العمارة والتشييد > التصميم المعماري
الانضباط و العقاب: عمارة حقوق الإنسان
من سجن أبوغريب إلى سجن غوانتانامو، ناهيك عن السجون السرية السيئة السمعة التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية خارج الولايات المتحدة، جميعها قام بتصميمها مهندسون معماريون محترفون، ثم يتسائل البعض " لماذا المعماريون بحاجة لوجود "َقسم ابقراط" خاص بهم لمنع انتهاكات حقوق الإنسان."
يعتقد معظمنا أن الضوابط المعمارية وضعت لضمان سلامة مستخدمي الأبنية فقط. ولكن ماذا لو أن الضرر الذي يسببه المبنى ليس بسبب خطأ في وظيفته أو إنشائه، بل لأن المبنى يقوم بوظيفته تماما على النحو المنشود! هل يُعد تصميم مبنى يسهل انتهاكات حقوق الإنسان انتهاكا بحد ذاته؟ و ما هي مسؤولية المعماري؟ هذه الأسئلة تمثل مركز النقاش الدائر حاليا حول اشتراك الهندسة المعمارية في تصميم السجون.
يمثل حوالي 2.3 مليون سجين أمريكي أكبر نسبة من المجتمع الإجرامي خلف القصبان في العالم، مما يجعل عملية إدارة و بناء السجون صناعة ضخمة. الإعدام و القيام بالسجن الانفرادي لفترات طويلة منتشر بشكل كبير وبنفس الوقت يتعرض لانتقادات على نطاق واسع. منظمة العفو الدولية والأمم المتحدة تدين ممارسات الولايات المتحدة مثل العزل، و التي يمكن أن تلحق ضررا على الصحة العقلية و البصرية طويلة الأمد للفرد و ذلك في غضون أسابيع.
في حين قامت المملكة المتحدة و من ثم الاتحاد الأوروبي بحظر تصدير الحقن القاتلة إلى أمريكا على أمل الدفع بها لإعادة التفكير في موقفها من عقوبة الإعدام، ويقوم العالم بتشديد موقفه الرافض للعقوبات الجزائية الأمريكية، إلا أن المهندسون المعماريون يشاركون في بناء سجون جديدة بما فيها من غرف الموت و زنزانات العزل المصممة خصيصا لانتهاك حقوق الإنسان.
تستحق الجمعية الأمريكية للمهندسين المعماريين الثناء لما يحتويه نص أخلاقياتها من اشتراط على أعضائه يقول " يتوجب احترام حقوق الإنسان في جميع المساعي المهنية". و بالرغم من الضرر الحاصل لحقوق الإنسان بواسطة مشاريع الاعتقال الأمريكية في غوانتانامو و بولندا و رومانيا و أميركا نفسها، إلا أن باقي البلدان الناطقة بالانكليزية لا يوجد فيها مثل هذا الموقف الواضح لا من الجمعية الملكية للمعماريين البريطانيين أو الجمعية الاسترالية للمعماريين. ولا حتى القانون المعماري الكندي أو الاتحاد العالمي للمعماريين يتضمنون في نصوص اخلافياتهم مثل هذا الموقف.
و على الرغم من الموقف القوي للجمعية الأمريكية للمعماريين، إلا أنه لا يبدو كافيا لتوجيه المعماريين للوقوف في وجه العملاء الذين يطلبون مساعدة تصميمية تؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان.
ظهر مفهوم حقوق الإنسان لأول مرة في عام 536 قبل الميلاد عندما غزا سايروس العظيم مدينة بابل و قام بتحرير العبيد، معلنا أن جميع الناس لهم الحق في اختيار دينهم وأنشأ مساواة عرقية في القانون الفارسي القديم. معاهدات حقوق الإنسان المعاصرة نشأت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، و كانت آليات لحماية السكان من الأذى من قبل الانظمة التعسفية. وعلى الرغم من أن الحكومات الغربية اليوم تبدي ميلا لمقاومة الرقابة والمسائلة الدولية إلا أنه في البداية كانت حقوق الإنسان مصدرا للفخر الوطني و دلالة على الرقي الدبلوماسي.
المجتمع المدني كان لفترة طويلة حصنا لقوته، و المعماريين كما المهنيين العاملين ضمن المجتمع المدني، يرون أن حرياتنا و مستوى رفاهنا يصعد ويهبط من شخص لأخر. حقوق الإنسان لا تطبق فقط في حالة الأزمات الدستورية إنما في كل وقت من الحياة اليومية حيث العمل المعماري يتم بشكل عام. يجب على المعماريين أن يكونوا منتبهين إلى الأبعاد الأخلاقية لمشاريعهم ليتجنبوا ما وصفته المنظرة السياسية هانا أرندت ب" إبتذال الشر". ذلك المسار الخفي بدءا من قبول مشروع مشكوك فيه أخلاقيا إلى أن تصبح على معرفة كافية من عميل إشكالي وبعدها يتوقف الشخص عن الاستقسار حول برامجهم جميعها.
كيف يتوجب على مهنة العمارة الاستجابة لهذا؟ حاليا إن مجموعة المعماريين والمخططين للمسؤولية الإجتماعية تقوم بتقديم التماس إلى الجمعية الأمريكية للمعماريين لتعديل ميثاق الشرف ليتم تحديدا حظر المعماريين الأعضاء من تصميم فراغات تهدف إلى انتهاك حقوق الإنسان. الأطباء و غيرهم من المهنيين الطبيين لديهم قوانين مماثلة في صلب أنظمتهم المهنية. ويجب أن يتضمن التعديل من قبل الجمعية الأمريكية للمعماريين عواقب دولية.
معماريو السجون الأمريكيون يتم مقاضاتهم حاليا من قبل الحكومات الأجنبية وبالأخص حكومات الدول المتقدمة، الهادفة لتبني تصاميم سجون عصرية. سجن أبو غريب العراقي والذي هو موقع العديد من الإعدامات الجماعية في عهد صدام حسين و حالات التعذيب السيئة من قبل عناصر الجيش الأمريكي تم تصميمه من قبل المهندس الأمريكي إدموند وايتينغ و بني بواسطة المقاولين البريطانيين في أواخر الستينات من القرن العشرين. و منذ ذلك الوقت، عملت الشركات الأميركية في المكسيك و كولومبيا و الإمارات حيث مفهوم "جناح الاستجواب" موجود في موجز الهندسة المعمارية حاليا و ربما يدرج غدا من قبل منظمة مراقبة حقوق الإنسان " هيومان رايتس ووتش".
السجون السرية السيئة السمعة التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية خارج الولايات المتحدة بنيت عام 2003 باستخدام الزنزانات الجاهزة لشركة "ستيل سيل" بلدوين، جورجيا و التي قامت أيضا بتوفير زنزانات لبناء مركز الاعتقال المدان عالميا في خليج غوانتانامو باستخدام التصاميم المقدمة من قبل المعماريين والمهندسين الأمريكيين. المهندسين المعماريين الأمريكيين بقيادة الجمعية الأمريكية للمعماريين اتخذوا موقفاً قوياً لاتخاذ خطوة تدفع بالإجماع الأخلاقي للمجتمع إلى الأمام.
الأشخاص المسجونين هم مجموعة يصعب الدفاع عنها. باستثناء المسجونين ظلما " مما يدعو لإستغراب نسبة كبيرة في أميركا و حتى من المحكومين بالإعدام حيث تتلقى قضاياهم معظم التدقيق"، السجناء قاموا بتخطي القوانين، و غالبا قاموا بإيذاء أشخاص آخرين و أحيانا بشكل مريع، لكن حقوق الانسان الخاصة بهم ليست حول جرائمهم بل لحماية المجتمعات من الوقوع تحت حد أدنى من اللياقة و لضمان أن نستمر بأن نهدف إلى أعلى الآمال.
قال باراك أوباما بحق نيلسون مانديلا: " لقد كان يكافح من أجل حرية السجناء لكن أيضا من أجل حرية السجانين". عندما يقوم المعماريين بتصميم السجون، فإننا لا نتحمل المسؤولية فقط عن ظروف السجناء و الحراس داخلها وإنما عن حالة الحرية لكل شخص خارج السجون أيضا.
المشرعون والحكام والعاملون في السجون يتحملون المسؤولية الكبرى عن ظروف السجن، فبعد كل شيء أي غرفة يمكن أن يتم استخدامها لتعذيب شخص ما، وليست فقط تلك المسمى السجن الانفرادي. العبء الأخلاقي على المصممين ضخم جدا ليتحمله المعماريون بشكل فردي أو كمؤسسة، ولهذا السبب يجب على الجمعية الأمريكية للمعماريين التحدث بوضوح وقوة لصالح حقوق الإنسان.
تجاهل المشاريع التي من الممكن أن تنتهك حقوق الإنسان خطوة هامة و أساسية نحو رؤية لعالم من المساواة والرخاء. العالم نفسه الذي يناضل المعماريون لبنائه كل يوم.
المصدر: