كتاب > روايات ومقالات
أول الجسد آخر البحر... لوحةٌ للحياة.
"أولُ الجَسَد آخِرُ البحر "... مجموعةٌ شعريَّةٌ للشَّاعر "علي أَحمد سعيد إسبر" المعروف ب "أدونيس".
ولعلَّ الكثيرينَ يتمنونَ لو كانَ هذا الدِّيوان تحت عُنوان "أولُ الحياة آخر الحياة"، ولَرُبَما هو الحياةُ بكاملها مُختصرةٌ في كلمات. ديوانٌ قد يجدُ فيهِ خالي القلب قلبه الضّائع، ربما يجدُ الحُبَّ المتخفي عن ناظريه والذي لطالما اتَهمَهُ بأنَّهُ محضُل جُنون، وقد يسمو العاشِقُ بِعشقِهِ إِلى أعلى درجاتِ النشوةِ فيفيضُ بِحُبِهِ نهراً وردياً.
من السُّطور الأولى للديوان يجد القارئُ نفسهُ على موعد مع الفكرة التي ينسبُ إليها البعض غاية الوجود ألا وهي "الحُب"، كلمة سهلةُ اللفظ عظيمةُ الوقعِ على حياتنا.
لم يكتفِ أدونيس في مجموعتهِ هذهِ بتقديمِ تعريفٍ مبسطٍ للحب، بل قام بتصويره بأسمى حالاتهِ. فهو الشُّعورُ الذي يتخللُهُ تناقضُ المواقِفِ وأساطيرُ القدامى، وهو الذي تتشابكُ بأصابعهِ المدارسُ الفلسفيةُ على مرِ الزَّمن وهو ذلك البركانُ الذي يفيضُ تنوعاً وغموضاً يُترجَمُ شِعراً.
يُنَوِعُ أَدونيس مواضيعَ قصائده، فهوَ دائمُ التَّنقُلِ في أفكارهِ وهذا ما كان واضحاً في ديوانهِ هذا الذي قسمهُ لعدةِ أقسامٍ أطلقَ عليها أسماء: "موسيقى"، "مَوج" لينتهي بالقسم الأخير وهو "طلسَم" الذي يعني "خُطوطاً وكتاباتٍ لا تحتوي على معنىً واضحٍ ومفهوم" إشارةً مِنهُ إلى مَدى تعقيدِ مفهومِ "الحُب" ومَدى غُموضِهِ.
أرادَ أَدونيس من هذا التَّقسيم أن يجعلَ للدّيوانِ عدةَ جهاتٍ، تودي كلُّ جهةٍ بنا لرحلةِ بحثٍ عن كنزها الشعري، وأرادَ أيضاً من قرائهِ أن يقسموا حياتهُم وفقاً لهذا الدّيوان لعدَةِ أَفكارٍ ومواضيعٍ وكأنَّ حياتَهُم قَصيدة. وبهذا يكونُ الشِّعرُ قد أصبح جزئاً من محطة أفكارهم، أملاً منهُ برفعِ رايةِ التَّنوعِ والخُروجِ عن الثَّابِت وتقديسِ المُتغير وأملاً منهُ بأن يكون هذا الدِّيوان هَويَّةً شِعريَّةً نحملها في فكرنا كَخيطٍ لا يُزال.
يتطورُ الأُسلوبُ الشِّعري في هذا الدِّيوان ويتحولُ لمواضيعَ أكثر عُمقَاً وصُعوبَةً، فيلاحظُ القارئُ في مرحلةٍ من المراحِل سيطرةَ مُناخِ الأُسطورة على الجَو العام، فينطلقُ أدونيس بمرحلةٍ ما بخيالِهِ إِلى الفضاءِ مازجا معهُ أَساطيرَ كانت ومازالت.
الأساس الأَدبي لِمُعظَمِ شُعراءِ الحَداثَةِ وخاصة أدونيس الذي اتخذَ اسمَهُ تَيمُنَاً بِ "أسطورةِ أدونيس الفينيقية".
أثناءَ القراءةِ تُطرحُ الأسئِلة التَّالية:
هل يحاولُ أدونيس بإدخالهِ للأسطورةِ في هذا الدِّيوان إِعادةَ الحُبِّ إِلى جُذورهِ الأُسطوريةِ الأُولى؟
هل يحاولُ تحريرَ الحبِّ من براثنِ من يُحاولونَ احتكارهُ وحصرهُ بقوانينٍ وشَرائِع؟
هل يحاولُ التَّأكيدَ على نقاءِ الحُب. وأن الحب غير قَابِل للصَب في قَوالِب مُسبقة الصُّنع؟
هل هي مُحاولةٌ منهُ لنشرِ الحُب على مُستوى الأًفكار والعُقول؟
وهل هي رغبةٌ منهُ لجعلِ الحُب أُسلوبَ حياةٍ أكثر منه فكرة؟
"أَولُ الجَسَد آخِرُ البحر" هُو جسرٌ للهُروبِ من كُلِّ ما هو تَقليدي، دِيوانُ شعرٍ لِتجاوزِ الخُطوطِ الحَمراء، فَيكادُ لا يَخلو نَصُ قَصيدةٍ فيه من هذا التَّلميحِ الغريب إِلى شغفِ أدونيس في التَّمرُد وهو القائِل:
"يروقُ لي تَمرُدي
فَأشتهي تَمرُداً حَتى عَلى التَّمرُدِ"
عندَ قراءة هذا الدِّيوان، سَيتهيأُ للقارئ بأنَّ القصيدةَ جرَت بها الدِّماء وأصبحت كياناً يُكلِمُهُ ويحُثُهُ على النُّهوض، ويَحُثهُ على الانفجار، فَمفهومُ الحُب في هذا الدِّيوان ليس بمفهومٍ عَادي، هو حُبٌّ خارجٌ عن المألوف يرسمُ لكَ خفايا الحُبِّ المقدسة التي نادراً ما يتمُ رصدُها كتجربةٍ شعريةٍ يرسُمها بأدقِ تفاصيلها وَبِأجملِ حالاتها، يرسُم لك نشوةَ الحُبِّ في أَوج ضيائِها، وكأنَّ جسدي حَبيبينِ مُزِجَا مع أَحرفِ وأوراقِ هذا الدِّيوان.
"أَولُ الجَسد آَخرُ البحر "، ليسَ مجردَ ديوانٍ شعري هو حُبٌ وفَلسفَةٌ وتمرُد وأسطورة، هو لوحةُ "حياةٍ" مُزِجَت ألوانُها بماءِ الشِّعر المُقدَس وسكنت كتاباً.
--------------------------
معلومات الكتاب:
الكتاب: أَولُ الجَسد آخرُ البحر.
المؤلف: علي أحمد سعيد أسبر "أدونيس".
دار النشر: دار الساقي بيروت، لبنان الطبعة الأولى 2003، الطبعة الثانية 2005.
عدد الصفحات:234.
الرَّقم الدولي: 1855164701.