العمارة والتشييد > التشييد
ماذا سنستخدم للبناء على المريخ؟
حلم الإنسان طويلاً بالصعود إلى السماء، فبنى ناطحات السحاب التي لامست السحب بل واخترقتها. والآن اتسع الحلم والأفق وبدأنا بالتفكير بالصعود أعلى وأعلى إلى كواكب أخرى فماذا سنستخدم لبناء بيوتنا على سطحها؟ فلنتعرف سوية على المادة الثورية الجديدة التي يمكن أن تصبح "إسمنت المريخ" المستقبلي.
كما نعلم، فمن دون الماء لا إمكانية لوجود الحياة بالشكل الذي نعلمه، وكذلك بالنسبة للإسمنت! حيث أن الماء يعتبر من أهم العناصر المكونة لمادة الإسمنت، وهو العنصر الذي يضمن تفاعل مواد الإسمنت الأخرى مع بعضها وتحقيق الترابط بين جزيئاتها.
إن الماء يعتبر مصدراً شحيحاً على سطح الكوكب الأحمر، ووجود الماء بالحالة السائلة على سطح المريخ يكاد يكون معدوماً، لأن معظم الماء هناك متجمد، وهذا يشكل عقبة كبرى أمام عملية تشكيل الإسمنت، وبالتالي على بناء المدن المريخية المستقبلية.
هذه المشكلة استدعت حلاً هو عبارة عن إسمنتٍ جديدٍ ابتكره فريقٌ من العلماء بقيادة Lin Wan من جامعة Northwestern University في شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية.
يتكون الإسمنت الجديد من الكبريت والحصويات، ويتم صنعه عن طريق رفع حرارة الكبريت إلى 240 درجة مئوية ثم إضافة الحصويات التي تحاكي تلك الموجودة على الكوكب الأحمر، والتي نعلم مسبقاَ أنها متوفرة بكثرة هناك، مثل (ثاني أكسيد السيليكون، أكسيد الألومنيوم، أكسيد الحديد وثنائي أكسيد التيتانيوم) ومن خلال التجربة، وجد علماء الفريق أن النسب المثالية للمواد هي 50% كبريت مع 50% تربة مريخيه.
بهذه الطريقة تمكن العلماء من إنتاج أسمنتٍ جديد يملك قدرة تحمل ضد الضغط (المقاومة على الضغط بالمصطلح الدارج) تصل إلى أكثر من ضعفين ونصف الضعف مقارنةً بقدرة تحمل البيتون المستخدم في معظم المقاييس المعيارية للبناء حول العالم (أو ما يدعى Code البناء)، فحقق الإسمنت الجديد مقاومة على الضغط وصلت إلى 50MPa (وتساوي 510 kg/cm2) أي حوالي طن من القوة لكل 2 سم مربع!
وتظهر في الصورة نتائج كسر مكعبات قياسية من الإسمنت المريخي في المختبر باستخدام تربة تحاكي تربة المريخ.
يمكن القول أن هذا الإسمنت المريخي سيصمد في مواجهة الضغط الجوي المنخفض على الكوكب الأحمر فهو سيكون مناسباً لدرجة الحرارة والضغط المطبقين عليه، ولكنه لن يكون قابلاً للاستخدام على القمر مثلاً، ويعود ذلك لغياب الغلاف الجوي هناك مما سيجعل الإسمنت معرضاً للفضاء الخارجي وبالتالي سيتحول الكبريت الداخل في تركيبه إلى غازٍ ولن يبقى من البناء سوى كومة من الركام!
إضافةً إلى ما سبق، فمن أهم ميزات هذا الإسمنت أنه قابلٌ لإعادة التدوير، حيث أن تسخينه إلى درجة حرارة 240 مئوية سيتسبب في ذوبانه، بعدها يمكن نقله وإعادة استخدامه في مكان آخر مثلاً.
بناءً على هذا، فإن هذا الإسمنت سيغنينا عن نقل مواد البناء من الأرض إلى المريخ كلياً مما سيخفض كلفة البناء هناك كثيرا، بالإضافة إلى انعدام كلفة الهدم والتخلص من الركام فهو صديق للبيئة (البيئة المريخية طبعاً!).
هذه الإنجازات الرائعة في مجال استيطان كواكب أخرى قد أبصرت النور بسبب دعم مؤسسات المجتمع الدولي لها وفي مقدمتهم ناسا التي تستضيف مسابقة "Habitat Competition" أو مسابقة الإسكان والتي تدعم كافة الجهود المبذولة لتحسين حياة الإنسان على الكواكب الأخرى، فهل سنرى أصدقائنا في كواكب أخرى يوما ما؟ وهل أنت مستعد للعيش على كوكب آخر؟!
المصدر: