البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة
"تصميم" الأطفال حسب الطلب... جدلٌ كبير وآمالٌ واعدة
في شهر أيلول من عام 2013 حصلت شركة 23andMe الأمريكية المختصة بالتحاليل الوراثية على براءة اختراع... لأول وهلة يبدو كل شي عادياً: براءة الاختراع تتضمّن نشرة خاصة يُحكى فيها عن المتطلبات والشروط الواجب توفرها في النظام البرمجي ومعالجات الحواسيب اللازمة للعمل... لكن عند التمعّن سيلفت انتباهنا الغاية التي صُمِّمَ من أجلها هذا البرنامج، وهي: تصميم المواليد ليحملو صفات تتوافق مع رغبة الوالدين!
هذه الطريقة تعتمد على الحسابات الرياضية لاختيار مواصفات الشكل الظاهري المطلوب تواجده في الذرية الافتراضية من الأبناء، بالإضافة إلى معرفة التركيب الجيني للمانح واختيار المانح ذو الصفات الأكثر تفضيلاً من بين المانحين الكُثُر.
يتم إنجاز هذه الحسابات بواسطة معالجات حاسوبية وخوادم بهدف القيام بالعمليات الإحصائية اللازمة لتحديد معدّل احتمال الحصول على النمط الظاهري أو الوراثي المحدّد والذي تم اختياره مسبقاً للأبناء دون أخطاء.
مصممو هذه الطريقة يزعمون أنّه يمكن اختيار البويضات والحيوانات المنوية ومقارنة مادتهما الوراثية و إجراء الحساب الرياضي للمقارنة بين نواتج الإلقاح المختلفة واختيار الاحتمال الأقرب لولادة طفل يحمل صفات يرغبها الوالدان...
أكثر الصفات المدروسة والتي يركّز عليها الآباء هي مدى احتمال كون طفلهم حاملاً لمرضٍ وراثيٍّ وتقديرِ نسبةِ الإصابة به في المستقبل (هذه الحال شائعة بالنسبة لأمراض ترتبط بالمورثات كالسرطان، السكري، التلاسيميا و غيرها). لكن يمكن الإضافة إلى قائمة الرغبات: لون العينين والشعر والبشرة، الجنس، طول القامة، الصفات الشخصية والنفسية في الطفل المستقبلي، وبالطبع تشمل هذه الخيارت تحديد جنس المولود ذكراً كان أو أنثى.
واجهت براءة الاختراع هذه ردود أفعال وآراء مختلفة حول العالم، حيث قامت لجنة دراسة طلبات براءة الاختراع بتوجيه أسئلة حول كون أسلوب "تصميم" الأطفال أمراً إنسانياً و لا يتعارض مع المبادئ الأخلاقية، بالإضافة إلى التساؤل حول ضرورة هذا الاختراع للبشرية أصلاً!
من ناحية أخرى فإنّ لدى الأب والأم الحقّ في اختيار المعايير والصفات التي ستؤمّن لطفلهم حياة سعيدة في المستقبل. فإذا كان لدينا اليوم إمكانية لتقليص نسبة إحتمال اصابة أطفالنا بأمراض معيّنة أو زيادة قدراتهم العقلية و الجسدية فلماذا لا نستخدمها؟
يقول الفيلسوف Sandel: "إعطاء الوالدين فرصة تصميم طفلهم وكأنه نوع من المنتجات يجسّدون فيه أحلامهم سيجعل الناس يبتعدون عن الحب غير المشروط لأولادهم و تقبّلهم بكامل صفاتهم كهدية ونعمة إلهية".
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ استخدام التشخيص الوراثي لزرع الأجنّة بهدف تجنُّب زراعة أجنّة حاملة لتشوهات وراثية خطيرة أصبح عملية شائعة وضرورية لضمان نجال التلقيح الصناعي، كما أنَّها لا تثير جدلاً أخلاقياً كبيراً. لكن اللجوء إلى الطريقة الحسابية المؤتمتة لاختيار المانحين والحصول على أطفال توافق صفاتهم رغبات الأبوين هو أمر أكثر تعقيداً و له آثار صعبة التقدير في المجالات الصحية والنفسية والاجتماعية.
فيما يخص هذه الشركة فإنَّ لها مشاكل سابقة في مواضيع الحصول على براءة اختراع، وآخرها الجدل الحاصل عام 2012 بخصوص براءة اختراع إختبار يحدّد احتمال الإصابة بداء باركينسون. حيث صدر الكثير من الردود السلبية لمزوّدي المادة الوراثية والمستهلكين تجاه شرعية استخدام بياناتهم الوراثية والتي تخص عائلاتهم أثناء تطوير هذا الاختبار.
إنّ العامل الرئيسي في ضمان نجاح الأبحاث بشكل عام وأبحاث الوراثة البشرية المعتمدة على البنوك الحيوية خاصةً يعتمد على ثقة الجمهور وتقبّلهم للناتج والمردود العلمي. لذلك من الضروري وجود شفافية تامَّة بين الباحثين المقدّمين للنتائج الهيئات المشرفة على تقييم هذه النتائج التي تمس البشرية جمعاء.
وأنتم أصدقائنا شاركونا بآرائكم؛ كيف تنظرون الى تصميم الأطفال وهل تعتقدون بجدوى هذه العملية؟ أم أنَّ أضرارها تفوق منافعها؟
المصادر: هنا