علم النفس > القاعدة المعرفية
اعتقادات خاطئة عن الدماغ: الجزء الثاني
الإختلافات بين دماغ الجنسين أمر حقيقي، لكن علينا أن ننظر إليها بالمزيد من الوعي.
سنذكر اليوم العديد من الاعتقادات الخاطئة ومصادرها وبعض الحقائق عن هذا الأمر..
سنبدأ بالتكلم عن بعض الخرافات.
1-دماغ الإناث أكثر توازناً من دماغ الذكور:
من الإعتقادات الخاطئة التي سمع بها معظمنا أن الرجال يستخدمون أحد نصفي الدماغ للإستماع بينما تستخدم النساء النصفين معاً، بالإضافة لاعتماد الرجال على أحد النصفين للقيام بوظائف معينة (كتعلّم اللغة مثلاً)، بينما تستخدم النساء النصفين معا كون الجسم الثفني (corpus callosum) الذي يصل بين نصفي الكرة المخية أثخن عند النساء منه عند الرجال.
جاء مصدر هذا الإعتقاد من البحث الذي قام به عالم الأعصاب Norman Geschwind عام 1980، حيث صرح أن المستويات العالية من التستسترون في الرحم تسبب نمو أبطئ للنصف الأيسر من الدماغ عند الأطفال الذكور مسبباً صغر حجمه مقارنة بالإناث
يُعتبر هذا الإعتقاد خاطئ، حيث أظهرت دراسات قام بها John Gilmore وفريقه على 74 مولود حديث عدم وجود أي دليل على وجود نصف أيسر أصغر عند الذكور مقارنة بالإناث.
كما أظهرت دراسات أخرى عدم صحة النظرية التي تنصّ على ميل الذكور للتجانب (أي استخدام جانب دون الآخر من الدماغ) في تعلم اللغة بالإضافة لدحضها لنظرية كون الجسم الثفني أكثر ثخانة عند الإناث.
2- الاختلافات بين دماغ الذكر والأنثى تُفسّر الاختلاف في الطريقة التي يتصرف بها كل منهما:
إن نَسْب الاختلافات السلوكية بين الذكر والأنثى إلى الاختلافات بين دماغيهما أمر مغري،
حيث يميل الرجال إلى نسيان بعض التفاصيل كإحضار الحليب، بينما يملكون قدرة أكبر على التدوير الدماغي (mental rotation)
* يُعرف التدوير الدماغي بأنه القدرة على تدوير الأشياء الثلاثية الأبعاد كإمكانية الرجل من تدوير الخريطة وقلبها في عقله، بينما تملك الإناث قدرة أكبر على تفسير التعابير متعددة الحواس (كقدرتهم على تفسير تعابير الخوف والإشمئزاز).
في الحقيقة، نحن لا نعلم في الكثير من الحالات الطريقة التي يُؤثر فيها الاختلاف بين دماغ الذكر والأنثى على الطريقة التي يتصرفون بها، حيث يُمكن أن يُسبب الاختلاف في الدماغ تشابه في السلوك أو ما يُعرف ب"نظرية المعاوضة" “compensation theory” التي يُمكن أن تُفسر الطريقة المتشابهة التي يؤدي بها الذكور والإناث المهام المختلفة بالرغم من اختلاف أنماط نشاط الدماغ.
كما علينا ألا ننسى تأثير الإعلام والثقافات والضغوط التي تُمارس على المرأة في الكثير من المناطق، حيث تُرسخ بعض الدول التي تعامل النساء على أنّهن جنس أدنى تلك الأفكار مما ينعكس على تقديمهن لأداء أفقر مقارنة بالدول التي التي لا تمارس الضغوط أو تُفكر بالطريقة التقليدية.
أما بالنسبة للحقائق، فنتكلم اليوم عن اثنين منها:
1-دماغ الذكور أكبر حجماً من دماغ الإناث:
تم توثيق ذلك العديد من المرات، حيث قامت Sandra Witelson بوزن أدمغة 58 أنثى و 42 ذكر بعد موتهم ووجدت أن أدمغة الإناث تزن بشكل وسطي 1248 غرام بينما تزن أدمغة الرجال 1378 غرام
بالطبع هذا الامر لا ينطبق على جميع الرجال والنساء، حيث تملك بعض النساء دماغاً أكبر حجماً من الرجال.
أظهرت دراسة أجريت في الدنمارك عام 1998 أن دماغ الذكر الأكبر حجماً يعطي 16% كمية أكبر من الأعصاب في القشرة الحديثة "neocortex"
* تُعرف القشرة الحديثة بأنها المنطقة المسؤولة عن الإدراك الحسي والتفكير الواعي والوظائف الدماغية العليا عند الإنسان كالسمع والرؤية واللمس.
2-يوجد اختلافات في الحجم في مناطق معينة من بنية الدماغ عند كلّ من الجنسين:
حيث يكون الحصين hippocampus وهو المنطقة المسؤولة عن الذاكرة أكبر حجماً عند الإناث، أما اللوزة amygdala وهي المنطقة المسؤولة عن معالجة الأحاسيس فهي أكبر عند الذكور، كما أن نسبة المادة الرمادية إلى المادة البيضاء أكبر عند النساء.
من الجدير بالذكر أيضا أن هذه الإختلافات قد يكون لها علاقة بحجم الدماغ أكثر من اختلافات الجنس، فقد تملك الأدمغة الأصغر حجماُ نسبة أكبر من المادة الرمادية مما يفسر امتلاك النساء نسبة أكبر من المادة الرمادية. وفي النهاية علينا أن نكون حذرين عند التطرق لاختلافات الدماغ بين الجنسين، فالاختلافات موجودة وهذا أمر لا يُمكن إنكاره ودراسة الاختلافات ليس الهدف منه ترسيخ معتقدات أو ثقافات معينة; دراسة الجنسين هو أمرفي غاية الأهمية بالنسبة لعلماء الأعصاب، حيث أن فهم الاختلافات بين الدماغ قد يُتيح فهما أفضل لأمراض معينة كالتوحد والاكتئاب التي تُصيب كُلا من الجنسين على حد سواء وبالتالي قد يُساعد ذلك على إيجاد علاجات وحلول أفضل. إذا فلنجعل هذه المعلومات حافزا للوصول لهدف نبيل; هدف علمي بحت وليس لزيادة الهوة بين الجنسين و التقليل من إمكانيات وقدرات جنس دون الآخر.
المصادر: