الهندسة والآليات > الالكترونيات
كلمة "الالكترونيات" تفترق إلى الأبد عن كلمة "دارات"
تعدُ الالكترونات أفضلَ ما نملك حتى الآن لنقلِ المعلومات في العمليات الحاسوبية، بيدَ أننا سنلوح مودعين لها وهي تجرُ خلفها الحرارة التي تنتجها في الدارات الالكترونية -كجزء من ضياع الطاقة- وسنستقبل في محلها "النقل الضوئي للمعلومات" الأبرد والأسرع وحينها ستغدو الاتصالات والتطبيقات الأخرى أسرع مما قد يمكن تخيله.
كما نعلم فإن المادة الأساسية في صناعة الدارات الالكترونية هي المواد الناقلة ونصف الناقلة ؛ التي تتحرك الالكترونات ضمنها لتعطي إشارات نستطيع بواسطتها القيام بالعمليات الحاسوبية، ومن أجل استبدال الالكترونات بالفوتونات يجب علينا البحث عن مادة تستطيع الفوتونات أن تتحرك من خلالها دون أن تفقد طاقتها وبحيث نحصل على اشارات تشابه ما يحدث بحالة الالكترونات .
تمكنت كلية هارفرد للهندسة والعلوم التطبيقية من تطوير مادة مركبة جديدة بخصائص مختلفة عمّا هو موجود في الطبيعة تملك قيمة معامل انكسار مساوية للصفر ! مما يعني أن الضوء سيتحرك بسرعة كبيرة جدا ً –لانهائية - دون أن تتعرض أمواجه للانعراج و التداخل.
تتكون هذه المادة المستقبلية من مصفوفة ركائز سيليكونية نسبة أبعادها منخفصة (بمعنى أن ثخانتها صغيرة مقارنة بطولها ) متوضعة ضمن طبقة بوليميرية ومغلفة بطبقة من الذهب.
يمكن إنتاج هذه المادة باستخدام طريقة صناعة الدارات المتكاملة الحديثة والتي تتضمن عدد كبير من الترانزستورات والعناصر الأخرى ويمكن استعمالها بفعالية في الدارات المتكاملة الضوئية و مع العناصر الضوئية للدارت.
في الواقع فإن عمل الباحثين في هارفرد لا يتعارض و مبادئ النسبية الخاصة لأينشتاين فليس المقصود ب "السرعة اللانهائية " سرعة الضوء بالانتقال من نقطة لأخرى بل المقصود هو تغير طور الموجة الضوئية اي سرعة تحرك قمة موجة ضوئية ( طبعاً نتحدث هنا عن مفهوم الضوء كموجة وليس مفهوم الضوء الهندسي اي الشعاع الضوئي ) ، والتي تتعلق بالمادة التي يعبرها الضوء.
لنقرب هذه المفاهيم التي طرحتها هارفرد ، دعونا نتكلم أولاً عن معامل الانكسار: يستطيع الضوء الانتقال ضمن أوساط مختلفة عن بعضها البعض حيث يخترق الضوء مثلاً منازلنا من النوافذ المصنوعة من الزجاج ونرى الكائنات الحية تحت الماء نتيجة عبور الضوء البركة المائية وانعكاسها على أعيننا، بيدَ أنَّ عبور الضوء للماء أو للزجاج يغير من سرعة طور الموجة الضوئية بسبب تغير سعة الموجة عما هي عليه في الفراغ.
يُعْزى تغير الطور إلى قيمة معامل الانكسار للوسط الذي يعبره الضوء، فعند انعكاس الضوء من وسط ذي معامل انكسار أكبر من ذاك الذي أتى منه الضوء فإن الموجة الضوئية تعاني من تغير في الطور تماماً مثل أي موجة أخرى ، و بسبب فرق قيمة معامل الانكسار بين الهواء والماء فإننا نرى الأجسام التي في الماء أقرب إلى السطح مما هي عليه في الحقيقة. ويمكن تشبيه انتقال الضوء من وسط إلى وسط وعلاقته بتغير طوره، بالسيارة التي تنتقل من الشارع الى الشاطئ ويسبب ذلك تباطء حركتها و تغير مسارها وعندما تبلغ قيمة معامل الانكسار القيمة صفر ، تبدأ أمور جميلة وغريبة بالحدوث.
و يشرح الباحثون في ورقتهم العلمية ما يحصل عندما يتحرك الضوء ضمن المادة الجديدة ذات المعامل الانكسار المساوي للصفر بالقول :
"لن يكون هناك تغير في طور الموجة الضوء أي أن الضوء لن يسلك سلوك موجة متحركة على شكل سلسلة من القمم والقيعان وبدلاً من ذلك سُيكون هناك طورٌ ثابت وحيد لكل الأمواج حيث كل ستتمدد كل قممِ أو كل قيعان الموجة الضوئية إلى طول لانهائي وستهتز القمم والوديان للموجة كتابع لتغير الزمن فقط وليس المكان."
يقول البروفيسور-الذي طور هذه المادة- إيرك مازور"Eric Mazur" :
"لايمكننا عادة التلاعب أو التأثير على الضوء بسبب طبيعته المزدوجة موجة – جسيم و لكن هذه المادة الخارقة تسمح لنا بالتلاعب به من شريحة إلى أخرى وأن نضغطه ونحنيه ونلفه لنقلص قطر الشعاع الضوئي من المستوى الماكروي (المرئي ) إلى المستوى النانوي. فهذه المادة الجديدة تسمح لنا باستكشاف الخواص الفيزيائية للضوء عند معامل الانكسار المساوي للصفر. وهي طريقة مهمة وجديدة لاكتشاف خصائص الضوء.
هذه المادة الثورية ستفتح الأبواب على مصراعيها لتكنولوجيا الحواسيب الكمومية والاتصالات فائقة السرعة. تماماً كمافعلت سابقتها السيليكون التي غيرت حياتنا في القرنين العشرين والواحد والعشرين والتي قدمت لنا تطبيقات لم نكن نتخيلها يوماً.
وفي البصريات الكمومية، فإن افتقار الضوء لحالته الموجية سيسمح للباعثات الكمومية من إطلاق فوتونات متماثلة الطور ( أي على شكل موجة واحدة لانهائية الطول)، عدا عن دورها الكبير والمنتظر في تعزيز الحوسبة الكمومية وأساليب ربط الحواسيب الكمومية ببعضها البعض.
المصادر:
كتاب الفيزياء للمهندسين والعلماء الإصدار التاسع (سيرويه )