الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة
السببية عند دايفيد هيوم
السببية أو العلّليّة، هي موضوعٌ فلسفي يُعبر عن تلك العلاقة بين السبب والأثر، بحيث يكون الحدث الثاني نتيجة للأول. وهذه النظرية قديمة منذ أرسطو إلا أنها تطورت أكثر على يد ديفيد هيوم. إليكم الجزء الأول الذي يُوضح هذه النظرية.
"دافيد هيوم" هو أحد التجريبيين البريطانيين في العصر الحديث، إضافة "لجون لوك" و"جورج بيركيليه". وعلى الرغم من أن الثلاثة يؤيدون معايير تجريبية متماثلة حول المعرفة وأنه لا يوجد أفكار فطرية وأن كل المعارف تأتي من التجربة، فقد عُرف "هيوم" بتطبيقه لهذا المعيار بصرامة في السببية والضرورة. فعوضاً عن التحدث عن فكرة السببية، يتحدانا “هيوم” أن نثبت أن ماهية التجارب التي تسمح لنا أن نفهم "السبب" و "النتيجة" كأفكار مجرّدة.
وقد أوضح "هيوم" أن التجارب لا تخبرنا بالكثير. فبفرض لدينا حدثان a و b، نقول أن a سبّب b عندما يحدث الاثنان معاً دائماً، أي أنهما مرتبطان بشكل دائم. حيثما وجدنا a نجد أيضاً b، ولدينا ثقة كبيرة أن هذا الارتباط سيستمر بالحدوث. عندما ندرك أن عبارة " a يجب أن يسبب b " مُساوية لـ " بسبب ارتباطهم الثابت، نحن متأكدون أن b سيتبع a "، عندها نكون أمام مفهوم ضعيف جداً حول الضرورة بنظره. وأن هذا الإدراك الضعيف حول الفعالية السببية تجعلنا غير محقين في اتخاذ أي استدلال استقرائي عن العالم.
هذا المقال يدرس الأسس التجريبية التي قادت “هيوم” لمفهومه حول السببية قبل تفصيل تعريفه عن السببية و كيف استخدم هذه الأفكار المفتاحية ليخلق مشكلة الاستقراء وبعد تفسير هاذين المفهومين الأساسيين من مفاهيم “هيوم” حول السببية والتعريفان الذان قدمهما للسبب، سنستعرض ثلاث عائلات من التفسير: السببية الاختزالية، التي أخذت تعريف “هيوم” للسببية كتعريف حاسم، السببية الشكوكية التي اعتبرت مشكلة “هيوم” حول الاستقراء غير محلولة، والسببية الواقعية التي قدمت أدوات تفسيرية إضافية لتجنب هذه النتائج و اعتبار أن “هيوم” يملك بعض المفاهيم القوية حول السببية. ونبدأ اولاً بمكان السببية في تصنيف “هيوم”. مكان السببية في تصنيف “هيوم”: أكثر مساهمات “هيوم” أهمية في فلسفة السببية موجودة في: "بحث حول طبيعة الإنسان"، و"استفسار حول فهم الإنسان"، الذي ينظر إليه بشكل عام على أنه إعادة صياغة جزئية للسابق. كلا العملين يبدآن ببديهيات “هيوم” المركزية التجريبية التي تعرف بالنسخة المبدئية وتنص أن كل مكونات أفكارنا تأتي من التجارب. بدراسة مفردات “هيوم”، ولفهم ذلك بشكل أكثر دقة، يسمي “هيوم” محتويات العقل إدراكاً، الذي بدوره قسمه “هيوم” إلى انطباعات و أفكار. على الرغم من أن “هيوم” ذاته ليس متشدد بالمحافظة على فرق صغير بين الاثنين، وقد نعتقد أن الانطباعات تملك تأثيرها في الحواس، بينما الأفكار يتم إنتاجها من الذكاء. إلا أن الانطباعات التي قد تكون أحاسيس أو انعكاسات (ذاكرة)، هي أكثر حيوية من الأفكار. وبذلك فإن النسخة المبدئية ل”هيوم” تعتبر أن كل أفكارنا هي نتاج الانطباعات. وبنظرة سريعة على المحتوى السابق فقد تبدو النسخة المبدئية صارمة جداً. لذلك سنستخدام أمثلة “هيوم” نفسها، وأهمها، "يمكننا أن نملك فكرة عن جبل ذهبي لم نرَ مثله أبداً". لكن لعرض مثل هذه الأمثلة كمعاكسة للنسخة المبدئية يجب تجاهل أنشطة العقل. يمكن أن يدمج العقل الأفكار من خلال ربطهم بطرق عدّة. إذا كان لدينا فكرة الذهب و فكرة الجبل، نستطيع ربطهما لنصل إلى فكرة جبل ذهبي. وإن النسخة المبدئية تتطلب على الأقل الأفكار الأساسية الأكثر بساطة التي نعتبر أنها تأتي من الانطباعات. هذا يعني أنه أية فكرة معقدة يمكن في النهاية إرجاعها لانطباعات تأسيسية.
في مقاله، حدد “هيوم” وسيلتين يشارك العقل من خلالهما الأفكار، وهي الروابط الطبيعية والروابط الفلسفية. حيث تملك الروابط الطبيعية مبدأ "الربط" وهو أن التخيل يقودنا بشكل طبيعي من فكرة إلى أخرى. والروابط الثلاث الطبيعية هي التشابه، التجاور، السبب و النتيجة. ومن خلال ذلك يخبرنا “هيوم” أن السببية هي الأكثر انتشاراً، لكن السبب و النتيجة هي أيضاً واحدة من الروابط الفلسفية، وبعضها مثل التشابه و التضارب، يمكن أن تمنحنا يقيناً. في حين أن بعضها لا يمكنه ذلك. السبب والنتيجة هي واحدة من الروابط الفلسفية التي تحمل لنا الأقل من العديد من المعارف، إلا أن السببية هي الحاسمة. حيث تسمح لوحدها أن نذهب وراء ما يُقدّم مباشرة للأحاسيس، فنذهب بعيدا من خلال الإدراك و الذاكرة، وهي المسؤولة عن كل معرفتنا للعالم. لذلك يوضح “هيوم” أن رابطة السبب و النتيجة محورية في المنطق، حيث عرّفها “هيوم” أنها "اكتشاف الروابط بين مواضيع المقارنة". لكن علينا الانتباه عندما يقول “هيوم” "مواضيع"، على الأقل في حالة المنطق، فهو يشير إلى مواضيع العقل، وهي الأفكار والانطباعات، و بما أن “هيوم” يتمسك بـ "منهج الأفكار" المعاصر، حيث الاعتقاد أن الأحاسيس هي أحداث عقلية وأن كل مواضيع الإدراك هي عقلية. فإن السببية بحد ذاتها يجب أن تكون رابطة أكثر من كونها مميزة لموضوع ما، حيث لا يوجد ميزة واحدة مشتركة لكل الأسباب أو لكل النتائج. وبوضع السببية ضمن نظام “هيوم”، نصل للتقدير التقريبي الأولي للسبب و النتيجة. فالسببية هي رابطة بين الأهداف التي نوظفها ضمن تفكيرنا بهدف الحصول على الحد الأدنى من المعارف العاطفية حولنا، في مقالنا القادم سنتحدث عن الارتباطات الضرورية في نظر هيوم والتعريفين الاثنين لهيوم للسبب.
تمت الترجمة عن: