المكتب الإعلامي > مقابلات
لقاء مع الدكتور كريم أبو حلاوة
"عائدات براءات الاختراع في كوريا الجنوبية وحدها تفوق قيمة عائدات النفط العربي كله"، بهذه الكلمات بدأ الدكتور كريم المقابلة. " إن بلداً كسنغافورة، بلدٌ فقير لاتوجد به أيّ ثروة معدنية، صُنف مؤخراً واحداً من أكثر الدول التي حققت إنجازات تنموية هائلة وقفزات رائعة في تخطّي عقبة الماضي". إن الإنسان هو الثروة التي لم ولن تنضب، فلماذا لا نستثمر بها؟ إنه الثروة الحقيقية.
عن قوة المعرفة وانتقالها كقوة إنتاج رئيسية وغير ذلك من المحاور الهامّة كان لقاؤنا.
الدكتور كريم محاضر في جامعة دمشق في كلية العلوم السياسية، ومدرس في المعهد العالي للدراسات السكانية، مختص في دراسات التنمية السياسية وتطوير المجتمع المدني وله عدة كتابات في هذا الصدد، كان لنا معه الحوار التالي:
1- العلم قوة، كانت مصادر القوة عبر التاريخ هي القوة العسكرية والاقتصادية والإعلامية، أما اليوم فتبرز لدينا قوة تعد هي أساس القوة وأبرزها وهي قوة المعرفة، كيف نشأت وماذا تعني؟ وما هي انعكاساتها على العملية التنموية ؟
قال العلماء أنَّه في كل ثلاثين سنة تنتج البشرية من المعرفة الجديدة ما تساوي انتاجها سابقاً عبر آلاف السنين، لقد فهم علماء المستقبليات مقدار التحولات الجذرية الحاصلة في العالم فقد كان "ألفين توفلر" من أوائل الذين نبّهوا لوجود موجة حضارية جديدة والتي اختلف العلماء حول تسميتها، فالبعض سمّاها عصر المعلومات وآخرون سمّوها ثورة المعرفة أو الانتقال لمجتمع المعرفة، ولكن التسميات مجتمعةً تعكس التحول باتجاه اكتشاف أهمية المعرفة ودورها في عالم اليوم. مما لاشك فيه أنَّ القدماء كان لديهم اهتمام بالمعرفة والعلم، ولكنَّ الجديد هو أن تصبح المعرفة قوة إنتاج، وأن يصبح لرأس المال مصلحة في تطوير المعرفة، فقد ظهرت في العقدين الأخيرين فروع جديدة من المعرفة وأخذت دورها بشكلٍ متسارع وانفجاري كالبرمجيات والذكاء الصنعي والهندسة الجينية والفضاء والمواد الجديدة المُخلقّة، وبسبب طبيعة التحولات التكنولوجية التي تميز العصر الراهن، أصبح الانتقال من الاكتشافات العلمية والأفكار والنظريات الجديدة وبراءات الاختراع إلى التطبيق ممكناً، ويتم في فترات أقصر وسرعان ما يستخدم في حقل من حقول الحياة. هذا التضافر بين العلم والتكنولوجيا خلق ثورة جديدة في عالم المعرفة وكماً كبيراً من التراكم العلمي والتقني غير المسبوق.
لقد أصبح البحث العلمي أحد مرتكزات النمو، ومن الصعب اليوم الحديث عن علاجات تنموية دون إعطاء البحث العلمي ما يستحق من الاهتمام، واعتبار العقول والاستثمار بالإنسان هي الثروة التي لا تنضب. يقول توفلر:" الغني في المستقبل هو غني المعلومات، والفقير هو فقير المعرفة"، إلا أن هذا لا يعني عدم الاهتمام بالزراعة أو الاستثمار بالنفط وغيرها، ولكن علينا أن ندرك أن ما يتم إنتاجه في حقول المعرفة يعود بأضعاف مضاعفة عمّا عداها من القطاعات. يقول مهاتير محمد: النجاح في السوق يبدأ في الفصل الدراسي.
اقتصاد المعرفة هو حقلٌ جديدٌ نسبياً، يرتبط العمل به بشكل أساسي في الاستثمار بالمعرفة بكفاءة، في كل ميادين الحياة. يتجلى بالأسهم والأوراق المالية والتسوق عبر النت وكل ما ينتجه له قيمة مضافة ويستخدم العلم والاتصالات، وبناء الإنسان هو الأساس وهذا الذي جعل الشركات تهتم بالانتقال إلى مجتمع المعرفة واعتبار النجاح في هذا الحقل مقدمةً للنجاح في السوق، وبالتالي في التنمية عموماً.
2- تميز الدراسات التنموية بين فقر الدخل المعروف بأنه الحد اللازم لتأمين الحاجات الضرورية وفقر القدرات، فما هو فقر القدرات؟
فقر القدرات: كان يحكى عن الفقر كشكلٍ من أشكال الحرمان، ويُقاس من قدرة الدخل على تلبية الحاجات الأساسية للإنسان، وبالتالي فالحديث عن خط الفقر يعني أن هذا الدخل لا يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية لبقاء الإنسان، وهنا يتم الإشارة إلى الفقر المادي والذي يصعب قياسه والتعرف عليه، إلا أن هناك أشكالاً من الفقر لاتقل تأثيراً عن الحرمان المادي كالحرمان من الفرص والتعليم والتمييز تبعاً للجنس (gender)، إن هذه الأشكال من الفقر غير مادية لكنها مؤثرة، وهذا ما يطلق عليه فقر القدرات. والطّامة الكبرى تتجلى إذا ما اجتمع كلاهما، وهذا ما يُعتبر تحدياً تنموياً للدول، إذ يكون عليها أولاً رفع مستوى الدخل لدى الناس إلى ما فوق خط الفقر، وثانياً تلبية الحاجات المتعلقة بالرفاه الإنساني. إن معالجة فقر القدرة عملية صعبة تحتاج لنفسٍ طويل وتتطلب برامج ودراسات تنموية ليتم إحراز خطوات متقدمة في القضاء عليه، وعلى الخطوات أن تكون مختارة بعناية لتحقق أعلى رصيد مع أطول مدّة وتوازن. ففي الهند مثلاً هناك منطقة يتجمع بها العلماء والخبراء حيث يعملون بالذكاء الصنعي، فرصهم كثيرة ودخلهم مرتفع، ولكنهم جزر في بحرٍ من الحرمان، وبالتالي لم تنتقل آليات النجاح التنموي للمجتمع العريض وهذا ما يسمى بالنمو غير المستدام أو الظالم أو الرديء، وهو نموٌ لا يُعوَّل عليه.
مجتمعنا يتمتع بقوة بشرية هائلة إن أحسنّا الاستثمار فيها. من خلال التعليم والتدريب الجيد من الممكن أن نصل لنتائج مهمة، فثورة المستقبل ليست قمحاً ولا نفطاً بل هي اكتشافات وقوانين جديدة، ومن ينتج يكون موجوداً على الخارطة ويستطيع أن يجد مكاناً له تحت الشمس.
- في النهاية د.كريم نود أن نشكرك على استضافتنا في هذه المقابلة، كما نرغب أن ننوه إلى أن الكثير من كتبك كانت مراجع لمقالات عديدة قمنا بنشرها في قسم الفلسفة والعلوم الاجتماعية.
- وأنا أشكر لكم هذه الفرصة التي منحتموني إياها لنعبّر ولو قليلاً عن مواجع نشترك جميعنا بها، ونأمل أن نلتقي بوضعٍ مشرقٍ أفضل.
جرى اللقاء في دمشق يوم الأربعاء 28 نوفمبر 2015