الكيمياء والصيدلة > كيمياء
بدائل عن الصّادات الحيوية تُحاصر الجراثيم وتلتهمها!!
فلنأكل سموم الجراثيم!!!!
هذا لسان حال التراكيب الجديدة التي يطورها علماء في سويسرا، خرجوا عن نمط التفكير التقليدي في محاولة ﻹنهاء معضلة مقاومة الجراثيم للصادات الحيوية، حيث أن هذه المقاومة تثير القلق في اﻷوساط الصحية.
بين الماضي و الحاضر:
رغم أن البنسلين لا يعتبر حالياً من الصادات الحيوية ذات الفعالية الكبيرة، إلا أننا ندين له بالكثير منذ اكتشافه وحتى اليوم، حيث كانت أبسط الإصابات الجرثومية مميتة قبل اكتشافه والذي أدى بدوره لتطوير صادات أخرى أكثر فعالية.
والآن وبعد مضي حوالي التسعين سنة على اكتشاف البنسللين، يواجه العالم أجمع خطراً حقيقياً يتمثل في فقدان المضادات الحيوية لفعاليتها شيئاً فشيئاً، فتبعاً للمركز الأمريكي لمراقبة الأمراض والوقاية منها الـCDC، فإنَّ 23000 شخصاً يموتون سنوياً حول العالم بسبب الإصابة بجراثيم مقاومة للصادات الحيوية. كما وصفت منظمة الصحة العالمية الـ WHO من ناحيتها الأمر بكونه خطراً حقيقياً على الصحة العامة العالمية. كل ما سبق يشير إلى خطورة الأمر، وينبئ بمستقبلٍ تغدو فيه إصابات مثل ذات الرئة ـ و التي تعالج بشكل روتيني في أيامنا هذه ـ مرضاً مهدداً للحياة.
دراسة جديدة تدعو للتفاؤل:
وكشمعةٍ مضيئةٍ في الظلام الدَّامس، أظهرت دراسة قام بها علماء سويسريون من جامعة بيرن بقيادة عالِمَي الخلية "إدوارد بابيتشاك" و "أنيت درييغر"، أنَّ هنالك أملاً ما يزال يلوح في الأفق. ففي هذه الدراسة التي نُشرت في مجلة "نيتشر" للتقانة الحيوية تكلَّم العلماء عن توظيفهم لتراكيب تسمى بالليبوزومات* لتدمير ذيفانات الجراثيم القاتلة.
المبدأ الجديد المُعْتَمَد وأهميته:
قام العلماء بهندسة هذه الليبوزومات لتعمل كأفخاخ تجتذب الإفرازات السامة للجراثيم بعيداً عنها، فتعزلها وتعطلها مما يسهل على الجسم تدمير هذه الجراثيم.
لا تكمن خطورة هذه المفرزات (الذيفانات اصطلاحاً) فقط في كونها تسبب المرض للإنسان، بل تتعدى ذلك إلى كونها تمثل خط الدفاع الوحيد للجراثيم المفرزة لها، و بالتالي فإنَّ تحييد (تعطيل) هذه الذيفانات سيؤدي إلى جعل الجراثيم مكشوفة وضعيفة أمام الجهاز المناعي للمضيف.
تفاصيل الدراسة:
أُجريت الدراسة على فئران مُصابة بنوعين من الجراثيم هما: المكوّرات العنقودية المُذهّبة Staphylococcus Aureus والمكوّرات العُقَديّة الرِئويّة Streptococcus pneumoniae . تُصنَّف هذه الجراثيم بأنها إيجابية الغرام (أي أنّها تصتبغ بصبغة غرام وتظهر باللون البنفسجي تحت المجهر)، وهي تمتاز بقدرتها على إفراز ذيفانات سامةٍ خلوياً وقادرةٍ على تشكيل مسامٍ أو فتحاتٍ في جدر الخلية مما يُشَكّلُ عِبْئاً مرضيّاً هائلاً على الجسم المضيف (الفئران في هذه التجربة). ترتبط هذه الذيفانات لدى دخولها مجرى الدم بخلايا المضيف مسبّبةً إنتاناً (تسمّماً) في الدم والذي يؤدّي بدوره لوفاة الكائن الحي إذا لم تتم معالجته. قام الفريق العلمي بتصميم ليبوزوماتٍ مُصَنَّعةٍ خصيصاً للارتباط مع الذيفانات الجرثومية، حيث تتنافس مع خلايا المضيف على المواقع المُتاحة للارتباط.
كانت النتيجة أنَّ الذيفاناتِ المُرْتَبِطَةَ بالليبوزومات غدتْ غيرَ قادرةٍ على حَلِّ الخلايا ضمن أنابيب الاختبار (ضمن الزجاج in vitro).
حَقْنُ الفِئْران بالليبوزومات خلال 10 ساعات على حدوث الإنتان ساهم في منع حدوث تسمم الدم وبالتالي إنقاذ حياتها، بينما ماتت الفئران التي لمْ تتلقَّ هذا العلاج خلال 24-33 ساعة بعد تعرضها للعدوى.
أهمية الاكتشاف الجديد:
تكمن أهمية هذه الليبوزومات في كونها لا تُسهمُ في تطوير مقاومة الجراثيم، كما هو الحال مع الصّادات الحيوية، وذلك لأنّها لا تهاجم الجراثيم مباشرةً. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الليبوزومات تعمل على تحسين جهازنا المناعي -والذي قد تمَّ إضعافه بسبب الاعتماد المُطوَّل على الصّادات الحيويّة – من خلال إتاحة الفرصة أمامه لمهاجمة الجراثيم الفاقدة لذيفاناتها. علاوةً على ذلك، يمكن مشاركة الليبوزومات مع الصّادات الحيوية لتحقيق نتائج أفضل في محاربة العدوى والحدِّ من الضرر النسيجي الناتج عن ذيفانات الجراثيم.
ومازلنا بحاجة للكثير من الفحوص المخبرية والتجارب على الحيوانات لنصل إلى دواءٍ يمكن تجريبه على البشر، ولكنَّ هذه الدراسة تمثّل خُطوةً هامة على طريق إنهاء خطر مقاومة الجراثيم للصَّادات الحيوية.
*الليبوزومات: فقاعات صغيرة محضّرة صناعياً من مواد من الأغشية الخلوية، وتستخدم كناقلات للأدوية ضدّ أمراض السرطان، والتهاب الكبد، والإنفلونزا، ومرض الإيدز.
المصادر