العمارة والتشييد > التصميم العمراني وتخطيط المدن
المفارقات بين المناطق الحضرية والغابات كنماذج أصلية للمنظر الطبيعي
في العقد الماضي، شهد العمران المعاصر تغييراً جذرياً في مفاهيمه ووصفه للمنظر الطبيعي الحضري وعلاقته مع محيطه. وقد أدى ظهور مفهوم mega-urban landscape أو "المنظر الطبيعي العمراني العملاق" إلى اصطفاف المخططين العمرانيين الأكثر عقلانية مع خطاب الاستدامة.
وبناءً على هذه الصيغة، أصبحت الغابة الحضرية ككلّ وكذلك عناصرها كعناصر مفردة، أصبحوا جميعاً يعملون كظاهرة رمزية، تخدم لإضفاء الشرعية على إنتاج المدن من خلال ما يدعى بمفهوم التمدن "الأخضر".
يبدو مصطلح "الغابة الحضرية" كشيء واضح لا يحتاج إلى شرح، فهذه الغابة تتصف إلى حد كبير بالتقارب المكاني بين عناصرها من جهة، والتباين بين أراضيها ووظائفها من جهة ثانية. ومع ذلك، وبالإضافة إلى تعريفها الحرفي كغابة بالقرب من المدينة أو بداخلها، يمكن أيضاً أن نفهم الغابات الحضرية كشكل من أشكال التطورات الهجينة أو المختلطة، حيث أنها بمثابة تعبير بلاغي يتحدى فكرة الجوهر العمراني الكلاسيكي ويناقش احتمالية إيجاد شكل جديد أو نمط للتوسع العمراني. في هذا المعنى، الغابات الحضرية تسلط الضوء على إمكانية أن تصبح أراضي الغابات نمطاً عمرانياً ذا مغزى قادراً على تعزيز التطور الطبوغرافي والبيئي في المناظر الطبيعية العمرانية العملاقة.
نشر البحث في مجلة سيناريو العلمية حيث تم اختيار عنوان العدد كالتالي "بناء الغابات الحضرية"، ويشير العنوان إلى أن هناك إمكانية لبناء نموذج جديد من المشهد العمراني اليوم، والذي يلغي الثنائيات المتناقضة وغير المفيدة من العمران مقابل الغابات والطبيعة مقابل تغذية، ولكن بدلاً من ذلك يروج لمشروع تركيبي من خلال استكشاف الاحتمالات الإنتاجية (الفائدة العملية) لدمج العمران والغابات مع بعضهما.
هو مقترح لمعرفة أهمية ودور الغابات كمجمعات بيئية، طبقات مكانية وأنظمة ديناميكية تساهم في الإنتاج العمراني المعاصر. وتقترح أن الغابات تستطيع أن تنمو، بل وتنمو حقا داخل المستوطنات البشرية لتشكّل نظماً إيكولوجيةً جديدةً تدمج البراري بالمدينة؛ نظام طبيعي متطور يمكن أن يٌدار ويتم الحفاظ عليه داخل المدينة.
هو مقترح لمعرفة أهمية ودور الغابات كمجمعات بيئية، طبقات مكانية وأنظمة ديناميكية تساهم في الإنتاج العمراني المعاصر. وتقترح أن الغابات تستطيع أن تنمو، بل وتنمو حقا داخل المستوطنات البشرية لتشكّل نظماً إيكولوجيةً جديدةً تدمج البراري بالمدينة؛ نظام طبيعي متطور يمكن أن يٌدار ويتم الحفاظ عليه داخل المدينة.
بما أننا نرى الغابات هنا من خلال المنظور البيئي العمراني، فمن المحتمل أننا سنتعرف على طرق ستكون مفيدة لساكني هذا النمط الجديد من الغابات الحضرية، وسيكون لها قيمة مضافة إلى المدن.
سيكون هذا عن طريق تأمين المياه، الهواء النقي، أشعة الشمس، الظل، المأوى للحيوانات، والمناخ المحلي، ففي النهاية فإن الغابات العمرانية هي مكان للمواطنين للهروب من المدينة.
الغابة العمرانية هي مزيج من نموذجين جُمعا معاً لخلق حالة جديدة تماماً. ومع ذلك فإن خلق مثل هذا التركيب بشكل سطحي بدمج نموذجين غير متجانسين ومليئين بالميزات المتناقضة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى تركيبة ركيكة ومليئة بالإشكالات.
ووفقاً لذلك، فإن مجموعة النقاط التالية تشكّك في التعريف المناسب للغابة العمرانية على أنها ببساطة نظام بيئي وعمراني، وذلك من خلال التأكيد على الاختلافات الجوهرية بين هاتين الفكرتين.
الرسومات التالية تدرس التناقض بين هذه النماذج، والتي تتمحور عبرها المدينة والغابات حول طبيعة محتوياتهما، فعندما تم دمجهما معاً كما نرى، فقد بقيت آثار هذا اللقاء المليء بالإشكالات واضحةً ومنذرةً بعجزهما عن العمل ككلٍّ واحد متراكب.
ليكون للغابات العمرانية معنى اجتماعي، يجب أن تكون مقروءة كنموذج وكنظام يكشفان عن طريقة عمل كل من الغابة والعمران ككيانين متجاورين. فتبرير هذين النموذجين لا يعتمد فقط على الرمزية المقترنة بهما من حيث المضمون والجودة، بل يعتمد على كلّ منهما للوقوف بمفرده كنموذج وخلق شيء جديد مفيد من خلال ما يدعى بالتوتر المنتج.
-(الصورة الأولى) اللقاء اللطيف: المدينة والغابة لا يمكن أبداً أن تجمعا معاً. فهما إما متعارضان أو يستولي أحدها على الآخر. فهي ستكون كمدينة ميتة مع غابات مدمرة، أشبه بمكان بعدما أصابته كارثة مدمرة، حيث لا يمكن لإنسان ولا حيوان أن يتواجد مثلما كان عليه من قبل، وأُجبرت الكائنات على تعلم البقاء على قيد الحياة مرة أخرى.
-(الصورة الثانية) تزيين للمدينة: الغابة في المدينة يمكن اعتبارها واجهة الخضراء، فالنباتات مقيدة بالنمو على سطوح عمودية كديكورات للمدينة، مجرّدة من ميزاتها وقدراتها الأولية. الأمر عينه بالنسبة للغابة التي أصبحت -تبعا لأهواء البشر- مجرد ديكور للمدينة.
-(الصورة الثالثة) مجرد تعبير مبتذل: يمكن فهم ذلك من خلال رؤية الغابة من منظور المدينة. حيث أن المدينة بحد ذاتها تم إنشاؤها من قبل المجتمع من أجل المجتمع، وبناءً على هذا الفهم فإن الغابات في المدينة لا يمكن أبداً أن تكون غابة حقيقية إن كان سيتم إنشاؤها باعتماد نفس المبدأ.
-(الصورة الرابعة) حفلة تنكرية للمدينة: تبدو الغابات المحاطة بالمدينة وكأن المدينة قد ابتلعتها، وهضمتها. لا يمكن أبداً أن تبقى كأصلها. عليها أن تعيش وفقاً للقواعد المنصوص عليها في المدينة، وعليها البقاء والتكيف. كما يجب عليها ارتداء الأقنعة المناسبة للمدينة، سيفرض عليها هذا الاختفاء والتلاشي والمعاناة فقد تم استعمارها.
كما نلاحظ فإن البحث يوضح التناقض الكبير بين المفاهيم ويتكلم بأسلوب جريء منتقدا الأساليب التي يستخدمها الإنسان لإضفاء الشرعية على تدمير الغابات. ما هو الحل الواقعي برأيكم لإيجاد صيغة تسمح بالتطور العمراني دون الإضرار بالغابات والمناطق البرية؟
المصدر: