التاريخ وعلم الآثار > التاريخ
سراديب الموتى في باريس... الجانب المظلم لمدينة الأضواء الشهيرة
ما يميز باريس أنها تدعى "مدينة الأضواء" ولكن ما يثير الدهشة هو ما يوجد أسفل هذه المدينة الأوروبية المزدحمة والمكونة من 12 مليون نسمة. هناك حيث العالم الخفي المظلم الذي يحوي 6 ملايين من سكانها السابقين! نعم إنها سراديب الموتى في باريس. فكل ما يوجد في أعلى المدينة، هناك مثيل مشابه له في أدناها. للتعرف عليها أكثر يمكنك متابعة مقالنا التالي....
سراديب الموتى في باريس عبارة عن شبكة من الكهوف القديمة والمحاجر (المقالع) والأنفاق التي تمتد مئات الأميال والمصفوفة بعظام الموتى. يعود أصلها إلى محاجر للحجر الجيري والواقعة على مشارف المدينة. حيث كان يتم استخدام هذه الموارد الطبيعية منذ زمن الرومان كمواد بناء للمباني وهي التي ساهمت في نمو وتوسع المدينة. إلا أنه خلال النصف الثاني من القرن الـ 18، تم تحويل هذه المحاجر - والتي وصلت حد المدينة وذلك بسبب توسعها على مر القرون- إلى أماكن للدفن.
بحلول القرن الـ 18 أصبحت المقابر الباريسية مكتظة، ومثال على ذلك مقبرة "الأبرياء"، والتي تعد أكبر مقبرة في باريس، مما أدى إلى انتشار الدفن غير اللائق والقبور المفتوحة والجثث المكشوفة. بطبيعة الحال، بدأ الناس الذين يعيشون بالقرب من هذه الأماكن يشتكون من الرائحة القوية وذلك بسبب تحلل الأجساد الميتة، بالإضافة لانتشار الأوبئة والأمراض بسبب المقابر المفتوحة.
في عام 1763، صدر مرسوم من قبل الملك لويس الخامس عشر بحظر جميع مدافن العاصمة. إلا أن الكنيسة لم ترغب في الإخلال بالمقابر أو حتى نقلها من مكانها وعارضت تنفيذ المرسوم. نتيجة لذلك بقيت المقابر كما هي ولم يفعل بها أي شيء. واستمر الوضع حتى عام 1780 عندما هطلت أمطار ربيعية غير متوقعة لوقت طويل تسببت في انهيار مقبرة الأبرياء، مما أدى إلى تعفن الجثث في الأحياء المجاورة وتفسخها. وعندها اضطرت السلطات الفرنسية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة.
الشكل (1): مقبرة الأبرياء في باريس حوالي عام 1550
في عام 1786، تم بدء العمل في المحاجر لتحويلها إلى سراديب موتى باريس. استغرق الأمر سنتين لنقل جميع العظام من مقبرة الأبرياء إلى سراديب الموتى. وعلى مدى العقود التالية، تم إزالة عظام الموتى من المقابر الواقعة حول باريس لإعادة دفنها في سراديب الموتى. وعلاوة على ذلك، وبعد الثورة الفرنسية بدأت ممارسة دفن الموتى الحديثين في سراديب الموتى مباشرةً.
وفي عام 1859 تمت آخر عملية نقل للعظام، وذلك خلال فترة تجديد باريس وإعادة بنائها على يد المهندس جورج أوجين هوسمان، وتم الانتهاء من العمل أخيراً في عام 1860 . وبعد سبع سنوات، فتحت السراديب للجمهور، حيث امتدت هذه الأنفاق لإكثر من 300 كيلومتر (186ميل).
الشكل (2): سراديب الموتى هي المثوى الأخير لملايين الباريسيين
على الرغم من أن هذه السراديب لا تزال إلى يومنا هذا مفتوحة لعامة الناس، إلا أنها محدودة بجزء صغير من الشبكة الكلية فقط. فقد تبين في عام 1955 أنه من غير القانوني الدخول إلى الأجزاء الأخرى من السراديب. ومع ذلك وخلال الأعوام 1970- 1980 تم استكشاف سراديب الموتى بطريقةٍ غير مشروعة من قبل مستكشفين متحضرين من باريس والمعروفين باسم " Cataphiles " .
رُممت بعض أجزاء هذه السراديب وتم تحويلها إلى مساحات إبداعية. على سبيل المثال، تحولت واحدة من هذه الكهوف الموجودة تحت الأرض إلى مدرج سري مزود بشاشة سينما عملاقة وأجهزة إسقاط. أما المنطقة المجاورة فقد تم تجديدها لمطعم وبار حيث يمكن لرواد المكان الحصول على وجبة خفيفة.
الشكل (3): مطعم من داخل سراديب الموتى
وتشير التقديرات إلى أن عدد الـ Cataphiles الذين يدخلون سراديب الموتى عبر مداخلها السرية يصل إلى 300 شخص كل أسبوع. إلا أن غير Cataphiles بالإضافة للسياح لم يكن مرحب بهم في كثير من الأحيان.
أي أنه منذ بداياتها كمحجر للحجر الجيري ومن ثم استخدامها كمكان لدفن الموتى في القرن الـ 18، وإلى الجزء الذي تلعبه اليوم في حياة الـ Cataphiles الذين يعدونها فرصة للهروب من الحياة الصاخبة في المدينة أعلاه، نود أن نشير إلى أن سراديب الموتى في باريس كانت ومازالت تعد سمة هامة من سمات المدينة.
المصدر: