الفيزياء والفلك > علم الفلك
المادة المظلمة المُختبئة في النجوم قد تُسبّب اهتزازات قابلة للرصد.
لم يتمكن أحد حتى الآن من رؤية المادة المظلمة بشكلٍ مباشر، ولكنّ الجاذبيةَ التي تُطبّقها المادةُ المظلمة على المادة المرئية هي ما جعل العلماء يؤمنون بوجود هذه المادة ،أحد التفسيرات التي أجابت عن اسباب عدم رؤيتنا للكميات الضخمة من المادة المظلمة بالطرق التقليدية، هو أن المادة المظلمة تختبئ في مراكز النجوم.
في دراسة جديدة يقوم العلماء بالتحقق من إمكانيّة كون كميات كبيرة من الكتلة الموجودة داخل النجوم مؤلفة من جسيمات تُدعى بـالأكسيونات "Axions"*، تم نشر مقال عن احتماليّة وجود المادة المظلمة في النجوم في مجلة Physics review letters ،حيث قام بنشرها العلماء "ريتشارد بريتو" من جامعة لشبونة في البرتغال، "فيتور كاردوسو" من جامعة لشبونة و معهد بيريميتر للفيزياء النظرية " the Perimeter Institute for Theoretical Physics" في واترلو - كندا، والعالم "هيروتادا أوكاوا" من جامعتي كيوتو وواسيدا الموجودتين في اليابان.
يقول بريتو لموقع phys.org "عَمَلنا يَدرُس كيف تتكدس المادة المظلمة داخل النجوم في حال كون المادة المظلمة مؤلَّفةً من جسيمات بوزونية هائلة كالأكسيونات مثلاً، نتائجنا تُظهر أن تراكم المادة المظلمة في النجوم لا يؤدي إلى انهيار ثقالي، ولكنه قد يكون المسبب للاهتزازات المميزة في النجوم ."
أظهر العلماء نظرياً أنه عندما يتكدّس عددٌ كبير من الأكسيونات في نواة نجمٍ عادي، فإنّ نواة المادةِ المظلمة سوف تهتز، مما يؤدي إلى اهتزاز موائع النجم في تناغم معها بتواتر معين يتعلق بكتلة النجم أو بمضاعفات هذا التواتر. فإذا كانت نواة النجم من الأكسيونات فإن النجم سوف يصدر أشعة مايكروية وقد يكون لذلك آثار مرئيّة يمكن ملاحظتها.
يقول بريتو "ما يتأرجح ويتذبذب فعلاً هو كثافة المائع وضغطه، ولكن يمكننا القول بأن النجم بأكمله يتأرجح، هذه التأرجحات تشبه الأمواج الصوتية التي تنتقل عبر سائل بتردد معين، مثل هذه الاهتزازات قد يؤدي إلى تغير صفات رئيسية في النجم، كلمعان النجم ودرجة حرارته، وهي مقادير يمكن قياسها بشكل مباشر. "
في الواقع هناك فرع كامل في الفيزياء يُدعى علم الزلازل النجمية Asteroseismology ، يهتم هذا الفرع بدراسة البُنى الداخلية للنجم من خلال دراسة أنماط اهتزاز هذا النجم. ذلك مشابه إلى حد كبير بالطريقة التي يدرس بها العلماء البنى الداخلية للأرض من خلال دراسة الأمواج الزلزالية. من المحتمل أن اهتزازات النجم هذه والتي تُسببها نواة المادة المظلمة يمكن ملاحظتها باستخدام طرق مشابهة. فإذا علمنا الترددات التي تهتز عندها هذه النجوم بدقة فيمكن لذلك أن يكون بمثابة دليل دامغ على وجود المادة المظلمة، لا يزال علم الزلازل النجمية في بدايته ولكنه بالتأكيد سيصبح طريقة دقيقة جدًا في مراقبة النجوم في المستقبل.
في بحث سابق عن النجوم التي تحوي المادة المظلمة، افترض العلماء أن تلك النجوم سوف تستمر في التضخم حتى تصل إلى كثافة ينهار عندها النجم ويتحول إلى ثقب أسود، ولكن في الدراسة الحديثة أظهرت عمليات المحاكاة التي قام بها العلماء أن هذه النجوم مستقرة ولا تتحول إلى ثقوب سوداء، ذلك الاستقرار يأتي من آلية داخلية يتّبعها النجم لتنظيم نفسه، تُعرف هذه الآلية باسم "التبريد الثقالي " gravitational cooling " يقوم فيها النجم بالتخلص من المادة باستمرار ليحد ويوقف من نموه قبل أن يصل إلى حد "تشاندراسكر" * الحرج، وهي النقطة التي ينهار عندها النجم متحولاً الى ثقبٍ أسّود. وقد صرح العلماء بأن اكتشاف كون النجوم التي تحوي المادة المظلمة هي في الواقع مستقرة؛ أدى إلى دعم البحث في هذا المجال بشكل كبير.
يقول العالم بريتو "على الرغم من أننا نعرف أن المادة المظلمة يمكنها أن تلتحم داخل النجوم وتشكل نوى من المادة المظلمة في مراكزها، إلّا أن تلك الدراسات كانت ظاهرية، بالإضافة إلى ذلك اقترحت كل تلك الدراسات أنه إذا تراكمت كمية كافية من المادة المظلمة في النجم سيؤدي ذلك في النهاية الى انهيار ثقالي وسيتشكل ثقب أسّود، وسَيلتهم في النهاية جميع النجوم .
قرّرنا أن نتأكد من صحة هذه المعتقدات باستعمال إطار نسبوي كامل دقيق، كحل معادلات آينشتاين بالكامل مثلاً، وذلك لنكون قادرين على فهم كيفية تصرّف نوى المادة المظلمة في حالة الكثافات العالية. أظهرت نتائجنا أنه يمكن من حيث المبدأ تجنّب تشكّل الثقوب السوداء وذلك عن طريق طرد المواد بشكل كبير : نوى المادة المظلمة تبدأ بطرد المواد عندما تصبح كبيرة جدا ومضغوظة، ولايمكنها عندها متابعة نموها أبعد من نقطة معينة، وهذا حسب ما نعلم شيءٌ قد تم تجاهله في الدراسات السابقة.
النتائج السابقة كانت عامّة، لأننا نعلم أن أي حقل بوزوني هائل ذو جاذبية داخلية يمكن أن يشكّل بنى مضغوطة، وبالتالي فإن مثل هذه المكونات المفترضة للمادة المظلمة سوف يؤدي إلى الآثار التي ناقشناها في ورقتنا البحثية.
وبذلك تم اقتراح طريقة اخرى للبحث عن مثل هذه الأنواع من الجسيمات والتي يمكن أن تكون مكمّلة للملاحظات القادمة مثلاً من علم الكونيات. بالنظر إلى نقص المعلومات التي نملكها حول ماهية المادة المظلمة، يجب علينا بذل المزيد من الجهد من أجل زيادة معرفتنا في هذا المجال. يأمل العلماء أن تساعد هذه النتائج في توجيه البحوث المستقبلية عن طريق اقتراح المكان الذي يجب البحث فيه عن المادة المظلمة و الطرق التي يجب استخدامها للكشف عنها .
يقول بريتو " نحن لا نعلم الكثير عن المادة المظلمة، الأمر الوحيد الذي نعرفه أن كل أنواع المادة، سواءً كانت مادة عادية أم مظلمة غير مرئية ، تتأثر بحقول الجاذبية بالطريقة نفسها، هذا ما جاء به آينشتاين في مبدأ التكافؤ، لذا يبدو من المنطقي أن نبحث عن آثار المادة المظلمة في المناطق التي تكون فيها الجاذبية عالية، كالنجوم النيوترونية و الثقوب السوداء وغيرها . نحاول الآن فهم كيفية تصرف المادة المظلمة في مناطق الجاذبية العالية .
كما يتم العمل مؤخرا على ورقة بحثية مطولة، لفهم كيفية نمو نوى المادة المظلمة ، وما الدور الذي تلعبه لزوجة المواد المكونة للنجوم في عملية نمو النواة وتكاثر المادة المظلمة."
• الأكسيونات Axoins
هي جسيمات افتراضية، ذات وزن خفيف جداً، يُعتقد بأنها مرشح أساسي لتكوِّن المادة المظلمة، يمكنك معرفة المزيد عنها وعن الجسيمات المرشحة الأخرى ومحاولات البحث عن المادة المظلمة من خلال المقالات:
• حد شاندراسكر Chandrasekhar limit
هو حد لكتلة النجم، إذا تعدت كتلة النجم هذا الحد فإن النجم سوف ينفجر و قد يتحول إلى ثقب أسود عندها، يمكنك معرفة المزيد عن هذا الحد وعن علاقته بحياة النجوم عبر المقال:
المصدر: هنا