الهندسة والآليات > الاتصالات والشبكات
مستقبل مولدات الإشارة بين يدي فيزياء الكم
يُعدُّ استخدام الإشعاع الكهرطيسي حاجةً أساسيّةً في حياتنا اليوميّة ، و كما هو معلوم فإن توليد الأمواج الكهرطيسية ذات ترددات تتراوح من الكيلوهرتز و حتى الميجاهرتز يكون أسهل من توليد أمواج بترددات تصل إلى الجيجاهرتز، إلّا أن الأخيرة قادرة على حمل كميّةِ أكبر من المعلومات. في هذا المقال سنتحدث عن بحث جديد لطريقة جديدة لتوليد الأمواج الكهرطيسية بترددات تفوق الجيجاهرتز تتميز ببساطتها مقارنة بالطرق المتعارف عليها.
قام باحثون من المركز الوطني الإيطالي للبحوث (SPIN-CNA) والمؤسسة الوطنية لعلوم وتكنولوجيا النانو (NEST-CR ) في إيطاليا بابتكار وسيلةِ لتحويل الإشارات أو الأمواج ذات الترددات المنخفضة إلى إشارات بترددات أعلى. ويعتمد هذا الابتكار على الاستفادة من الجهاز الحائز على جائزة نوبل والمعروف باسم وصلة جوزيفسون والذي يستخدم حالياً لجعل مقاييس الجهد حسّاسةً بشكلِ كبير كما يستخدم للكشف عن التغيرات اللحظية للمجال المغناطيسي. وقد تم نشر نتائج هذا العمل في المجلة الفيزياء التطبيقية (Journal of Applied Physics).
تتكون وصلات جوزيفسون من طبقة رقيقة من مادة عازلة متوضعة بين طبقتين مصنوعتين من مادة فائقة الناقلية ، وتحت الظروف المناسبة ، فإن الالكترونات تنتقل من إحدى الطبقتين ذات الناقلية الفائقة إلى الأخرى دون وجود أي مقاومة تبديها الطبقة العازلة الموجودة في الوسط. و عندما يصل التيار إلى قيمة معينة تدعى بالقيمة الحرجة فسوف تظهر قيمة محدودة للمقاومة بشكل فجائي ويتولد عندها فرق في الجهد عبر الوصلة.
وبينما كان أحد أعضاء الفريق البحثي في مركز الأبحاث الوطني الإيطالي يقوم بتجارب على وصلات جوزيفسون مع زملائه، لاحظ سلوك غير اعتيادي لهذه الوصلات. حيث و جدوا أنه عند وضع وصلات جوزيفسون ضمن حقل مغناطيسي مهتز ( متذبذب ) سوف يتولد نبضات للجهد. مما دفع الباحثين إلى وضع نظيرة لتحليل و تفسير ذاك السلوك.
اكتشف الباحثون أن الحقل المغناطيسي المهتز يقوم بإنتاج قفزة مفاجئة في الخاصية الميكانيكية الكمومية لطبقات المادة فائقة الناقلية والتي يطلق عليها اسم "الطور phase " ، وتنتج هذه القفزة بدورها نبضة جهد . كما وجد الباحثون أيضاً أن الحقل المغناطيسي المُهتز بشكل منتظم يولد نبضات للجهد تحتوي على مئات التوافقيات التابعة لتردد الإشارة الأصلية، حيث تتضمن هذه التوافقيات ترددات أكبر بآلاف المرات من تردد الإشاة الأصلية.
ولسوء الحظ فإن خرج جهاز أو وصلة واحدة يكون صغير جداً، ولكن ببناء مصفوفة من هذه الأجهزة يتم تحويل استطاعة الخرج الصغيرة للوصلة الواحدة أو للجهاز الواحد إلى استطاعة خرج أكبر بكثير. لذا قام فريق الباحثون بصنع مصفوفة مكوَّنة من 1000 وصلة جوزيفسون مصنوعة من النيوبيوم و أوكسيد الألمينيوم و التي بمقدورها تحويل إشارة الدخل ذات التردد 100 ميجاهرتز إلى إشارة خرج بتردد 50 جيجاهرتز وباستطاعة تساوي 100 بيكو وات. ووجدوا أيضاً أنه بتغيُّر شكل وصلة جوزيفسون ستتغيَّر كمية الطاقة الناتجة و ذلك عند ترددات خرج مختلفة . فالوصلة قرصيّة الشكل تُنتج طاقة أكبر ممّا تُنتجه الوصلات المستطيلة و الدائرية و ذلك عند الترددات العالية .
ويختلف محول الترددات المصنوع من وصلة جوزيفسون كلياً عن مولدات الإشارة التقليدية المستخدمة حالياً، فمعظم مولدات الإشارة عالية التردد ( تصل حتى الجيجاهرتز ) تكون مكلفة و ضخمة، أما و صلات جوزيفسون تكون عبارة عن دارة الكترونية صغيرة الحجم ( بضعة ميلليمترات فقط ) و تُدمج بسهولة في الرقائق الالكترونية.
ويقول أحد أعضاء فريق البحث "حتى الآن لا يوجد لدينا سوى النتائج النظرية ، ولكنّنا نتطلع للحصول على تطابق مع التجارب العملية " ، و يأمل فريق الباحثين أن يثير استنتاجهم الأولي هذا اهتمام الآخرين في بناء مثل هذه الأجهزة . لكن في البداية يُرجّح أن تُستخدم هذه التكنولوجيا في المختبر من أجل معايرة القياسات و إجراء التجارب، ومع المزيد من التطوير يصبح بالإمكان استخدامها في مجال الاتصالات السلكيّة واللّاسلكيّة .
وبذلك يأمل الباحثون أن يكون هذا البحث وأمثاله أحجار أساس في ثورة تقنية قد تغيير من مفهومنا للأنظمة الالكترونية وأنظمة الاتصالات. كما أن من أهم النتائج المرتقبة هو الدور الذي من الممكن أن تلعبه هكذا أبحاث في خفض استهلاك الطاقة والتوصل لحلول صديقة للبيئة ذات استهلاك منخفض للطاقة.
المصدر: