البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

متى بدأت الحياة على سطح الأرض؟

يبلغ عمر كوكبنا حوالي 4.5 مليار سنة، أما عمر الحياة فيصعب علينا إلى الآن الإجابة عنه بثقةٍ كبيرة، ولذلك يبحث العلماء عن إجابة هذا السؤال بالحفر عميقاً عبر السجلّ الجيولوجي للأرض، وكلما بحثوا بشكلٍ أعمق، تبين لهم أن الحياة الطبيعية قد ظهرت على الأرض في وقتٍ مبكرٍ أكثر مما كانوا يعتقدون.

حتى يومنا هذا، كشف الجيولوجيون النقابَ عن آثارٍ للحياة تعود إلى 3.8 مليار سنة. ولكن اليوم، تقدّم دراسةٌ جديدةٌ مثيرةٌ للجدل دليلاً محتملاً يقضي بنشوء الحياة قبل 300 مليون سنة من ذلك (أي قبل 4.1 مليار سنة)، خلال تلك الفترة الغامضة التي تَلَت تكوّن الأرض.

وجِدت هذه الأدلّة في بقعة مجهريّة من الغرافيت، وهو مادة معدنيّة كربونية، تكمن في بِلّورةٍ كبيرة من الزركون. تتكوّن قطع الزركون في الحمم البركانية المنصهرة، وغالباً ما تحتوي موّاد معدنية أخرى داخل هياكلها البلّورية المكوّنة من السيليكون، الأوكسجين والزركونيوم.

على الرّغم من أن قطر بلورة الزركون لا يتجاوز عرض شعرة، إلا أنها تعدّ "أبديةً" تقريباً؛ فهي -أي بلورة الزركون-يمكن أن تفوق الصخور التي كوّنتها في قدرتها على الاستمرار، وتصمد في وجه دوراتٍ متتالية من الحتّ والترسيب.

تعود أقدم الصخور على وجه الأرض في تاريخها إلى 4 مليارات سنة خلت، ولكن عثر الباحثون على بلورات زركون تبلغ من العمر 4.4 مليار سنة. هذه البلوّرات تقدم لنا نظرةّ خاطفة على الفصل الأول من تاريخ الأرض، والذي يُعرف باسم Hadean eon. وهي تُعدّ بذلك الشواهد المادية الوحيدة لما كان يجري على سطح الأرض قبل 4 مليارات سنة.

اعتمدت الدراسة الجديدة، التي قامت بإجرائها عالمة الكيمياء الجيولوجية إليزابيث بيل Elizabeth Bell مع فريقها في جامعة كاليفورنيا، على اختبار بلورات الزركون من موقع Jack Hills في غرب أستراليا، والبحث عمّا تحتويه من المعادن الكربونية كالألماس والغرافيت. إن وجود هذه المعادن لا يمثّل إثباتاً بأن الحياة تواجدت عند تكوّن بلورات الزركون، ولكنّه يعطينا فرصةً للبحث عن إشارات كيميائية للحياة. فقد وجد الفريق كمية صغيرة مما يُحتمل أن يكون غرافيتاً نقيّاً في إحدى البلورات التي تبلغ من العمر 4.1 مليار سنة (حيث يتميز هذا الغرافيت بأن نسبة الكربون الثقيل إلى الخفيف* فيه منخفضة وهذا قد يشير إلى أنه من مصدر حي).

لكن ولتحري الدقة، أدرج الباحثون عدداً من العمليات غير الحيوية والتي يُمكن أن تفسّر نتائجهم، لكنهم أظهروا تأييداً للفكرة التي تقول أن الغرافيت بدأ كمادة عضوية في الرواسب التي انجرفت إلى داخل طبقة وِشاح الأرض أثناء تصادم الصفائح التكتونية. وعند انصهار الرواسب وتشكيلها للحمم البركانية، تكفّل الضغط ودرجات الحرارة المرتفعة بتحويل الكربون إلى غرافيت، والذي وجد طريقه في نهاية المطاف إلى داخل بلورات الزركون.

في حال كانت هذه القصة صحيحة، وأنّ الحياة قد وُجدت قبل 4.1 مليار سنة، فإن هذه النتائج سوف تعزز دليلاً متنامياً على كون الأرض المبكرة مِضيافةً أكثر مما كان العلماء يتصوّرون فيما مضى (أي أن البيئة في الأرض كانت أقل "عدائية").

وتقول العالمة "بيل":

"إنّ النظرة التقليدية للأرض خلال بضع مئات الملايين من السنين الأولى من عمرها تقضي بأنها كانت عقيمةً ومن دون حياة، مجرّد كوكبٍ ساخن يتعرّض باستمرار لوابلٍ من النيازك. لكن بفضل وفرة المعلومات التي أوحت بها بلورات الزركون المستخرجة من موقع Jack Hills خلال السنوات الأخيرة، أصبح العلماء ينظرون إلى الأرض المبكرة باعتبارها أكثر اعتدالاً وعرضةً للحياة".

يقول مارك فان زويلين Mark van Zuolen، أخصّائي علم الحياة الجيولوجية في معهد فيزياء الأرض في باريس: "نعلم أن الماء السائل كان متواجداً في ذلك الوقت، ولا يوجد شيءٌ يمنعنا من افتراض وجود الحياة هناك". ولكّن، يقول فان زويلين وباحثون آخرون أنهم غير واثقين من أن الدراسة الجديدة تقدّم دليلاً حاسماً على ذلك.

يتّفق معظم العلماء، ومن ضمنهم مؤلفو الدراسة، على أن البيانات لا تستبعد احتمال وجود تفسيراتٍ غير حيوية إذ يمكن للعديد من العمليات غير الحيوية أن تُنتج الكربون. على سبيل المثال، يُمكن أن يحتوي الغرافيت على ذرّات كربون آتية من أنواعٍ معينة من النيازك، والتي تحتوي مركبات من النظائر المشعة (ونسبة كربون ثقيل إلى خفيف لا يمكن تمييزها عن تلك التي تنتجها الكائنات الحية).

وبالإمكان تفسير ذلك بعملياتٍ كيميائية أخرى، كالتفاعلات التي تُدعى فيشر-تروبش Fischer-Tropsch. ففي هذا النمط من التفاعلات، يتفاعل الكربون، والأوكسجين والهيدروجين بوجود مُحفّزاتٍ مثل الحديد، لتشكيل الميتان وغيره من الهيدروكربونات. يقول الباحثون أن تفاعلاتٍ مثل هذه قد تكون حصلت بالقرب من الفوهات المائية الحرارية خلال العصر Hadean eon (وطالما أن هذه العلميات غير حيوية فهذا سيبعد افتراض وجود الحياة آنذاك).

إحدى الطرق للتعامل مع المسألة التي لا تعتمد على النظائر تكمن في دراسة كوكب المريخ، والذي لا يزال يحتفظ بصخورٍ يتجاوز عمرها 4 مليارات سنة، بخلاف الأرض. فإذا تمكّن العلماء من العثور على دليلٍ لوجود الحياة على المريخ في ذلك الوقت، سيصبح النقاش في مسألة وجودها على الأرض أيضاً أكثر سهولة.

لكن فيما يتعلق بالوقت الحالي، يتوجّب على العلماء أن يتعاملوا مع بلورات الزركون التي تمثّل المواد الوحيدة التي تحتفظ بسجلٍ للعصر المذكور. تعترف بيل بالحاجة إلى اختبار الفرضية التي جاء بها فريقها على مزيدٍ من العيّنات، وتقول أن على الباحثين بذل جهودٍ مشتركة للعثور على مزيدٍ من ذرات الكربون في زركونات موقع Jack Hills ومعرفة إن كانت تملك نشأةً حيوية محتملة.

لكن وعلى الرغم من ذلك فإن صعوبة العثور على إجاباتٍ تخص تاريخ ظهور الحياة وكيفيتها لا يضاهيها إلا التشويق والمتعة التي تصاحب البحث عن هذه الأجوبة.

الحاشية:

*تتألف ذرات المواد من نوى (جمع نواة) وإلكترونات تدور حولها؛ النواة تتألف من بروتونات ونترونات، وانطلاقاً من هنا فإن العناصر التي تملك نفس عدد البروتونات وعدد مختلف من النترونات تُسمى نظائر وتلك التي تحوي عدد نترونات أكبر تُسمى ثقيلة، وفي مثالنا هنا الكربون الثقيل والكربون الخفيف (الثقيل والخفيف متساويان في عدد البروتونات وعدد نترونات الثقيل أكبر).

المصادر:

هنا

البحث الأصلي: هنا

مصدر الحاشية: Encarta Encyclopaedia 2009