البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية
ال(FDA) توافق رسمياً على أول فيروس كعلاج لسرطان الجلد
إنَّ معظمَ علاجاتِ السرطانِ المُعتَمَدةِ في الطبِ الحديثِ تتضمنُ الكثيرَ من الأضرارِ الجانبية. نحنُ نعلمُ أنَّ الخلايا السرطانية أكثرُ عرضةً للاستجابةِ للإشعاعِ والعلاجِ الكيميائي من الخلايا السليمة، وذلك بسبب ارتفاع مُعدَّل الاستقلاب لديها. لكن ماذا لو استطعنا استهداف الخلايا السرطانية على وجه التحديد دون المساس بالخلايا السليمة؟ طريقةٌ جديدةٌ لاستهداف سرطانِ الجلد (الميلانوما) قد تكون خطوةً هامةً في تغيير أساليبِ علاجِ العديدِ من أنواعِ السرطان بعد أن تمت الموافقة عليه من قبل ال FDA.
يعدُّ سرطانُ الجلدِ من أكثرِ أنواعِ السرطانِ شيوعاً في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعد الميلانوما - وهو أحدُ أنواعِ سرطانِ الجلد- السببَ الرئيسيَّ لحالات الوفاة الناتجة عن سرطان الجلد، وغالباً مايكون سببه التعرُّضُ للأشعة فوق البنفسجية UV. ووفقاً للمعهد الوطني للسرطان؛ سيتم تشخيص مايقاربُ 74.000 شخص بسرطان الجلد في أمريكا، ونحو 10.000 مصاب سيموت من المرض عام 2015.
Imlygic هو اسمُ العلاج الجديد الذي تمت الموافقة عليه مؤخراً من قِبَل إدارة الأدوية والأغذية الأمريكية FDA، ويُستخدمُ فيه شكلٌ معدّلٌ من فيروس الحلأ (Herpes virus) الذي تم تعديلُه وراثياً بحيث يقوم باستهداف الخلايا السرطانية دون المسّ بالخلايا السليمة. إذ إنَّه مُبرمجٌ لملاحقةِ وتدميرِ خلايا سرطانِ الميلانوما المتقدمة. وعلى الرغم من أنَّ هذه الطريقةِ ذاتِ فعاليةٍ متواضعة، ولا تزال في مراحلِها الأولى، إلا أنَّ الباحثين متفائلون بهذا الأسلوب الجديد، فهو أولُ علاجٍ يعتمد على الفيروسات لعلاج السرطان.
يعلمُ العلماءُ منذُ عقودٍ بأنَّ محاربةَ السرطانِ باستخدامِ الفيروسات ممكنةٌ تقنياً، فمن المعروف أنَّ النمو غيرِ المنتظم هو السمةُ المميزة للسرطان، لذلك تتعطلُ العديدُ من الدفاعات المضادة للفيروسات في الخلايا السرطانية. ويقوم الدكتور Robert Andtbacka، وهو طبيب في علم الأورام من جامعة يوتاه، والذي شارك سابقاً في تطوير Imlygic، مع فريقه بدراسة كيفية تطويع هذه الطريقة لعلاج سرطان الرأس، العنق، الثدي والكبد في التجارب السريرية.
يرى الطبيب Andtbacka بأنَّ Imlygic قد يكون تطبيقاً واعداً في حالِ جمعِه مع علاجاتٍ أخرى، بحيث يمكن للمريض الحصول عليه قبل أو بعد العملية، أو مع العلاج الكيميائي، أو مع أدوية أخرى. ففي الوقت الحالي، عندما يصلُ سرطانُ الجلدِ لمرحلة لا يمكن إزالته بعدها عن طريق الجراحة، لا يملك المريض سوى عدد قليل من الخيارات، وعلاج Imlygic هو أداة قوية جديدة لأطباء الأورام لاستهداف سرطان الجلد وخاصة في مراحله المتأخرة.
- كيف يعملُ هذا العلاج؟
إنَّ الفيروسات تمتلك قدرةً طبيعيةً على إصابة الخلايا البشرية، مثلاً فيروس الإيبولا، كغيره يمكن أن يغزو الجسم ثم يغرق في سبات عميق لعدة أشهر. وهذا ما دفع العلماء لتسخير الفيروسات والاستفادة مما تفعله، وجعلها عاملاً مساعداً بدلاً من الضرر الذي تدخله إلى الجسم.
لصُنع علاج Imlygic ، قام باحثون في شركة تسمى BioVex بتعديلِ فيروسِ القوباء Herpes virus، بحيث أصبح غير قادرٍ على قتل الخلايا البشرية، وإنما بدلاً من ذلك، يزيدُ من إنتاج بروتين GM-CSF الذي يقوم بتنبيه النظام المناعي للجسم ويحثُّه على محاربة الخلايا السرطانية.
تعمل العديد من اللقاحات على نحو مشابه، مثلاً لقاح إلتهاب الكبد الوبائي A هو شكل ميت من فيروس التهاب الكبد، بمجرد دخوله إلى الجسم، يحدد الجهاز المناعي وجوده كدخيل، ويصنع الأجسام المضادة لمحاربته، وبذلك ففي حال الإصابة بالفيروس الحي سيكون الجسم محمياً منه.
يتمُّ حقن Imlygic مباشرة داخل الورم، حيث تصيب فيروسات القوباء المُعدَّلة الخلايا السرطانية وتبتعد عن الخلايا السليمة. سبب هذه الأفضلية التي يظهرها الفيروس غير معروفة، ويشتبه Andtbacka بأنَّ فيروس القوباء المعدل يستطيع أن يتكاثر في الخلايا السرطانية فقط.
تتألف جلسة العلاج مع Imlygic من سلسلة من الحقن في أماكن إصابات الميلانوما، بعد الحقنة الأولى، تُعطى الجرعة الثانية بعد ثلاثة أسابيع، تليها جرعاتٍ إضافية كل أسبوعين لمدة ستةِ أشهرٍ على الأقل -مالم يتطلب علاجاتٍ أخرى- أو حتى انتهاء الإصابات القابلة للمُعالجة بالحقن.
- هل هذا العلاج آمن؟
تم تقييمُ سلامةِ وفعاليةِ Imlygic في دراسة على 436 مريضاً ذوي حالات ميلانوما منتشرة لا يمكن إزالتها جراحياً، فوُجِد أنَّ 16.3% من المشاركين الذين تلقوا علاج Imlygic قد تقلَّصت الأورام لديهم، بالمقارنة مع 2.1% من المشاركين الذين تلقوا حقن GM-CSF. إذاً فالتأثير كان متواضعاً، إذ أن معظم من تلقوا علاج Imlygic لم تتقلص أورامهم.
الآثار الجانبية الأكثر شيوعاً عند المشاركين في الدراسة السريرية هي التعب، القشعريرة، الحمى، الغثيان وأعراض تشبه الانفلونزا، بالإضافة إلى ألم في موضع الحقن. ولأنَّ Imlygic هو فيروس القوباء الحي المُعدَّل الحالّ للورم، فهناك إمكانية للإصابة بعدوى القوباء، ونظراً لهذا، لا ينبغي لهذا العلاج أن يُعطى للأفراد الذين لديهم ضعف في الجهاز المناعي أو للمرأة الحامل.
المرضى الذين تلقوا علاج Imlygic قد عاشوا بضعة أشهر أكثر من المرضى الذين تلقوا GM-CSF فقط، لكن هذه النتيحة لم تكن ذات دلالات إحصائية، إذ أن الدواء لم يُظهِر تحسناً في نسب الناجين.
- فئةٌ جديدةٌ من الفيروسات القاتلة للسرطان:
إنَّ نحوَ 92% من الأشخاص المصابين بسرطان الجلد مازالوا على قيد الحياة بعد 5 سنوات من تشخيص المرض، لكنَّ هذه النسبة تنخفض إلى 17% فقط في حال انتشار السرطان إلى أجزاء أخرى من الجسم بحسب المعهد الوطني للسرطان. في التجارب السريرية، ثلث المرضى الذين تلقوا علاج Imlygic بقوا على قيد الحياة بعد 5 سنوات وجميعهم كان لديهم درجات انتشار مختلفة للميلانوما.
يعتقد الباحثون أنَّ إقران هذا العلاج مع علاجاتٍ أخرى قد يجعل للفيروس تأثيراً أكبر، إلا أنَّ هذا التمديد الضئيل الذي يوفره العلاج لحياة بعض المصابين، يأتي مع ثمنٍ باهظ، إذ يُكلِّف نحو 65000 دولار على الأقل في الوقت الحالي.
إنَّ المغزى الحقيقي من هذا العلاج هو إثبات مفهوم معين، فالتقانات الحيوية قد وصلت لمرحلةٍ تُمكِّننا من تصميم فيروسٍ ليقوم بالأعمال التي نريدها، وبآثارٍ جانبية لا تتعدى ماهو موجود في الأدوية المعتمدة. ويعمل باحثون آخرون حالياً مع فيروس جدري البقر، الفيروس الريوي، وجزئيات من فيروس شلل الأطفال كوسيلة لاستهداف أنواع أخرى من السرطان، لكن كلفة العلاج ستكون مكلفة أيضاً على الأرجح.
المصادر: