البيولوجيا والتطوّر > التطور
إعادة بناء الشجرة التطوريّة الخاصّة بالطيور
يعيش في عالمنا اليوم أكثر من 10000 نوع من الطيور، بدءاً من طائر الجنة الملوّن في غينيا الجديدة وصولاً إلى الأطيش أزرق القدمين على السواحل الغربية للأمريكيتين. توصّل العلماء أخيراً إلى إعادة تمثيل الشجرة التطوّرية الخاصّة بجميع أنواع الطيور الموجودة حالياً في العالم، هذه الشجرة التطوّرية تعدّ الأكثر شمولاً من نوعها حتى اليوم مع إظهارها نتائج وعلاقات مدهشة غير متوقّعة.
أعاد العلماء تمثيل الشجرة التطوّرية الخاصّة بجميع أنواع الطيور في العالم الموجودة حالياً، ومن الممكن اعتبار هذه الشجرة التطوّرية الحديثة الأكثر شمولاً من نوعها حتى اليوم كاشفةً لبعض العلاقات التطورية المدهشة إضافةً إلى تضمّنها لبعض السمات المميزة للطيور مثل كيفية تطور تغريدات الطيور. وذلك عائدٌ إلى الكمّ الكبير من البيانات الوراثية والطرائق العلمية التي تم استخدامها. في حين أن العديد من الدراسات السابقة قد حاولت إعادة تمثيل العلاقات بين أنواع الطيور المختلفة باستخدام كم قليل من الجينات ما أدى إلى الحصول على نتائج مختلفة بحيث يصعب علينا اعتماد أحدها.
أمضى أكثر من 200 عالم في 80 معهد للأبحاث ما يزيد عن أربعة أعوام في دراسة تسلسل الجينومات الخاصة بأنواع الطيور وتحليلها باستخدام حواسيب فائقة وذلك ضمن الجهود الكبيرة المبذولة لإعادة بناء شجرة تطور الطيور. وبالرغم من امتلاك الطيور لجينوم أصغر من معظم الفقاريّات الأخرى، إلا أن بناء بعضٍ من أجزاء الشجرة التطورية كان أمراً صعباً، حيث وجد الباحثون أنّ النظر إلى أجزاء الجينوم الفعّالة والمسؤولة عن تركيب البروتينات لم يكن كافياً، وإنمّا توجّب عليهم أن يأخذوا بعين الاعتبار الأجزاء غير الفعّالة (المناطق التي لا تُساهم في تركيب البروتينات).
قام العلماء في مشروعهم الجديد بتحليل الجينومات الخاصة بـ48 نوع تمثّل جميع الفروع الرئيسية من الطيور. (متضمنةً 45 نوعاً لم يتم تتبع تسلسلها من قبل). القسم الأعظم من هذه التحليلات التي قام بها الباحثون تعود إلى مجموعة تدعى الطيور الجديدة "Neoaves" والتي تشمل أغلب الطيور الحديثة كالغراب والببغاء والكركي و أبومنجل و نقار الخشب والصقور والنسور، إضافة لبعض الأنواع العائدة لمجموعات أخرى كالبط والدجاج والنعام.
تُظهر نتائج هذا البحث أن الطيور قد خضعت لـ"انفجار كبير" في تنوعها منذ 67 إلى 50 مليون سنة مضت أي بعد انقراض الديناصورات الأرضية حيث ظهر العديد من الأنواعٍ الجديدة خلال بضعة ملايين من السنين، وهذه النتيجة تخالف الأبحاث السابقة والتي كانت قد اقترحت أن هذا التشعب لأنواع الطيور حدث بشكل تدريجي مُستغرقاً زمناً أطول من ذلك.
من الاكتشافات الهامة التي جاء بها هذا البحث هي أن السلف المشترك للطيور البرية الرئيسة، والتي تضمّ اليوم الطيور المغرّدة وأنواع الببغاء والنسور والغرابيات ونقّار الخشب، كان حيواناً مفترساً يتربّع على قمة السلسة الغذائية الخاصة به. ومن النتائج الأكثر إثارة للدهشة هي أن طيور النحّام (الفلامينغو) على صلةٍ وثيقة بطيور الحمام أكثر من الطيور التي تبدو مشابهةً لها، كالبجع مثلاً.
الإكتشاف الهام الآخر يتمثّل في القدرة على تعلّم الأصوات والتي تمثّل سمة أساسية من سمات قدرة البشر على التكلم، حيث وُجد أن المسارات الدماغية الخاصة بتعلم الأصوات عند الطيور التي تملك هذه القدرة تشبه تلك الموجودة عند البشر. كما لاحظ الباحثون تماثل في تعبير الجينات المتخصصة بهذا الأمر في مناطق الدماغ المسؤولة عن تعلم التغريد عندها والكلام عند البشر.
العديد من النتائج الأخرى المعتمدة على البحث الجديد تطرح أفكاراً لكيفية تطوّر الصبغيّات الجنسية عند الطيور، كيفية فقدان الطيور لأسنانها، كيفية تنظيم الطيور المغرّدة للمورثات في أدمغتها، بالإضافة إلى تفاصيل متعلّقة بالسّلف المشترك للطيور والتماسيح.
المصادر: