الفنون البصرية > أساطير الشعوب
أولاد قدموس
بعد اختطاف الإله زوس للسوريّة أوروبا، وفشلِ إخوتها في استعادتها، وبعد بناء قدموس مدينتَه طيبة وزواجه من ابنة الإله آريس هرمونيا كما رأينا في المقال السابق، أنجب منها أولاداً هم أوتونيه "Autone"، وإينو "Ino" (أو ليكوثيا "Leucothea") الإلهة البحرية، وسيميليه "Semele"، وأغافيه "Agave" التي ستتزوج أحد الإسبارطيين الخمسة جنود قدموس الذين بنوا طيبة وهو إيشيون، وبوليدوروس "Polydoros" أحد الّذين حكموا طيبة بعد قدموس وهو والد لابداكوس "Labdacus" الذي أنجب لايوس "Laius" والد أوديب "Oedipe".
أتونيه وابنها أكتيون:
إحدى بنات قدموس وهي أوتونيه "Autone" كان لها ابناً اسمه أكتيون "Actaeon" كان صياداً ماهراً، خرج ذات مرة للصيد هو ورفاقُه، بصحبةِ خمسينَ كلباً من أفضل الكلاب، وبعد فترةٍ من الصّيد الجيّد استراحوا، فأخذ أكتيون يجول في الغابة مستكشفاً، وكان في الغابة غاراً لم يقترب منه بشريٌّ يوماً، اعتادَت الإلهة ديانا أن تستحمّ فيه، وقد نزلت فيه كعادتها بعد الصّيد لتستحمّ، ففاجأها وجودُ أكتيون الّذي رآها عاريةً، وساءتها هذه الإهانةُ، وفي حين لم تكن سهامَها معها لتقتلَه، فرشَّته بالماء الذي تستحمّ به ومسخته ليصبح وعلاً. بات أكتيون لا يعلم ماذا يفعل، أيبقى في الغابة أم يعود إلى أصدقائه، وقد أصبح وعلاً ولم يعد باستطاعته الكلام. وبينما كان يجولُ في الغابةِ طاردَته كلابه الخمسين وافترسته.
سيميليه وابنها ديونيزيوس إله الخمر (أو باخوس عند الرومان):
أما ابنة قدموس سيميليه "Semele" الجميلة، فقد أحبها زوس وكانَ له علاقة بها ليست عابرةً وإنما دائمة، ودائماً ما ظهر لها بهيئته البشريّة. وهذه العلاقة التي كانت بينهما أثارت غيرةُ زوجةِ زوس الإلهة هيرا، فتكلّمت مع سيميليه وأغوَتها لتطلبَ من زوس أن يظهر أمامَها بهيئته الإلهيّة. وعلى الرغم من خطورة ظهور الإله بهيئتِه الحقيقيّة أمام البشر، إلّا أن سيميليه أصرّت على زوس ليظهر كإلهٍ أمامها، فأحرقها بريقهُ الإلهي وقد كانت حاملاً بابنه بشهرها السادس، لكنّ زوس استطاع إخراج الطفل "ديونيزيوس" قبل أنْ تصله النار، فشقَّ فخذَه ووضعَ الطفلَ فيه ليكمل فترة الحمل. وما إنْ ولِد الطفل حتّى عهد به إلى خالتِه إينو "Ino"، وزوجها آتاماس، وكانت الوحيدة من جميع إخوتها التي لم تُخْزِها العلاقة التي كانت بين أختها سيميليه والإله زوس وحزنت لما حلّ بها.
ومن شدّة انزعاج هيرا من تربية إينو وآتاماس للطفل "ديونيزيوس" الّذي ولد جرّاء علاقةٍ بين زوجها الإله زوس وفتاةٍ أخرى، أصابتهما بمسٍّ من الجنون، فألقيا بنفسيهما في البحر، وتلقى إله البحر بوزيدون إينو وجعلها إلهة بحريّة دعيت ليكوثيا"Leucothea".
(وفي روايةٍ أخرى طارد آتاماس زوجتَه وابنَها وقتلهما ثم رماهما في البحر حيث اصطفى الإله بوزيدون إينو وجعلها إلهة بحريّة)
أما الطفل فحوّله زوس إلى جدي خوفاً عليه من غضبِ هيرا، وعندما كبُر قليلاً عاد إلى هيئته البشرية ودفعه إلى الإله هرميس الذي عهد به إلى عرائس جبال نيسا فاعتنين به، ولما شبّ ديونيزيوس وكان قد اكتسب ملامح أنثوية نظراً للتربية الخاصة التي خضع لها، وعلى الرغم من ذلك لم يُخفى عن هيرا، فجعلته يجوب الوديان والغابات ليكتشف عصير الكرمة، الّذي أدمنه، وأصابه بالجنون، لكن مربيه سلنوس أخذه وقصدا "سنديان ذذون"، وسألها عن وسيلةٍ لشفائه. لمّا تداوى الإله السكير أخذ يجوب الآفاق لينشر فوائدَ الخمرِ ويحمل النّاس على عبادته كإلهٍ للخمر، فوصل سوريا ومصر وفيرجيا وعلّمهم زراعة العنب وصنع الخمر. وكان يتبعه دائماً جمعٌ كبيرٌ من النسوة، تابعات إله الخمر (ديونيزيوس) الهاذيات ومثيرات الضجيج.
وصل ديونيزيوس تراقيا، وأراد أن يدخِل عبادته إليها، إلّا أنّ ملك البلاد ليكورغ"Lecurge" استاء منه ومن الشّابات اللّواتي يهذين كتابعاتٍ متعصباتٍ لألوهةٍ جديدة، فلاحقه الملك وأتباعه. هرب بدايةً منه وأخفته الإلهة ثيتيس (والدة أخيل فيما بعد) لفترةٍ من الزمن، لكن بعد أن خرج من مخبأه قضى على جميع من تحرّك ضده واجتاز آسيا منتصراً. عاد ديونيزيوس إلى طيبة، في الوقت الذي كان يحكمها بانتيوس"Panthos"، ابن خالته أغافيه"Agave" أخت سيميليه وزوجة إيشيون"Echion" أحد الرجال المبذورين. وكان بانتيوس قد ورث الحكم من جده قدموس الّذي شاخ جداً على الحكم.
هذه المرة لم يدخل ديونيزيوس إلى طيبة بصفته إلهاً، بل كاهناً لهذا الإله، ترافقه العديد من النّسوةِ تابعاتٍ هذا الإله، مستقطباً العديد من الشابات والنساء الطّيبات ليتبعن هذا الإله، ويُثرن ضجةً في شوارع طيبة، يجلسن ويأكلن وينمن في الهواء الطلق. هؤلاء السيدات المهيبات جعلهن ديونيزيوس مجنونات لأنّه لم يغفر لأخوات أمه اللواتي زعمن أن سيميليه لم تكن على علاقة بزوس، وإنما كانت على علاقاتِ حبٍ بمن لا يمكن معرفتهم جيداً، واحترقت بسبب إهمالها.
عندما رأى بانتيوس هذه الفوضى في مدينته، استولى عليه الغضب وأراد طرد هذه النسوة، وفي كل مرة يلقي القبض عليهن يخلصهن ديونيزيوس بقواه الإلهية، إلى أن ألقى بانتيوس القبض على ديونيزيوس، فحطم ديونيزيوس قيوده بقواه وأحرق القصر، وأصاب نساء طيبة بمسٍ من الجنون فقتلن ملكهن (وفي رواية أخرى يقال أن أمبانتيوس أغافيه قد قطعت رأسه ولم تنتبه إلى فعلتها إلا بعد أن استعادت رشدها).
ولم ينس ديونيزيوس أمه سيميليه، فنزل إلى العالم السفلي وأعادها وصعدا الأولمب سويّة.
المراجع:
• فراس السواح، لغز عشتار الالوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة، ط2، (سومر للدراسات والنشر والتوزيع، قبرص، نيقوسيا، 1986) ص: 330
• سهيل عثمان وعبد الرزاق الأصفر: معجم الأساطير اليونانية والرومانية، (منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1966) ص:32-48-53-60–104-148–176–189–270–305–347–344.
• الأب فؤاد جرجي بربارة، الأسطورة اليونانية، (مطابع وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق: 1966) ص:207–212.
• جان بيير فرنان، الكون والآلهة والناس -حكايات الناس الإغريقية، تر: محمد وليد الحافظ، ط1، (الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق:2001)ص-ص: 105-117.
• اوفيد، مسخ الكائنات، تر: ثروت عكاشة، ط3، (الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1992) ص-ص: 69- 90