العمارة والتشييد > الترميم وإعادة التأهيل
إعادة إحياء المركز الحضري في مدينة تونس
تبرز في وقتنا الحالي الكثير من الأصوات المطالبة بإيقاف الزحف العمراني للمدن الحديثة على حساب المدن التراثية القديمة، والحفاظ على هذه المناطق الأثرية بما تحمله من إرثٍ ثقافي وحضاري. وتساهم مؤسسات المجتمع المدني بشكلٍ كبيرٍ في حماية هذا الإرث والوقوفِ في وجه هذه التوسُّعات. سنسلّط الضوءَ في هذا المقال على تجربة جمعية إنقاذ المدينة القديمة في تونس والتي حازت على جائزة الآغا خان للعمارة.
تُعتبر عمارةُ القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في شمال أفريقيا تجسيداً لأهمية التبادل الثقافي الناتج عن تبادل الخبرات بين شمال وجنوب المتوسط. غالباً ما يكون هذا الإرث الحضاري متاخماً لنسيج المدينة القديمة مما يؤدي إلى إهماله من قِبلِ عمليات الإحياء في مراكز هذه المدن. بُنيت المدينةُ التونسية الحديثة خلال فترة الاستعمار الفرنسي وكانت انعكاساً للنمط العمراني للمدينة القديمة باندماجها مع شبكة التّصميم العمراني الحديث لتعطي طابعاً جديداً للمدينة. وُضعت خطّةُ الإحياء ونُفِّذت من قِبل جمعية إنقاذ المدينة القديمة في تونس ASM الّتي تأسّست عام 1967 من قبل بلدية تونس. تهدف الجمعية بشكل أساسي إلى إعادة تأهيل صورة المدينة القديمة وإعادة تحديد دور المدينة القديمة داخل التجمُّعات السّكنية الحضرية، للحفاظ على خصوصية ووحدة المدينة التّاريخية وضمان اندماجها بغاية حمايتها من التّهميش.
قامت الجمعية منذ عام 2007 وحتى الآن بإعادة هيكلة الفراغات والسّاحات العامّة حول شارع بورقيبة وشارع فرنسا واعتُمد على هذين الشّارعين كنقطةِ بدايةٍ لعملية الإنقاذ. واعتمدت أيضاً على تصنيف مناطقَ هامّةٍ في هذه الشريحة كمسرح الأخبار التونسي والسوق المركزية بالإضافة إلى المحكمة الإدارية وقصر السينما، حيث تمّت إعادةُ توظيف هذه المواقع أيضا بتكلفةٍ وصلت لـ 19.5 مليون دولار. قادت منظمةُ ASM بنشاطٍ كبير العديدَ من الحركات المؤسّساتية والفردية في المجالات العامة والخاصة الداعمة والمنفّذة لمشاريع الحفاظ على التراث.
رأي اللجنة: "إنّ عمليةَ إحياءِ التُّراث العمراني المنحدر من القرنين التاسع عشر والعشرين في حي البحار في تونس هي عمليةٌ مهمّةٌ وملهِمةٌ لتغيّر فهمَنا للتاريخ الإسلامي الحديث بالإضافة إلى الإضاءة على عمارةٍ نشأت في عهد الاستعمار."
"تكمن أهمّية ما حقَّقتْه جمعيّة إنقاذ المدينة القديمة في تونس (ASM) في حفاظها على المعالم والواجهات التابعة لهذه المرحلة، إذ تعرّضت للإهمال والتدمير في العديد من المدن الإسلامية. بل كانت الجمعية ببرنامجها تطرح فكرةً محفّزةً لإنعاش فكرٍ اقتصاديٍ جديد طموح وانتقائي. لم يعتمدِ المشروعُ فقط على إعادة الحياة والإزدهار للمناطق المدروسة بل وعزّز فهمَ تاريخِ تونس الحديث دون تمويه طبيعة الاستعمار"
"وأثار أعجابنا ايضا ما حقّقته جميعةُ إنقاذ المدينة القديمة في تونس وما أظهرته خلال قيامها بعملياتها من جهودٍ جبّارةٍ رغم أنّها منظّمة صغيرةٌ تعملُ بوسائلَ متواضعةٍ ولكن بحماسٍ كبيرٍ لنقل المعرفة التّقنية المكتسَبة في الحفاظ على المدينة القديمة إلى المركز الحضري العمراني في تونس. وتمّت خلال عملية الإحياء دراسةُ واستشارةُ المجتمع المحلّي للتحقُّق من وجود أيِّ أعمالٍ تساعد عملية الإحياء بما يجعلها عملية مستدامة. انعكست هذه الأهداف على التّمويل المبتكَر للمشروع من خلال العمل على تدريب أصحاب الحرف للقيام بعمليات الترميم ."
"كانت العديدُ من الدّول الإسلامية خلال فترة الاستعمار ضحيّةً لتجاربَ تطويرِ أفكارٍ متطرّفةٍ من قِبلِ المعماريين الشُّبّان الأوروبيين. في حينِ أبرزت هذه الدّول الإسلامية قدرتَها على طرح عمليّاتِ تنشيطٍ لمراكزِ المدن الحضرية تتميِز بالدّقة والطموح، وأبرزت هذه الدّول أيضاً قدرتَها على لعب دورٍ قويٍّ في ابتكارِ طرقٍ لتجديدِ التُّراث الحديث."
المنهجيةُ الصّحيحةُ والدراساتُ الشاملةُ هي أساسُ وضعِ أفكارٍ حديثةٍ بوسائلَ متواضعةٍ لحماية التُّراث في كافّة أنحاء المدينة من مركزها حتى أطرافها. وإنّ زرعَ الحياة في المناطق الأثرية يُعتبر أساسَ الحفاظ عليها فلا روح للتراث بلا ساكنيه.
المصدر: