التّباينُ الّلغويّ ودورُه في الكشفِ عنِ الخيانة

كشَفتْ دراسةٌ حديثةٌ أنّه أصبحَ من المُمكنِ اليومَ معرفةَ ما إنْ كانْ أحدُهم ينوي الخيانةَ، اعتماداً على أسلوبِ كلامِهم.

وقد انطلَقت هذه الدراسةُ التي قدَّمَتها مجموعةٌ من الباحثين في جامعةِ "ميريلاند وكورنيل وكولورادو" لجمعيةِ علمِ اللغةِ الحِسابيّ في كشفِها هذا من خلالِ بعضِ الدّلائلِ اللغويّةِ المرتبطةِ بالخيانةِ والخِداع.

وفي هذا السّياق، فقد أوضَحَ جوردان غاربر، أحدُ أساتذةِ علمِ الحاسوبِ في "جامعة كولورادو"، بأنّ مسألةَ فهمِ ما يدورُ في رأسِ الأشخاصِ إعتماداً على خصائصَ قابلةٍ للملاحظةِ هيَ من أكثرِ المسائلِ التي تثيرُ الاهتمامَ في مجالِ علمِ اللغةِ الحسابيّ. وأردَفَ غاربر حديثَه قائلاً بأنّه منَ المفيدِ بمكانٍ معرفةُ المؤشراتِ التي من شأنِها الدلالةُ على أنّ شخصاً ما يقومُ بالمخادعةِ والتضليل، دونَ أن يُخفي الصعوبةَ والتعقيدَ المَنوطَ بالقيامِ بمثلِ هذا النوعِ من الأبحاثِ، وذلك لعدمِ توفُّرِ الإمكانياتِ المُتاحةِ التي من شأنِها الوصولَ إلى مُجمل أشكالِ اللغةِ المُستخدمةِ بينَ شخصين.

وقد عملتْ مجموعةٌ من الباحثين على تخطّي هذه العقبةِ من خلالِ إجراء دراسةِ حالةٍ تقومُ على استخدامِ لعبةِ إنترنتٍ حربيةٍ تُدعى "ديبلوماسي" والتي تتطلّبُ من اللاعبين إنشاءَ تحالفاتٍ فيما بينهم، وبشكلٍ حتميٍّ خيانةَ بعضِهم البعض فيما بعد من أجلِ الفوز، حيث أتاحت هذه اللعبةُ الفرصةَ للباحثين للوصولِ لجميعِ أنواعِ سُبلِ التواصلِ بينَ اللاعبين عوضاً عن تفسيرِ البياناتِ المُتاحةِ بشكلٍ أفضلَ وذلكَ نظراً لعدمِ السّماحِ للاعبين بالتواصلِ خارجَ سياقِ اللعبةِ بشكلٍ قطعيٍّ.

ومن جهتِه، صرّح سريجان كومار، طالبُ درجةِ الدكتوراه في قسمِ علمِ الحاسوب، بوجودِ بعضِ الإشاراتِ الرئيسيّةِ التي تدلُّ على الخيانةِ والتي من شأنِها التأثيرَ على أسلوبِ تحدّثِ هؤلاءِ الأشخاصِ مع بعضِهم البعض، فقد لُوحِظَ في هذه الدراسةِ أنّ الأشخاصَ المهذّبين بشكلٍ مفرطٍ كانوا أكثرَ عِرضةً للخيانةِ من غيرِهم بالإضافةِ إلى إبداءِ الأشخاصِ ممّن أقدموا على الخيانةِ لبعضِ الإيجابيةِ في التّعامل وذلكَ قُبيلَ القيامِ بالخيانة.

وحسبَ ما أدلى به غاربر فإنّ بعضَ نماذجِ الكلمات وليسَ الكلماتِ بحدِّ ذاتِها يمكنُ أن تشيرَ إلى إمكانيّة حدوثِ خيانةٍ في المستقبلِ القريبِ، والتي قد تترافقُ مع بعضِ الإشاراتِ الأخرى كالافتقارِ إلى التخطيطِ المُسبَقِ للكلامِ واستخدامِ الشخصِ الخائنِ لصيغةِ المستقبل. كما أضافَ بأنّه قد يكونُ من الصّعبِ تطبيقَ هذا البحثِ مباشرةً على سيناريوهاتِ العلاقاتِ اليوميةِ التي تعتمدُ على نماذجَ تواصلٍ أكثر تعقيداً وأقلّ عرضةً للملاحظةِ المباشرةِ بالمجمل. وعلى حدّ قولِه، فإنّ هذا البحثَ يمكنُ أن يساعدَ في كشفِ حالاتِ الخيانةِ التي قد تحدث ضمنَ مواقفَ أُخرى كتلك المتعلّقةِ بالمفاوضاتِ والصفقاتِ التجاريّة، فالتحليلُ الحاسوبيُّ يمكنُ أنْ يُستَخدمَ للكشفِ عنِ الأنماطِ اللغويّةِ التي من شأنِها استقراءِ ما إذا كانت هذه المفاوضاتُ ستنجح، فضلاً عن مراقبةِ التبادلاتِ اللغويةِ القائمةِ بين المشاركين، الأمرُ الذي من شأنِه إعطاءُ بعضِ الدلالاتِ التي قد تشيرُ إلى إمكانيةِ كونِ شخصٌ ما يحملُ بعضَ سماتِ الخيانة.

هذا وقد أكّد غاربر على أهميةِ لعبةِ الفيديو تلك في الكشفِ عن بعضِ الخفايا المهمّة عن الحالةِ البشريةِ، على الرّغم من أنّ البعض لا يأخذون هكذا لعبة على محملِ الجدّ، حيث أسهمَت هذه اللعبة في الكشفِ عن مجموعةٍ من أشكالِ التواصلِ اللغويّ والتي تُستخدم بنفسِ الصيغةِ ضمنَ بعضِ المفاوضاتِ الهامّةِ والمفصليّة، وهذا ما يدلُّ على الأهميّةِ الكبيرةِ لألعابِ الفيديو في دراسةِ التفاعلِ البشريّ.

وواصلَ كومار تأكيدَه على أهميّةِ هذا البحثِ في سياقِ الدراساتِ المستقبليةِ المعنيّةِ بدراسةِ تطوّرِ العلاقاتِ مع مرورِ الوقتِ كعلاقاتِ الصداقةِ والحبّ، حيث يمكنُ ملاحظةُ تغيّرِ طبيعةِ اللغةِ المُستَخدَمةِ من قِبَلِ أحدِ الشركاءِ الموقنين بقرب نهايةِ العلاقةِ مع مرورِ الزمن.

ومن جانبِه، فقد أكّدَ فيليب ريزنيك، أستاذُ علمِ اللغة الحسابيّ، على أهميّة مثلِ هذا البحثِ في تعبيدِ الطريقِ أمامَ المزيدِ من من الدراساتِ المستقبليّةِ الأكثر "فوضوية" والتي من شأنِها أن تسلّطَ الضوءَ بشكلٍ أكبرَ على مختلفِ مناحي عمليّةِ التفاعلِ البشريّ.

المصدر:

هنا