المكتب الإعلامي > مقابلات
مقابلة مع الدكتور علاء الدين السبيعي: شعلة سورية تضيء من الولايات المتحدة إلى كل العالم
الإنسان هو أكثر الموجودات عطاءً، ومن خلال الاستثمار فيه نستطيع أن نقفز نحو المستقبل بخطواتٍ متينةٍ ثابتة، تتجاوز المصاعب كافةً.
ضيفنا اليوم شخصٌ لم يعرف لطموحه المتبوع بشغفه حدًا أو سقفًا، فكانت النتيجة براءة اختراع أمريكية ستتحول قريبًا إلى براءة اختراع عالمية، وذلك بعد اختراعه مادةً كيميائيةً يمكنها إزالة الشوائب العضوية من المياه بسرعةٍ تتجاوز مئات المرات سرعة جميع المواد المستخدمة اليوم في معالجة المياه حول العالم، وبأرخص التكاليف على الإطلاق.
مع الدكتور علاء الدين السبيعي الحاصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء العضوية في تقنية النانو من جامعة ألبرتا بكندا ومركز الأبحاث القومي الكندي لتكنولوجيا النانو، والذي يعمل حاليًا باحثًا بقسم الكيمياء والبيولوجيا بجامعة كورنيل في نيويورك، كان لنا الحوار التالي ..
1- بدايةً دكتور علاء علمنا والأوساط العلميّة بإنجازك الكبير، الذي يُمثل ثورةً حقيقيةً في مجال تنقية المياه. إنَّ أولَ سؤالٍ يخطر ببالي الآن هو كيف لمعت الفكرة في ذهنك، حتى قادتك لهذا الاختراع المهم والحيوي والذي يضع حدًا لمعاناة البشرية على هذا الصعيد؟
كنت أعمل في مجال الأبحاث التي تُعنى بتطوير بوليمرات عضوية ذات مساحة سطحية عالية ومسامات نانوية، بهدف تخزين وحفظ الطاقة الكهربائية. في الوقت نفسه حصلت مجموعتنا على دعمٍ ماليٍ كبير من هيئة الأبحاث القومية الأمريكية (NSF) للعمل على تطوير بوليمرات مشتقة من مواد طبيعية غير مضرة بالبيئة، وذلك بهدف تنقية المياه.
عندها بدأت بالعمل بشكلٍ منفرد في هذا المجال، وقرأت آلاف الأبحاث عن المواد المختلفة المُطورة سابقًا، كان عليَّ أن أتعلم وأقرأ كثيرًا عن طُرق البحث، والتحاليل المختلفة الموثوقة التي يجب أن أقوم بها. خصوصًا أنه لم يكن لدي أو لدى البروفيسور رئيس المجموعة أية فكرة عن تنقية المياه من قبل، ولم يكن لدينا أيضًا أية خبرة سابقة بالبحث بموادَّ مشتقة من مصادر طبيعية.
وجدت أثناء البحث أن المشكلة الرئيسية التي تُواجه العالم – المتحضر والنامي على حدٍ سواء – هي مشكلةُ الشوائبِ العضوية المنحلة بالمياه، ويواجه العالم صعوبةً كبيرةً في التخلص منها، وهي تُسبب الكثير من الأمراض الحالية، منها العديد من أنواع السرطان.
عندها قررت العمل في هذا المجال، وتفرغت تمامًا لتطوير بوليمر يستطيع إزالة هذه الشوائب بشكلٍ آني. فكرت أولًا بالطرائق التي تمكنني من تطوير مادةٍ مشتقةٍ من مصادر طبيعية، ورخيصة، وبخطوة كيميائية واحدة فقط. بعد تفكيرٍ ودراسةٍ دامت حوالي الشهر، خطر لي أن أطور بوليمرًا ابتداءً من مادة الديكسترين الحلقي أو السايكلوديكسترين cyclodextrin. ما دفعني للتفكير بهذه المادة، أنها مادةٌ سكرية طبيعية، مشتقة من نشاء الذُّرة، ورخيصة جدًا، ومتوافرة بكثرة في مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى أن هذه المادة معروفةٌ منذ حوالي مئة عام، وتُستخدم في العديد من المنتجات الغذائية والدوائية ومستحضرات التجميل؛ وبالتالي فهي مادةٌ غير مُضرةٍ لا بالإنسان ولا بالبيئة. والأهم من هذا، أن هذه المادة تمتلك خصائص مميزة بقدرتها على الارتباط بالمركبات العضوية في الماء بشكل قويٍ جدًا. وبالتالي، قررتُ العمل على تصنيع بوليمر ذو مساحة سطحية عالية ومسامات نانوية من السايكلوديكسترين، وكنت واثقًا بأن هذا البوليمر سيحلُّ مشكلة تلوث المياه. وعرفت ذلك بحكم تخصصي، وخبرتي الكبيرة في مجال كيمياء البوليمرات والكيمياء العضوية.
لم يتحمَّس الأستاذ المشرف (البروفيسور) في البداية كثيرًا لهذه الفكرة. ولكنني كنت مصرًا على أنها فكرة هامة، ويمكن أن تُحدث ثورة كبيرة في هذا المجال. ونتيجةً لإصراري وافق الأستاذ المشرف على أن يعطيني شهرين مهلةً، أتمكن خلالها من أثبات قدرتي على تصنيع البوليمر الذي اقترحته.
لم ينقضِ من المهلة سوى شهرٍ واحدٍ فقط حتى استطعت تطوير بوليمر متميزٍ جدًا. حينها تحدثت مع رئيس المجموعة وأخبرته بالنتائج. كانت فرحته كبيرةً، وقرر أن أحصُل على كل الدعم الذي أريده في هذا المجال، وقال لي بأنه سعيد لأنني أثبتُّ له أنه كان على خطأ، وأخبرني أن هذه النتائج بالفعل ستُحدث ثورةً في العالم.
بعدها عملت لحوالي سبعة أشهرٍ على إجراء جميع التحاليل والدراسات اللازمة للتأكد من فعالية المادة التي طورتها، وأيضًا المقارنة بينها وبين الكثير من المواد المستخدمة حاليًا، للتأكد من أن المادة التي ابتكرتها ليس لها مثيل فعلًا في قدرتها على تنقية المياه.
2- ماهي ميزات المادة نلت التي براءة الاختراع عليها، وبمَ تختلف عن غيرها من المواد التي وُجدت واستُخدمت في تنقية المياه سابقًا؟ خاصةً وأن تحدي الحصول على المياه النقية النظيفة، والخالية تمامًا من الشوائب، لهو بالتحدي القديم وليس بالطارئ أو المستحدث. وما هو أثر ذلك على البلدان الفقيرة والمنكوبة؟
إن المادة التي طورتها مادةٌ عضويةٌ بوليميرية، ذاتُ مساماتٍ نانوية، تُصنَّع بخطوةٍ كيميائيةٍ واحدة. وتمتاز عن غيرها بأنها رخيصةٌ جدًا، كما أنها غير مضرة بالبيئة؛ كونها مُشتقة من مواد سكرية، وتحديدًا من نشاء الذُرة. إنَّ ميزة بوليمر السيكلوديكسترين المُعدَّل الذي توصّلت إليه، أنه قادرٌ على إزالة الشوائب العضوية من المياه بسرعة تفوق مئات الأضعاف سرعة جميع المواد المستخدمة حاليًا في معالجة المياه بالعالم. إضافةً لكونها أرخص من جميع هذه المواد.
تمتاز أيضًا بإمكانية إعادة تدويرها بسهولة كبيرة؛ فبمجرد تمرير مادة الكحول الطبية عبرها تصبح جاهزةً للاستخدام مرةً أخرى. ما يعني أنه يُمكننا أن نستخدمها لعشرات السنين، على نقيض المواد الحالية والتي تُستخدم لبضعة أشهرٍ فقط ثم تُصبح عديمة الفائدة وتُرمى.
كلنا ندرك السباق العالمي سعيًا لابتكار طرائقَ ووسائلَ تمكننا من تخليص المياه من الشوائب العضوية، لما تُسببه هذه الشوائب من تأثيراتٍ سلبيةٍ على صحة الإنسان، تتمثل في العديد من الأمراض الخطيرة التي تعاني منها الدول كافةً دون استثناء. لهذا أعتقد أن هذه المادة ستُحدث فرقًا كبيرًا في البلدان الفقيرة، وستُقلل من الأمراض والوفيات التي تُسببها المياه الملوثة.
فمن مزاياها أن استخدامها ممكنٌ في ظل مختلف الظروف والشروط، فمثلًا يمكن أن تكون فعالةً في درجات الحرارة المنخفضة والمرتفعة نسبيًا؛ فقد أثبتنا مخبريًا أنها ذات ثباتيَّة جيدة حتى درجات الحرارة التي قد تصل إلى مئتين وخمسين درجةً مئوية، ما يجعلها قابلةً للاستخدام في بيئاتٍ متعددةٍ، وحتى أن تكون محور أبحاث الفضاء على سبيل المثال.
هذه المواصفات هي التي جعلت المادة التي اخترعتها أفضل بالمقاييس كافةً من المواد السابقة.
3- من المعلوم أنّ مثل هذه البوليمرات تُستخدم في نُظم إيتاء الدواء، ومثل هذا الإنجاز في تطويرها يمكن أن يُوظّف على نحوٍ واسعٍ في المجال الطبّيّ والصيدلانيّ، هل تواصلتم مع أي جهة بحثية طبّيّة للتعاون في هذا النطاق؟
صحيح .. أحد استخدامات هذه المادة في المستقبل هو الاستخدامات الطّبية.
لم نبدأ بعدُ بالعملِ في هذا المجال مع الشركات الدوائية، ولكن العديد منها قد تواصل معنا لتجربة هذا البوليمر في استخلاص المركبات الدوائية من بعض النباتات والمُنتجات الطبيعية. وبالتالي قد يكون للمادة تطبيقاتٌ واستخداماتٌ هامةٌ أيضًا في المجالين الطبي والدوائي في المستقبل.
4- ركّزتم في أبحاثكم السابقة بين عامي 2010 و 2012 على Rosette nanotubes وتطبيقاتها العلاجية بما في ذلك الأمراض والكسور العظمية، أما زال العمل مستمرًا في هذا المجال؟ وإلى أين وصلت هذه الأبحاث؟
نعم، مازلنا نعمل في هذا المجال. فنحن نتعاون علميًا في الوقت الحالي مع إحدى المجموعات البحثية المتخصصة في علاج أمراض العظام في جامعة براون في الولايات المتحدة، وتوصلنا إلى بعض النتائج الهامة.
من هذه النتائج أن المواد التي قمتُ بتطويرها في مرحلة الدكتوراه تُساعد في إعادة نمو العظام حول مناطق الكسر، فتترمم العظام وتعود إلى سابق وضعها. ونحن حاليًا نقوم بالتقديم للحصول على براءة اختراعٍ كنديةٍ في مجال علاج كسور العظام.
5- علمنا أنك نشرت بحثك الذي أجزته في مجلة Nature العلمية. ما مدى أهمية ذلك؟ وماذا يُضيف لك، من ناحية أنك باحث؟
أشكرك على هذا السؤال؛ فالنشر بمجلة Nature لهو أهمُّ حدثٍ على الإطلاق لأي باحثٍ في العالم، حتى أنه أهم من براءة الاختراع نفسها. فهذه المجلة هي المجلة الأكثر تأثيرًا على مستوى العالم، وهي أعلى وأرقى مجلةٍ علمية، والنشر فيها هو حُلم كل باحثٍ على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، لدرجة أن الأستاذ رئيس المجموعة (البروفيسور) التي أعمل معها William Dichtel لم يستطع النشر بها طوال تاريخه الأكاديمي. وهذا البحث الذي نشرته معه فيها هو أول بحثٍ له فيها.
يُعتبر النشر بمجلة Nature من أصعب الأمور وأعقدها، لأنها مجلة الاكتشافات العلمية المثيرة، وتنشر فقط الأبحاث العلمية التي تُحدِث ثورةً في العالم بمجال معين، والتي من المتوقع لها أن تُغير وجه البشرية.
هذا فضلاً عن أن عملية التحكيم بها لأي بحثٍ قبل أن يُنشر تخضع لمراحل عديدةٍ ومعقدةٍ جدًا. وقد استغرق البحث حتى تم قَبوله فيها سبعة أشهرٍ، وذلك بعد عرضه على أعلى وأكثر الباحثين شهرةً في العالم في مجال تنقية المياه.
6- ما هي ردود الفعل الأمريكية؟ وما مدى حجم اهتمام الأوساط العلمية الأمريكية بهذا البحث؟
لقد أشارت هيئة الأبحاث القومية الأمريكية العليا (NSF) على الصفحة الرئيسية لموقعها الرسمي إلى البحث والمادة التي اخترعتها، واعتبرته أحد أهم الأبحاث والاكتشافات التي موَّلتها الحكومة الأمريكية.
كذلك تحدَّثت العديد من أهم المواقع والقنوات العلمية الأمريكية عن هذه المادة وأبعادها المستقبلية في حل مشكلة المياه، منها: ساينس نيوز (Science News)، كورنيل كرونيكل (Cornell Cronicle)، بيغ نيوز نيتوورك (Big News Network)، آرتي نيتوورك (RT Network)، يو بي آي نيوز (UPI News)، ريد أوربيت (RedOrbit)، فيزيكس (Phys.Org) وغيرها من المواقع الأخرى.
7- ماذا عن المستقبل دكتور علاء؟ أين سنراك؟
آمل أن أساهم في حل مشكلاتٍ أخرى تتعلق بجوانب بيئيةٍ هامةٍ مثل تنقية المياه، والطاقة البديلة، وتقليل انبعاثات غاز ثنائي أكسيد الكربون للتقليل من ظاهرة الاحتباس الحراري.
تحديداً، هدفي هو تطوير تقنيات ومواد معتمدة على مصادر طبيعية غير مضرة بالبيئة وأقل تكلفة.
آمل أن أعود في المستقبل القريب إلى العالم العربي حتى أوظف خبراتي، وأساهم في تأسيس مراكزَ أبحاثٍ على مستوىً عالٍ في تكنولوجيا النانو، فيكون لعالمنا العربي دورٌ ومكان في السباق العالمي في أبحاث النانو، والمساهمة في حل المشكلات الكبرى التي تتعلق بالبيئة والصحة والطاقة.
- في نهاية مقابلتنا الشيّقة معك دكتور علاء أود أن أشكرك جزيل الشكر على إتاحة الفرصة لنا في مبادرة "الباحثون السوريون" بلقائك والاطلاع على هذه المعلومات القيّمة وتزويدنا بتفاصيل مهمة للغاية لنشرها على موقعنا. نحن فخورون جدًا بك لما أنجزتَه وما قد تنجزه مستقبلًا. ونأمل لقياك مُجددًا في اختراعاتٍ حضاريةٍ جديدةٍ ومبتكرة.
- أشكرك جدًا آنسة دانية على هذا اللقاء. كما أشكر مبادرة "الباحثون السوريون"، وأؤكد على أهمية شعارها بأن العلم هو الحل. فبالعلم وحده نرتقي ونتطور ونصعد سلم المجد.
صور للفريق:
معلومات إضافية:
رابط البحث الذي نشره الدكتور علاء الدين السبيعي:
حوار وإعداد المقابلة: Dania Mulki
شارك في الإعداد: Hiba Ali