الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة
الفلسفة والفيزياء
هل من الممكن للفيزياء والفلسفة أن تنسجما؟
قام الفيزيائيون بجعل الأمور أصعب بالنسبة للفلاسفة، فقد صرح ستيفن هاوكينغز في خطاب له أن الفلسفة قد "ماتت" لأن الفلاسفة لم يتماشوا مع العلم. وقد أكد حديثا عالم الفيزياء النظرية الأمريكي لورينس كروس في كتابه "كون من اللاشيء " أن "الفلسفة و اللاهوت لوحدهما غير قادرين على الإجابة على المسائل الأساسية التي تحيرنا عن الوجود".
وعلى الجهة المقابلة، فقد استعرض دايفيد ألبرت الفيلسوف البارز في مجال العلوم، دعوى كروس بأن العالم نشأ من اللاشيء باستخفاف قائلا: "كل مايمكن ان يقال عن هذا، كما أرى، أن كروس مخطئ بشكل كبير وأنه متدين و أن النقاد الفلسفيين على حق"، وقد رد كروس متجاهلاً دكتوراه ألبرت في الفيزياء النظرية بأنه "فيسلسوف مغفل"!
لنرى إن كان باستطاعتنا رفع حدة النقاش قليلا، فلا ينكر كروس بأن الفلاسفة قد يكون لديهم شيء قد يساهم في فهم المسائل الأساسية، وتقريبا كل فلاسفة العلم -وألبرت بالتأكيد- سيوافقون على أن معرفة عميقة في العلم ضرورية كقواعد أساسية. لذلك يجب على الأقل البدء بسطر من الأفكار بحيث يدمج بين حساسيات الفيزيائي وحساسيات الفيلسوف.
هناك تقليد شائع بين الفلاسفة بالدفاع عن وجود الالهة على أساس أن الكون المادي بأكمله يتطلب تفسيراً غير مادي. وعدا ذلك، فإنهم يكملون بأن الكون قد يعود بأصله إلى اللاشيء، ولكنه من غير الممكن أن ينشأ شيء من اللاشيء( ويرد أحدهم على هذا النقاش بأن الكون دائم الوجود و بالتالي لم يأتي إلى الوجود. لكن نظرية الانفجار الكبير The big bangالمنتشرة بشكل جيد في علم الكونيات المعاصر ستؤدي غالبا إلى استبعاد هذا الاحتمال.
ويبدو كروس غير مندهش بهذا الدفاع، فكما يقول فإن قوة هذا الدفاع تعتمد على معنى "اللاشيء". ففي علم الكونيات يعتمد هذا المعنى على ما يمكن للعلم أن يضع من معان لهذا المصطلح. فعلى سبيل المثال فإن أحد المعان العلمية المقبولة للاشيء هو "الفضاء الفارغ" أي فضاء من دون جسيمات ابتدائية موجودة فيه. لكن مكانيك الكم تظهر بأن الجسيمات من الممكن أن تظهر من الفضاء الفارغ . وبذلك يبدو من الممكن أن يكون الكون (الجسيمات الابتدائية والأشياء التي تكونها) قد أتت من اللاشيء.
إلا أن كروس يعترف، بأن الفضاء الفارغ يولد جسيمات لأن الفضاء الفارغ - بغض النظر عن اسمه - يحتوي على حقول افتراضية تتذبذب وتعطيه خصائصه حتى في غياب الجسيمات. وهذه الحقول محكومة من قبل قوانين تؤدي إلى الإنتاج العفوي للجسيمات.
ويرى الفيلسوف أن هذه الحقول الافتراضية هي "الشيء" الذي تأتي منه الجسيمات. ويتابع كروس في هذا الجدال بأن هناك احتمالاً أبعد بأن نظرية الكم للجاذبية، موحدة ميكانيك الكم والنسبية العامة، ستسمح بالإنتاج التلقائي من الفضاء الفارغ نفسه. وبالتالي سيكون كل شيء (الفضاء، والحقول والجسيمات) آتياً من اللاشيء. لكن الفيلسوف يتساءل ماذا عن قوانين الفيزياء؟ إنها شيء وليست لاشيئاً و من أين تأتي هذه القوانين؟ يرد كروس بأن هناك توجهاً معقولاً يفترض ما يسمى بالكون المتعدد multiverse وهو احتمال وجود مجموعة غير متناهية من الأكوان ذاتية المحتوى والغير متفاعلة مع بعضها، وكل واحد منها ذو قوانين طبيعيةلخاصة به. ويكون لنا القوانين التي نقوم بها ببساطة بسبب الكون المحدد الذي نحن فيه. لكن باستطاعة الفيلسوف بالطبع أن يرد بأن الكون المتعدد نفسه محكوم بقوانين ذات مستوى أعلى.
في كل مرحلة يستنتج الفيلسوف أن هناك قوانين للطبيعة وهذه القوانين دائما تطبق على أشياء مادية "فيزيائية" (جسيمات حقول...الخ) محكومة بالقوانين، إذا هل فعلا الشيء يأتي من اللاشيء!!!؟ فيبدو أن الفيلسوف قد ربح المعركة لكنه خسر الحرب، حيث هناك استخدام مطلق لكلمة "اللاشيء" يستبعد كل شيء من الممكن أن يتواجد. لكن كروس يستنكر بعناد هذا الاستخدام. لكن ولو كان على معرفة أكبر في الفلسفة لتمكن بالاستشهاد بالعديد من الفلاسفة الذين يجدون هذا الاستخدام (مبدأ المقابلة بأن الشيء يأتي من اللاشيء) غير مفهوم.
وقد يلجأ كروس إلى الفلسفة ليقوي قضيته ضد "الشيء لا يمكن أن يأتي من اللاشيء" فهو يعرض نفسه للانتقاد الفلسفي بمجرد الافتراض أن التجارب العلمية، كما يعتبرها هي "الحكم النهائي للحقيقة" حول العالم. فنجاح العلم يعطينا كافة الأسباب لمواصلة ومتابعة طرقه التجريبية في البحث عن حقائق أبعد. إلا أنه لوحده غير قادر على نشر فكرة أن الحقائق حول العالم قابلة للاكتشاف بطرقه التجريبية.
وذلك بسبب أن العلم يتعامل فقط مع ما يمكن معرفته، بشكل مباشر أو غير مباشر. وبالتجربة لا نستطيع الإجابة إن كان هناك أشياء (كالإدراك والأخلاق والجمال) فهي غير معروفة بفهم التجربة. وسنحتاج إلى جدال فلسفي وليس إلى تجارب علمية.
كروس قد يكون على حق بأن الفلاسفة عليهم أن يتركوا السؤال عن قوانين الطبيعة للعلماء .إلا أنه وبدون الفلسفة فإن ادعاءه سيكون عبارة عن مسألة إيمان فقط وليس معرفة.
المصدر: صحيفة النيويورك تايمز هنا
الصورة لوحة The School of Athens by Raphael