الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
التلوث الصوتي... هل هو بهذه الخطورة
أضافَ قانونُ الهواء النظيف في الولايات المتحدة الأمريكية والذي أُقرَّ في العامِ 1990 عنواناً جديداً يتضمنُ التلوثَ الصوتيَّ أو الضوضائي فما هو بالضبط؟... إن التعريفَ التقليديَّ للضجيج: هو الصوتُ غيرُ المرغوب به أو المثيرُ للقلق أو المسببُ لأضرارٍ على الحياةِ والطبيعة والممتلكات ويصبحُ الصوتُ كذلكَ عندما يتعارضُ مع الأنشطةِ العاديَّة كالنومِ والمحادثةِ أو عندما يُعَطِّل أو يخفّض جودة الحياة. ليسَ للتلوثِ الصوتي طعمٌ ولا رائحةٌ كتلوثِ الهواء والماء كما أنه لا يتركُ آثاراً في الجسم البشري (أو على الأقل أدلةً واضحةً فيه) وربما يكون ذلك سببَ عدم الاهتمام به سابقاً.
قد يخطُرُ في بالك أثناء قراءةِ المقالِ أننا محاطون بشتى أنواعِ الضوضاء فما فائدةُ الكلام عن ذلك؟... يحمل التعرضُ المستمرُّ والمتصاعدُ لمصادرِ الصوتِ المزعجِ آثاراً سلبيةً على الصحة العامة، فقد أظهرت الدراساتُ وجودَ علاقةٍ مباشرةٍ بين الضجيجِ والصحة إذ ترتبط مشاكلُ عدةٌ كالإجهادِ وارتفاع ضغط الدم والتلعثم في الكلام وفقدان السمع واختلال النوم وفقدان الإنتاجية مع الضَّوضاء، ويعَدُّ فقدان السَّمع الناتجُ عن الضجيج Noise Induced Hearing Loss (NIHL) أكثرَ المشاكل انتشاراً لكنه ليس الوحيد فالتعرض لمستوياتٍ ثابتةٍ أو عاليةٍ من الضوضاء يتمخض عنه مضار صحية لا تعد ولا تحصى.
إن الأصواتَ العالية والمفاجئة تضر طبلةَ الأذن في حينِ يسببُ الضجيجُ المستمرُّ تلفاً في الأذنِ الوُسطى ويسبب كلا النوعين ضرراً نفسياً. تعطل الضوضاءُ النومَ والتواصلَ والعديد من المشاكل المرتبطة بالقلب والجهازين التنفسي والعصبي. إنَّ التعرُّض للضجيج لا يسببُ خفض مقاومة الأمراض وحسب، بل القرحة والربو والتهاب القولون والصداع والإحباط واضطراب التعلم لدى الأطفال أيضاً. يـــُـضـــِـــرُّ الضجيج بالماشية والحيواناتِ الأليفةِ والبريةِ ويسبب اضطراب عمليات التغذيةِ والتكاثرِ عند الأحياء. قد يَضُرُّ الاهتزاز الناتج عن الضجيج العالي جداً ببعض الممتلكات والعقارات ناهيك عن التكاليف الاجتماعية الاخرى.
يقدَّر خطرُ الضجيج بالاعتماد على كثافته أو عُلُوِّه (الذي يقدر بالديسبل) ومدته وتواتره؛ حيثُ يعتبرُ التواترُ المتوسطُ أقلّ ضرراً من شديدِ وقليلِ التواتر كما أن الضجيجَ الموصوفَ بالأبيض (أي الذي يغطي الطيفَ الترددي للصوتِ بكامله) هو أقلُّ ضرراً من الضجيجِ المحصور بطيفٍ محدد. وقدْ يكونُ الضجيجُ مستمراً أي حاضراً في الخلفية باستمرارٍ أو يكونُ بشكلِ ذُرُوَاتِ ضجيجٍ قصيرةٍ ومرتفعة.
إن التعرُّض لأكثرِ من 8 ساعاتٍ يومياً لصوتٍ يفوقُ الـ 85 ديسبل ينطوي على مخاطرَ جمـّـة، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن 4 - 5 ملايين عاملٍ في الدول المتقدمة كألمانيا (12 - 15% من مجموع العاملين) يتعرضون لضجيج يفوق هذا المقدار.
قدرت EPA (وكالة حماية البيئة الأمريكية US Environmental Protection Agency) أن نحو 20 مليونِ أمريكيٍ تعرضوا للتلوث الضوضائي يومياً إلى الحد الذي تسبب بفقدان السمع. وفي عام 1990 تعرض ثلاثون مليوناً في الولايات المتحدة لضجيجٍ يفوقُ الـ 85 ديسبل مقارنةً بتسعةِ ملايين فقط خلال العام 1981. يعاني 5 ملايين طفل في الولايات المتحدة ممن تتراوح أعمارهم بين 6 - 19 عاماً من ضعفِ السمع بسبب الضجيج. إنَّ التحضر والتصنيع هو ما سلَّط مزيداً من الضوء على التلوثِ بالضجيج فقد ازدادت مستويات الضجيج 11% بين العامين 1987 و1997 في الولايات المتحدة.
تجري الـ EPA تجاربها وتحقيقاتها حول تأثير الضوضاء على الصحة والمجتمع وتَخضعُ وفقاً لقوانينِ هذه الوكالة مصادرُ الأصواتِ مثلُ الشاحناتِ والدراجاتِ النارية ومعدات النقل والسككِ الحديدية للمراقبة.
يُمكنُ السيطرة على التلوث بالضوضاء من خلال التحكمِ بالمصدر أولاً كتغييرِ مسارات النقل وإعادةِ هندسة الآلات لتقليل الضجيجِ الذي تُصدره كما يمكن إقامة الحواجز والأسوار وغيرها من عوازلِ الصوت. تعتمد إحدى الحلول الجديدة على تثبيتِ ألواح الطاقة الشمسيّة على حافّة الطرق السريعة لتكون بمثابة حواجز للصوت؛ تحجبه عن مقيمي الأماكن القريبة، وبذلك تكون الفوائد البيئيّة مزدوجة للحدّ من التلوث الضوضائي وتوليد الطاقة النظيفة. يبقى الإجراءُ الأهم حمايةَ السمع بشتى الوسائل الممكنة.
يؤكدُ العاملونَ في مجال الضجيج على أنه وكغيره من أنواع التلوث يمثــّـل قضيةً معقدةً ذاتَ مسؤوليةٍ مشتركةٍ بين الأفراد والمنشآت مما يوجبُ إيجادَ حلولٍ متعددةٍ ومتخصصةٍ وجديدة. وتُمثلُ تقنيةُ التحكمِ النشطِ بالضجيجِ حلاً واعداً للمستقبل حيثُ تُستخدمُ المعالجات الرقمية التي تحوِّل الاصواتَ التناظرية (Analog Sounds) إلى إشاراتٍ رقميةٍ يمكن للحاسب أن يمسَحها بصوتٍ يعاكِسها. أخيراً فإن التلوثَ بالضجيجِ لم يَنَلْ حتى الآن القسطَ الوافي من الاهتمامِ برَغمِ ما ذكرناه من آثارهِ السلبيةِ على البيئةِ والأفرادِ والمجتمع.
المصادر:
اقرأ أيضاً مقالنا السابق بعنوان "الصوت العالي ... احذر من خطره" من هنا