات الغلاف الجوي بدرجات عالية من الدقة وذلك بفضل نشر جهاز رصد الأوزون على متن قمر صناعي تابع لـ ناسا. استخدمت هذه الدراسة بيانات من الفضاء لرصد مستويات أكاسيد النيتروجين NOx في منطقة الشرق الاوسط وحولها والناتجة عن احتراق الوقود الاحفوري خاصةً في مجالات النقل خلال العقد الماضي. فوجئ الفريق بصورٍ معقدةٍ وغير متوقعة، حيث لوحظ ارتفاع نسبي بنسبة ثاني أكسيد النيتروجين NO2 فوق جنوب وشرق آسيا والشرق الأوسط، سيما فوق المدن الكبرى. يرجح العلماء أن مزيجاً من العوامل المؤثرة بنوعية الهواء والعوامل السياسية الراهنة بما في ذلك الأزمات الاقتصادية والصراع المسلح والنشاط السياسي والعسكري قد أثرت جميعها بمستويات التلوث وغيرت بشكل كبير من انبعاثات أكاسيد النيتروجين في منطقة الشرق الأوسط.
إن أكاسيد النيتروجين تلعب دوراً هاماً محورياً في كيمياء الغلاف الجوي وفي الدورات البيولوجية الكيميائية وكذلك في النظم البيئية، وتؤدي انبعاثات أكاسيد النيتروجين بشرية المنشأ إلى إحداث تغيراتٍ مناخية، وكما هو معروف؛ فإن أكاسيد النيتروجين هي المفتاح لتشكل الأوزون O3.
تــُـقـَـدّر مجموع مصادر أكاسيد النيتروجين العالمية بـ 50 تيراغرام نيتروجين/سنة، حيث تُقدر نسبة الطبيعي منها بـ 23%ٌ بينما ينتج 58% منها عن احتراق الوقود الإحفوري بفعل حركة المرور وتوليد الطاقة، وينتج المتبقي من الزراعة واحترق الكتلة الحيوية والوقود الحيوي. في منطقة الشرق الأوسط، تعتبر مصادر أكاسيد النيتروجين الطبيعية قليلة، ونلاحظ أن هناك سيطرة للانبعاثات الناتجة عن احتراق الوقود الإحفوري.
تم الإبلاغ عن تصاعدٍ قوي لثاني أكسيد النيتروجين في السنوات الأخيرة من منطقة الشرق الأوسط بما فيها منطقة الخليج العربي، حيث لوحظ أن أعلى نسبة من ثاني أكسيد النيتروجين متواجدة فوق الرياض وطهران وضواحيها وعلى طول الخليج العربي وفي القاهرة وشمالي مصر، وقد بينت دراسات سابقة ارتفاعاً ملحوظاً في NO2 حتى الأعوام 2010 و2011 (مثلاً من 5 إلى 7% سنوياً في القاهرة ومن 10 إلى 20% في بغداد ومن 7 إلى 10% في دمشق). ترافق ذلك مع مستويات عالية من الأوزون O3 خاصة في فصل الصيف بسبب انبعاثات أكاسيد النيتروجين البشرية المنشأ والمرتبطة بشكل كبير باستهلاك الوقود الاحفوري وكثافة الحركة المرورية والتي رُبطت مع الأنشطة الاقتصادية والصناعية. لكن... نعلم جيداً حجم التغيرات الكبيرة التي بدأت منذ العام 2010 والتي لم يكن بالإمكان التنبؤ بحدوثها فجاءت مخالفة لتوقعات بداية القرن الـواحد والعشرين حول تلوث الهواء وتغيرات المناخ.
لوحظ انخفاض في نسب أكاسيد النيتروجين فوق مُدن معينة، حيث ارتبطت هنا نسبة ثاني أكسيد النيتروجين ارتباطاً وثيقاً بانبعاثات أكاسيد النيتروجين المحلية والتي بدورها ارتبطت بعدة عوامل وقوانين بيئية جديدة هدفت إلى تحسين جودة الهواء عن طريق مجموعة من الضوابط التنموية وعمليات تهدف الى التحكم بالانبعاثات، وكذلك ارتبطت بالتطورات الاقتصادية والسياسية والصراع المسلح. ففي بلدان مثل اليونان كان للركود الاقتصادي العالمي والقوانين البيئية الجديدة دوراً هاماً في هذا الأمر كذلك بالنسبة للملكة العربية السعودية والإمارات وغيرها من البلدان.
أما بالنسبة لسوريا والعراق فكان للاضطراب السياسي والصراع المسلح الدائر في مناطق معينة دور في انخفاض مستويات ملوثات الهواء بشكل كبير حيث انخفضت كمية ثاني أكسيد النيتروجين NO2 في الهواء فوق مدينة دمشق بنسبة تصل إلى40 - 50% منذ بداية النزاع المسلح في سوريا بسبب اضطرار الملايين من الناس للمغادرة بسبب الحرب القائمة منذ عام 2011، ولوحظ تراجع في مستويات ثاني أكسيد النيتروجين NO2 فوق دمشق وحلب، لكنها ازدادت في دول الجوار مثل لبنان فكان هناك ارتفاع حاد من نفس هذه الملوثات لدرجة تصل إلى 30% بسبب انتقال العديد من الأشخاص إليها.
يعتبر العلماء أن ذلك ليس بالعادي ففي حين تغص المخيمات شمالي الأردن ويزداد السوريون في لبنان يزيد في تلك الأماكن استهلاك الطاقة وحركة المرور لكن العكس حصل في المناطق السورية. ظاهرةٌ مشابهة حدثت في العراق ففي عام 2005 ارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين فوق بغداد لأكثر من 10% /سنة حتى عام 2011، ثم بدأت بالتراجع بنفس المعدل تقريباً حتى انخفضت إلى أكثر من النصف، ثم انخفضت إلى حد كبير عام 2013 في بغداد ووسط العراق بما في ذلك تكريت وسامراء التي سيطرت ما تسمى بـ "الدولة الإسلامية" عليها.
رحب بعض العلماء بالدراسة قائلين أنها استمرار لأبحاث سابقة مماثلة تمت خلال حرب العراق. يقول الباحثون أنه من الصعب استخدام التكنولوجيا للحصول على صورة حاسمة وواضحة، لكن مما لا يجب تجاهله لجوء الناس إلى استخدام الوقود الأكثر تلويثاً والأرخص بغرض التدفئة الأمر الذي قد يعاكس نتائج الدراسة. لربما رحب بعض العلماء بالأثر "الإيجابي" الذي خلفه الصراع بشكل غير مقصود من حيث جعل الهواء أنظف لكن الحروب والصراعات تظل مدعاةً للتخريب والدمار قبل كل شيء.
المصادر
Lelieveld J., Beirle S., Hörmann C., Stenchikov G. and Wagner T. (2015). Abrupt recent trend changes in atmospheric nitrogen dioxide over the Middle East. Science Advances, 1(7). هنا