العمارة والتشييد > التصميم المعماري
ماذا يمكن للـ Video clip أن يُخبرنا عن العمارة؟
عندما يأتي الأمر الى التقاء العمارة بالموسيقا ربما أول ما يتبادر الى الذهن هو قول غوتيه Goethe أن "الموسيقا هي فن معماري سائل". حيث كان يكتب غوتيه Goethe قبل ظهور قناة MTV: أن الفيديوهات الموسيقية أصبحت أفلاماً مصغرة، تحاول التقاط جميع النغمات والكلمات التي تحتويهم الأغنية، فهمها ومن ثم ترجمتها إلى مادة بصرية. إن الطريقة التي تَستخدمُ فيها الفيديوهات الموسيقية العمارة لا تشبه استخدام الأفلام الوثائقية لها أو مواقع التصوير، فالكاميرا تعتمد مبدأ قص اللقطات المختلفة وتحريكها بحيث تلبي متطلبات الوضوح الموسيقي المطلوب عند سماع الأغنية وبنفس الوقت العناصر الشادة للانتباه أثناء مشاهدة المشاهدين للمنتج المصوّر. ومن هنا نرى تنحي الأبطال والعناصر المهمة جانباً بعيدين عن المركز، وذلك لمساعدة الكاميرات على احتواء صوت الأغاني في الموقع، عن طريق تصميم المساحات الوسطى بطرق معينة مساعدة على أسر الصوت.
هكذا نرى، أن الأغاني المصورة والموسيقا تتصل بالعمارة وتعتمد عليها في تصميم الفراغات الملائمة لالتقاط النغمات الصادرة بشكل يعجز عنه تصوير الأفلام. بالنسبة للمعماري الأغاني المصورة (الفيديو كليب) عبارة عن منجم مفتوح، حيث أن كلَ اختيارٍ لموقعِ تصوير يظهر لنا وجهاً آخر على اتصال ثقافتنا وحياتنا الاجتماعية بمباني وفراغات معمارية.
وهنا بعض الأغاني المصورة التي فيها معلومات مثيرة عن العمارة المميزة الكامنة في صورها الرقمية.
Chemical Brothers – Go
يمكن متابعته:
إن الفيديو بتصويره مجموعة من النساء يرتدون ثياب جلدية أحادية اللون، ينقل لنا بصورة واضحة عمارة الحداثة. تم تصويره في مدينة باريس Front-de-Siene فعكست الرقصات والأزياء المعروضة فيه خصائص وسمات العمارة البنائية -التي هي عبارة عن حركة معمارية معاصرة تنتمي إلى عمارة الحداثة، ظهرت إبان الحرب العالمية الأولى في موسكو- كما تم استخدام الحركة الجسدية للإشارة عن عهد الآلات والعصر الصناعي. استُخدِمَ أثناء التصوير عدة زوايا وانعكاسات بشكل يتركز فيه الاهتمام الأعظم على الشكل والحركة من جهة، وعلى الأبراج الحديثة التي جعلوها العنصر الأساسي للستارة الخلفية في الفيديو من جهة أخرى.
إن إضافة العناصر المستقبلية والإشارات المستوحاة من العمارة البنائية ساعدت ابعاد الفيديو عن أن يكون مثلاً آخر عن سلبيات عمارة الحداثة المنفرة. الزوايا التي اعتمدت للتصوير واللقطات التفصيلية كانت عبارة عن محاولات لخلق احساس بالمكان أكثر من أن تكون محاولة لرصد عمارة المكان بحد ذاتها، كالرقصات التي صوّرت الآلة بطريقة رمزية عوضاً عن الاستعمال الصريح لها. فأظهر الفيديو هذا النوع من العمارة وفق شروطه الخاصة ورؤيته الذاتية.
Omi Palome – Architecture
يمكن متابعته:
تمثل اللقطات الثابتة بلونها الأبيض والأسود لمنشآت العمارة الوحشية في لندن الفكرة الأساسية البسيطة للفيديو. فيكون الفيديو بهذا الحالة خير دليل وممثل على الأغنية باسمها المميز "عمارة". يصور الفيديو هذه الأبنية باعتبارها عمارة "نقية" مهملاً كونها أبنية سكنية أو ذو استعمالات أخرى مختلفة. لذا نرى لقطات بعيدة المدى، مصممة بشكل فني يشابه مبادئ فن التصوير مصوراً بذلك الزوايا والتفاصيل في محاولة للارتقاء بهذه المباني العادية إلى عمارة رائدة.
لكن يبقى السؤال: ما السبب وراء اختيار العمارة الوحشية كطراز معماري رئيسي في الفيديو؟ يؤكد الفيديو أن الفلسفة التي اتبعتها الفرقة لتنتشر بها بين الناس كان هدفها أن تكون قوية معبرة بشكل صارخ عن هويتهم الفنية المميزة، بشكل يشابه تميز الطراز الوحشي بين الطرز المعمارية المختلفة، لذلك وقع الاختيار عليه.
Art Department – Walls
يمكن متابعته:
تم تصوير كليب هذه الأغنية التكنو على شكل فيلم كرتون على شاطئ ميامي، ويجعله يبدو كمدينة بابل التاريخية بزيقوراتها لكن بصورة معمارية مستقبلية مشكلاً ما يمكن وصفها بعمارة مستقبلية-رجعية. تجتمع هذه العناصر اليائسة المختلفة جيّداً مع بعضها البعض على نحو مفاجئ، لتخلق بذلك صورة بصرية رقمية مفاجأة للمدينة الفاضلة. استخدمت في رسم تفاصيلها مزيج من المساحات الترفيهية المِتخيلة من حدائق بابل من جهة وبين التطلعات العامة من حداثة الخمسينات مستوحاة من أمثلة معمارية متعددة مثل بيوت المعماريين والمصممين المشهورين كـ Richard Neutra.
يوّحد المزيج اللوني بين الزهري والتركواز كل العناصر المعمارية والبصرية المتعددة بشكل جميل، بالإضافة إلى مساعدته المشاهدين على اكتشاف النواحي الأخرى المميزة لحداثة منتصف القرن الماضي.
Unit 4 + 2 – Concrete and Clay
يمكن متابعته:
في بداية القرن الواحد والعشرين، تم إظهار العمارة الوحشية في الفيديوهات الموسيقية بما يتناسب مع 40 عاماُ من الدراسة والتحليل المتواصل لها وبشكل يعكس مختلف النتائج الصادرة عن النقاشات المعمارية الواسعة على هذا الطراز. لكن بالعودة إلى عام 1965، نجد الفيديو القصير من فرقة Unit 4 + 2 المصور في موقع بناء أحد أهم معالم مدينة لندن المعروف بـ باربيكان. تتخذ الفرقة مكانها في الموقع الذي كان يعد بمستقبل عصري حديث تزداد أهميته بمرور الوقت، مغنيةً رسالتها في المحبة الأبدية جنباً إلى جنب مع طبقات متفاوتة الارتفاعات والاحجام من الخرسانة. بالتأكيد يبدو هذا التناقض غريباً حيث أن هذه الأغنية التي كلها تفاؤلٌ وابتهاج، تؤكد أسرار الحب الأبدي في بيئة وحشية حافلة بالصعوبات محدثةً بذلك ما قد يعتبر درساً اجتماعياً فكرياً مهماً قد يشكل نقطة مهمة في مسار وفلسفة عمارة الحداثة، حيث يلاقي الفيديو برسالة الحب والتفاؤل الوحشية الجلفة ناشراً أملاً بمستقبل مشرقٍ للمدينة. هذه الرؤية جعلته راسخاً في ذاكرة المشاهدين منذ خمسة عقود حتى الوقت الحالي.
Leonard Cohen – In My Secret Life
يمكن متابعته:
تم اختيار موقع التصوير في مشروع Habitat 67 المشهور للمعماري Moche Safdi المتميز بكتلته التراكبية وترامي أطرافه إلى جانب أخذ لقطات لأشخاص ذوي رؤوس غريبة الشكل معبراً بذلك بشكل رمزي على نماذج مختلفة من الحياة الأسرية ودرجاتها المتفاوتة من النجاح. حيث جعل الروتينية المألوفة في الحياة اليومية تبدو معقدة ومربكة إلى حد يثير السخط. كما يمتد العمل إلى السخرية من النزعة التجارية، التي حرص Safdie بشدة على إظهارها في مبانيه وتصاميمه المعمارية. يجول كوهن المغني في الموقع كأنه متفرج خارجي، ضمن لقطات تأسر أكثر الزوايا المهيبة في إنشاء صفدي المذهل. يناقش الفيديو قضية انتشار الفكر الجماعي الموجه عن طريق تشبيهيه بتكرر بتصميم مبنى Habitat 67 وتكرير وحداته المتشابهة، وذلك بتصوير بعض المشاهد السريالية على أسطح المبنى. يتميز هذا الفيديو الكليب باستخدامه العمارة الوحشية بطريقة ودية تطفي لمسات حميمة من خلال تصوير فراغاته التي تبدو قاسية بشكل مأهول سكنياً مما يضفي عليها لمسة إنسانية.
Ryan Adams – New York، New York
يمكن متابعته:
تم تصوير هذا العمل الذي يحتفي بمدينة نيويورك ويصّور أشهر معالمها وطريقة الحياة فيها، قبل يومين فقط من أحداث 9/11 عام 2001. فظهر برجا التجارة العالميَين بكثرة في الفيديو كعنصر أساسي في أفق المدينة مشكلاً خلفية المشهد الذي فيه المغني آدامز مغنياً. بدلاً من سحب الفيديو أو إعادة تصويره بعد وقوع الحدث الفادح، قررت الشركة المنتجة إصدار الفيديو مع رسالة بسيطة في بدايته تقول "تم تصوير الفيديو يوم الجمعة في السابع من أيلول عام 2001.
بغير قصد، غيرت هذه الرسالة تماماً كيفية ارتباط الفيديو بعمارة المدينة وفراغاتها العمرانية. حيث أن ما كان خلفية عابرة لا يقصد فيها إيصال أي فكرة أو فلسفة معينة، أصبحت فجأة سبباً لبثّ مشاعر الحنين عند المشاهدين.
Cold Mailman – Time is of Essence
يمكن متابعته:
يستخدم الفيديو العمارة في طريقة مبتكرة كخلفية لعرض ضوئي ضخم محولاً بذلك مدينة أوسلو إلى ما يشابه اللوحة الزيتية ببهجة ألوانها وقوة تعبيرها. حيث حوّل الفيديو الموسيقا إلى لوحة بصرية تمتد في كافة أرجاء المدينة عن طريق إضاءة وإطفاء الإضاءة وفق تراتبيات إيقاعية في مباني فردية. وهكذا أدى استعمال الإضاءة المنزلية في كل شقة إلى جعل البيئة المعمارية جزءاً أساسياُ من الصورة البصرية عوضاً عن استعماله كعنصر خلفي في اللقطات المصورة مما يؤكد في النهاية على وحدة المدينة ككل مع بعضها البعض.
الأضواء ملونة ولعوبة، ومتصلة بشكل طبيعي مع باقي المساحات الطبيعية المحيطة في أوسلو. الجمود القاسي هو أغلب ما ينتهي به المطاف في الفيديوهات التي تحاول أن تبث الحياة في صورها والقصص بدون أن تتكلل بالنجاح، لكن هذا الفيديو يجعل الأبنية محبوبة ومسكونة ولعوبة بطريقة مثيرة للاهتمام.
أعتقد أنك عندما ستشاهد فيديو موسيقي المرة القادمة سيكون تركيزك أكبر على الخلفية المعمارية ورسالتها في الفيديو بشكل يثير في نفسك تساؤلات واستنتاجات يمكن أن تأخذك إلى بعد آخر لم تكن تلاحظه سابقاً.
المصدر: