الفيزياء والفلك > علم الفلك
غموضُ يحيطُ بأكبرِ أقمارٍ زُحل، تايتان
درست المركبةُ الفضائيةُ NASA/ESA Cassini الكوكبَ زُحل وأقمارَه منذ العام 2004، لكنّ هذه الرّحلةَ لم تقدّم معلوماتٍ هامّة حولَ تايتان وخواصّهِ الجيولوجيّة. يحتوي القمرُ تايتان - أكبرُ أقمارِ زُحل - العديدَ من الرّواسبِ الجيولوجيّةِ التي تتبخّرُ، والتي دُرِست مكوّناتُها الكيميائيّة، إلّا أنّ بنيتها لا تزال غامضة. وقد جرت دراسةُ سطحِ تايتان باستخدامِ رادارٍ مثبّتٍ على مركبةٍ فضائيّةٍ وبأربعِ وسائلَ: التصويرُ، وقياسُ الارتفاعاتِ، والتّشتّتُ الارتداديّ، والقياساتُ الإشعاعيّةُ، وقد كانَ للبياناتٍ النّاتجةِ أهميّةٌ كبيرةٌ في فَهمِ جيولوجيا هذا القمرِ الباردِ الضّبابيّ وتضاريسِ سطحه الصّلب.
يقومُ الآن فريقٌ من الباحثينَ باستخدامِ قياساتٍ مخبريّةٍ لإعدادِ نموذجٍ يكشفُ بنيةَ هذه الأبخرةِ على تايتان، وتم نشر ورقة حول بحثهم في مجلة arXiv حيثُ جرى تطويرُ النّموذجِ بواسطةِ فريقٍ من العلماءِ بقيادةِ دانيال كوردير من جامعةِ Reims Champagne-Ardenne الفرنسيّة والذي يُمكنُ أن يصبِح الأداةَ الأهمّ في الكشفِ عن التشكيلِ الجيولوجيّ لتايتان. وقد أكّدَ الفريقُ إمكانيّةَ تشكيل الأستيلين أوالبوتان لطبقةٍ مركزيةٍ من رواسبِ الأبخرة. كما أظهرتِ الحساباتُ وجودَ تراكمٍ لأنواعٍ ضعيفةِ الذوبانِ كسيانيدِ الهيدروجين وغيرها والتي من الممكنِ أن يكونَ لها الدّورَ المهيمِن. كما يقدّمُ العلماءُ شرحاً لنقصِ الأبخرةِ في منطقةِ القطبِ الجنوبيّ لتايتان ولارتفاعِ انعكاسيةِ الرّاداراتِ من قاعِ البحيراتِ الجّافة.
يقول كوردير: "إن وجودَ دورةٍ مائيّةٍ اعتماداً على الميتانِ، ووجودُ معقّداتٍ أخرى الهيدروكربونات يفتحُ المجالَ لإمكانيةِ ظهورِ الموادّ المتبخّرةِ على سطحِ تايتان".
يحتوي تايتان على بحيراتٍ وبحارٍ تمتلئ بالهيدروكربونات السائلةِ على الأرجحِ، لإضافةً لكمياتٍ من موادّ منحلّةٍ من الغلاف الجويّ كالنتروجين وموادّ عضويةٍ أخرى. إن تشكّلَ أيةِ طبقةٍ متبخّرةٍ يتطلّبُ تتالياً لفتراتِ الرّطوبةِ والجفاف. خلالَ فترةِ الرّطوبةِ تقومُ أمطارُ الإيتان والميتان بحلّ الموادّ العضويةِ الصّلبةِ التي تصادفها خلالَ جريانها على سطحه، ومن ثمّ تمتلئ أغوارُ البحيرات. وخلالَ فترةِ الجفافِ تتبخّرُ المحاليلُ وتتشكّلُ الموادّ المتبخّرة. يمكنُ أن يمتدّ تعاقُبُ فتراتِ الجفافِ والرّطوبةِ لأكثرِ من عامٍ متأثّراً بفصولِ القمرِ تايتان. ومن وجهةِ نظرٍ أخرى، نُشرِت عدةُ أوراقٍ من قبلِ جيسون بارنز وشانون ماكينزي في السابق تصف عملية تشكل المتبخرات من الممكن أن تكون ناتجة عن تغير مناخي خلال فترة زمنية أطول بكثير.
يقول كوردير: "لا نعرفُ سوى القليلِ جداً حولَ هذه البُنى. أولاً ونتيجةَ الغلافِ الجويّ من الصّعب جداً الوصولُ لمعلوماتٍ حولَ مكوناتِ سطحِ تايتان، فقد وجد بارنز وماكينزي ارتباطاً بين المناطقِ الفقيرةِ بالجليدِ وأغوارِ البحيراتِ الجافّةِ عبرَ الرادارِ المستخدم، كما أن وجود دورةٍ مائية تعتمدُ على الميتانِ ومركبات معقّدةٍ أخرى هيدروكربونية يجعلُ من المحتملِ تشكّل الأبخرةِ على سطح تايتان".
قامَ كوردير وزملاؤهُ بنمذجةِ البنيةِ العموديّةِ المحتملةِ لرواسبِ الأبخرة، وتؤكّدُ محاكاتُهم أن البوتان والأستيلين تعدّ المركّباتُ الأكثرُ احتمالاً لتكوّنِ سطحِ التبخّر. كما وجدوا أن زوجاً من المركّباتِ أيضاً يُمكنُ أن يشكّلَ طبقةً خارجيّةً خفيفةً نتيجةَ وجودِ طورينِ من البلّوراتِ والطبقةِ الخفيفة، ما يؤدي لارتفاعِ انعكاسيّةِ الرّادارات.
أظهرَ البحثُ أنّ بإمكانِ دورةِ فصولِ تايتان أن تُشكّلَ آليةً لزيادةِ سماكةِ الأبخرةِ، والتي تؤدّي لإنتاجِ المركّباتِ العضويّةِ في غلافِه الجويّ. تقترحُ حساباتُهم أنّ من الممكنِ لبحيرةَ القطبِ الجنوبيّ لتايتان الغنيّةِ بالميثان أن تحجزَ كميّةً كبيرةً من الموادّ المُذابةِ ما يفسّرُ قلّةَ الأبخرةِ في قطبِ القمرِ الجنوبي. ويؤكّدُ النموذجُ إمكانيةَ تشكّلِ حلقاتٍ ذاتِ تركيبٍ كيميائيٍّ معقّد.
أكّدَ كوردير الحاجةَ إلى مهمّةٍ فضائيّةٍ في المستقبلِ إلى تايتان تتضّمنُ مسباراً، بحيثً تركّزُ جزئياً على استكشافِ شواطئ البحيراتِ حيثُ يوجدُ تنوّعٌ كيميائيٌّ كبير. إنّ إرسالَ مهمّةٍ كهذهِ من الممكن أن يزيدَ معرفتنا حول أبخرةِ تايتان وخواصّهِ الجيولوجيّة.
المصدر: هنا