الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
كم شجرةً تملكُ الأرض؟
وجدت دراسة جديدة أجرتها جامعة يال الأمريكية ونشرت نتائجها في مجلة Nature، وأنجزها باحثون من 15 دولة، أن عدد الأشجار على كوكبنا يصل لأكثر من 3 تريليون شجرة بما يقارب 422 شجرة لكل شخص. ورغم الاعتقاد السائد بأن عدد الأشجار على الأرض قد انخفض منذ بدء الحضارة الإنسانية بنحو 46 %، إلا أن عدد الأشجار الذي توصل إليه الباحثون يزيد عن التقديرات السابقة بنحو سبعة أضعاف ونصف.
تمكن الباحثون لأول مرة من الوصول لأفضل تقدير حول عدد الأشجار في الكوكب، وبدقة مكانية من رتبة الكيلومتر المربع، وذلك باستخدام مجموعة من صور الأقمار الصناعية وبيانات المسح للغابات وتقنيات الحوسبة الفائقة "Supercomputer Technology"، حيث تؤمن هذه التقديرات نظرة أعمق إلى صنف من الأحياء يسهم إلى درجة كبيرة في تحديد معظم الكتلة الحيوية على الأرض، كما أنها تساعد في نمذجة العديد من الأنظمة ذات المقياس الكبير كدورات الكربون ونظم التغير المناخي وتوزع الأنواع النباتية والحيوانية.
وقد أكد المؤلف الرئيسي للدراسة توماس كراوثر أن العلماء لم يبدؤوا إلا مؤخراً فقط باستيعاب امتداد الأشجار وتوزعها على الأرض رغم أنها من أكثر الأحياء بروزاً وأهميةً، فهي تختزن كميات هائلة من الكربون وهي أساسيّة في دورة حياة المغذيات ونوعية المياه والهواء والعديد من الخدمات التي تقدمها للبشرية جمعاء.
كيف ظهرت الفكرة الأولية لإجراء الدراسة؟
بدأ الإلهام للقيام بهذا البحث من طلب تقدمت به منذ عامين مبادرة شبابية عالمية تدعى global Youth Initiative تقود حملة البرنامج البيئي للأمم المتحدة "حملة المليار شجرة"، وتضمن الطلب الموجّه إلى العالم كراوثر تقدير عدد الأشجار على المستويين المحلي والعالمي بحيث يمكن قياس الأثر الذي ستسهم به الحملة وتحديد الهدف للمبادرات المقبلة المرتبطة بزراعة الأشجار.
في ذلك الوقت كان التقدير الوحيد المتوفر هو 400 مليار شجرة بما يعادل 61 شجرة لكل شخص على الأرض. وقد تم وضع هذا التقدير بناء على صور للأقمار الصناعية وتقديرات لمساحات الغابات، لكن دون أخذ أي معلومات تم جمعها على الأرض بالحسبان.
أما الدراسة الحديثة التي بين أيدينا فقد دمجت في منهجيتها مجموعة من الأساليب لتكتشف وجود نحو 3.04 تريليون شجرة على الأرض بما يعادل 422 شجرة للشخص الواحد.
إجراء البحث:
قام الباحثون بجمع البيانات عن كثافة توزع الأشجار لأكثر من 400 ألف موقع من مواقع الغابات حول العالم متضمنة معلومات مأخوذة من عدد من الغابات الوطنية وعدداً من الأبحاث المحكمة والمنشورة مسبقاً والتي شملت أعداد الأشجار التي تم التحقق منها على أرض الواقع.
تمكن العلماء باستخدام صور الأقمار الصناعية من تقييم العلاقة بين عدد الأشجار في كل من هذه المواقع وبين الخصائص المحلية كالمناخ وطبيعة سطح الأرض ونوع الغطاء النباتي وظروف التربة والأثر البشري. وبالاعتماد على تنوع للبيانات المتوفرة تمكن الباحثون من بناء نماذج تنبؤية لتقدير عدد الأشجار في كل موقع حول الأرض.
وتمتلك الخريطة الناتجة القدرة على إعطاء الباحثين معلومات حول بنية النظام البيئي في الغابة في مناطق مختلفة ويمكن استخدامها لتحسين التوقعات المتعلقة بتخزين الكربون والتنوع الحيوي حول العالم.
بعض النتائج:
وجدت الكثافة العليا للأشجار في الغابات الشمالية في الأجزاء شبه القطبية من روسيا واسكندينافيا وشمال أمريكا. أما الغابات الأكبر من حيث المساحة "حتى الآن" تقع في المناطق الاستوائية وهي موطن نحو 43% من أشجار العالم، مقابل 24% فقط في المناطق الشمالية الكثيفة و22% فقط في المناطق المعتدلة.
وتظهر الدراسة تغير الكثافة الشجرية مع أنواع الغابات، ويعد المناخ عاملاً أساسياً في تحديد هذه الكثافة في معظم النطاقات الحيوية. فالمناطق الأكثر رطوبة تنمو فيها أعداد أكبر من الأشجار، رغم أن للإنسان دور في انعكاس التأثير الإيجابي للرطوبة العالية على كثافة الأشجار لكونه يفضل القيام بنشاطه الزراعي في المناطق الرطبة الأكثر قدرة على الإنتاج.
ويؤكد الخبير العالمي في علوم الغابات ماثيو هانسن من جامعة ماريلاند على تميّز بيانات الدراسة الحالية عن البيانات البيئية العالمية السابقة التي تفتقر للدقة المكانية العالية، لذلك فإن هذه الدراسة تضع الباحثين على الطريق الصحيح والضروري للتحديد المباشر لقيم الكثافة الشجرية التي تمثل معلومات قيمة يمكن استخدامها بشكل مباشر في العديد من الأبحاث العلمية.
أما كراوثر فيرى أن النشاطات الإنسانية هي المؤثر الأكبر على أعداد الأشجار حول العالم، فالتأثير السلبي للإنسان على النظم الطبيعية في المناطق الصغيرة شديد الوضوح، وتؤمن الدراسة مؤشراً جديداً على مدى التأثير البشري من خلال تسليط الضوء على آثار القرارات التاريخية لاستعمالات الأراضي على تشكيل النظم البيئية حول العالم. وبالمختصر فإن كثافة الأشجار تناقصت مع ازدياد أعداد السكان. وتعتبر عمليات إزالة الغابات، وإدارتها، وتغير استعمالات الأراضي الأسباب الرئيسية المسؤولة عن الخسارة الهائلة ل 15 مليار شجرة سنوياً.
وفي الختام، نكاد نكون قد خفضنا عدد الأشجار على الكوكب إلى النصف تقريباً ولاتزال نتائج ذلك على المناخ وصحة البشرية ماثلة أمامنا، ويمكن من خلال هذه الدراسة أن نفهم حجم العمل اللازم إذا ما أردنا إعادة الغابات إلى وضعها الصحي حول العالم، فهل نرتقي بعملنا لمواجهة هذا التحدي؟
المصادر:
Crowther T. W., Glick H. B., Covey K. R., Bettigole C., Maynard D. S., Thomas S. M., Smith J. R., Hintler G., Duguid M. C., Amatulli G., Tuanmu M. N., Jetz W., Salas C., Stam C., Piotto D., Tavani R., Green S., Bruce G., Williams S. J., Wiser S. K., Huber M. O., Hengeveld G. M., Nabuurs G. J., Tikhonova E., Borchardt P., Li C. F., Powrie L. W., Fischer M., Hemp A., Homeier J., Cho P., Vibrans A. C., Umunay P. M., Piao S. L., Rowe C. W., Ashton M. S., Crane P. R. and Bradford M. A. (2015). Mapping tree density at a global scale. Nature, 525(7568): 201-205. هنا