التاريخ وعلم الآثار > شخصيات من سورية
شوام مصر... دور ريادي رغم قلة عددهم
بالرغم من دورهم الريادي الذي ساهم بما يعرف بالنهضة العربية، إلا أنهم من الفئات التي قليلاً ما يتم ذكرها أو تسليط الضوء عليها؛ إنهم الشوام الذين هاجروا إلى مصر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تاركين وراءهم بصمات كبيرة في شتى المجالات الثقافية والاقتصادية والأدبية والتي مازالت خالدةً إلى يومنا هذا . فمن هي هذه المجموعة وما الدور الذي لعبته في مصر. تعالوا لنتعرف في هذا المقال...
الأسباب التي دفعتهم للهجرة:
تعود العلاقات التي تجمع بين وادي النيل، والجبال والشواطئ التي تشكل ما يعرف اليوم بسورية ولبنان إلى غابر الأزمان. وهذه العلاقات تجاريةً كانت أم ثقافية، فقد استمرت رغم كل النزاعات في المنطقة، ونتيجةً لها نشطت حركات هجرة كبيرة اتجهت بشكل بارز إلى منطقة أكثر من الأخرى.
فقد أسفر الانشقاق الذي أصاب الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية في سوريا عام ١٧٢٤ بسبب تأسيس كرسي بطريركي متصل بروما، إلى هجرة أعدادٍ كبيرةٍ من الطائفة الناشئة حديثاً (الملكيين الكاثوليك) من دمشق وحلب وزحلة وصيدا نحو مصر.، و قد كانوا بأغلبهم منحدرين من عائلات متوسطة الدخل عملت في التجارة أو صناعة القطنيات التي كانت صناعةً حديثةً آنذاك.
نال البطريرك مكسيموس الثالث مظلوم من السلطان العثماني آنذاك، اعترافاً بكنيسته يصرح له حل الأمور الدينية و المدنية، فقام بدعمَ وجود وتطوير الكنيسة في الاسكندرية حيث عين أسقفاً لها، كما شجع على إنشاء المؤسسات الخيرية والكنائس لأبناء الطائفة المهاجرين إلى مصر.
لقد شجعت الإصلاحات التي قادها محمد علي والحكم الذاتي المتنامي الذي نالته مصر من الدولة العثمانية في ذلك الوقت الشوام للقدوم إليها. إلا أن الخديوي عباس الأول حاكم مصر آنذاك، سعى إلى فرض قيود على القادمين الجدد، ولكن محاولته تلك باءت بالفشل، فقام خليفته سعيد باشا بتوثيق روابط الصلة و التبعية مع أوروبا، و دأب على متابعة سير هذا التوجه الأوروبي الذي سار بشكلٍ طوعيٍ في البداية، ثم تحت الإكراه من قبل المحتل البريطاني حينها عام 1882 أثناء حكم الخديوي اسماعيل و الخديوي توفيق.
إن التطور الذي طرأ على الجهة الشمالية من البحر المتوسط (أي أوروبا) كان نموذجاً يحتذى به، وتماشياً مع التوجه الأوروبي الحاصل في مصر كان لا بد من تعلم لغاتٍ أجنبية ، فاستغل الشوام هذه الفرصة، إذ أن عدداً كبيراً منهم لدى هجرتهم إلى مصر كان يتقن لغاتٍ أخرى غير العربية، كانت الفرنسية الأوفر حظاَ لديهم؛ فاستطاعوا ربط أواصرهم بجذور الأرض المصرية من خلال المدارس و التعاليم الدينية التي ربما كان لآبائهم نصيبٌ فيها.
أوضاعهم في مصر:
أدى افتتاح قناة السويس إلى نهضة اقتصادية كبيرة ونشوء العديد من الشركات والمصارف الأوروبية التي اعتمدت في أغلبها على الشوام. كذلك لعبت العائلات الشامية دوراً هاماً في إنشاء وتطوير القطاع الخاص في مصر، حيث نجحوا في زراعة القطن والتوت، بالإضافة إلى المهن الأخرى كالمحاسبة والمحاماة و الطب والهندسة والترجمة والسياسة. استقر معظم الشوام في مدنٍ مختلفة، كالقاهرة والاسكندرية ودمياط والمنصورة وطنطا؛ و قد كانوا أسرع من الأقباط في استغلال الدستور المصري الذي أقر مبدأ المساواة القانونية لجميع المواطنين، و منح المسيحيين كامل حقوقهم المدنية. لقد عمت الحرية الثقافية و السياسية أنحاء البلاد، إلا أنها برزت بشكل أكبر في القاهرة خاصةً بعد أن قام السلطان العثماني عبدالحميد الثاني بتعليق الدستور، و شجع المثقفين العرب على إطلاق الصحف و القيام بالنشاطات الثقافية التي سرعان ما ازدهرت في أنحاء البلاد.
و مع مطلع القرن العشرين بلغ تعداد الشوام في مصر ما يزيد على مئة ألف عملوا في مختلف المهن سواءً صناعيةً كانت أم خدميةً و تجارية، وقدرت ثرواتهم بمليار ونصف فرنك أي ما يشكل ١٠٪ من الناتح المحلي الإجمالي لمصر. دفع هذا النجاح الاقتصادي الشوام إلى إنشاء مدارس ونوادي وجمعيات خيرية خاصة بهم، ارتبطت غالباً بكنائسهم التي كانت بمثابة صلة الوصل بين هذه العائلات الشامية المهاجرة. أما اليوم فقد تناقصت أعدادهم بشكل كبير بسبب طريق الهجرة الذي سلكوه للمرة الثانية نحو بلاد الاغتراب في أوروبا وأمريكا الشمالية.
أهم أعلامهم:
إسهامات الأفراد الشوام ونشاطهم هو ما ميز هذه المجموعة الصغيرة نسبياً، حيث نرى دوراً كبيراً لهم أعظم من نسبتهم العددية.
الأخوان تقلا: هما سليم وبشارة تقلا اللذان أسسا جريدة الأهرام (رائدة الصحف المصرية) في ديسمبر من العام 1875، وصدر العدد الأول في 5 أغسطس 1876.
حبيب باشا السكاكيني: رجل أعمال ومقاول وقد ذاع صيت قصره الفخم المبني على الطراز الإيطالي والذي تبرع به بعد موته للحكومة المصرية.
نعوم شبيب: من أهم رواد العمارة المصرية الحديثة ومصمم برج القاهرة الذي يعد أبرز معالم العاصمة ورموزها.
يوسف شاهين:أهم رواد السينما المصرية ومخرجيها.
عمر الشريف: ممثل عالمي بالغ الشهرة.
الأخوان صيدناوي:مؤسسَي شركة الصيدناوي التي كانت من أشهر المتاجر في مصر وقد امتلكت عشرات الفروع.
خليل مطران: شاعر وأديب معروف.
وغيرهم الكثير من الأسماء كجرجي زيدان وفرح أنطون وبديعة مصابني ومي زيادة.
الشكل (1): قصر السكاكيني باشا
الشكل (2): بشارة وسليم تقلا
الشكل (3): أحد فروع محلات الصيدناوي الشهيرة
المصدر: