الطبيعة والعلوم البيئية > علم الأرض
اكتشافُ عواملَ جديدةٍ تؤثِّرُ على تطوّر السلاسل الجبليّة
أظهرَ بحثٌ رائدٌ جديدٌ أنّ التعريةَ الناتجةَ عن الجليديّات* خلال العصور الجليديّة يمكنُ لها، عند وجود الظروف الملائمة، أن تُعرِّي الجبالَ بمعدّلٍ أسرعَ من معدّلِ بناءِ تكتونيّة الصفائحِ* لها.
أعطت هذه الدراسةُ الدوليّة فكرةً رائعةً حول كيفيّة تأثيرِ القوى المُناخيّة والتكتونيّة على بناءِ الجبالِ خلال فترةٍ طويلةٍ من الزمن، وتمّ نشر هذه الدراسة في دوريّة الأكاديميّة الوطنيّة للعلوم ونُفِّذت من قِبل البرنامج المتكامل للحفر في المحيطات IODP، بقيادة علماء من جامعة تكساس في أوستن وجامعة فلوريدا وجامعة ولاية أوريغن.
حاول فريقُ البحثِ قياسَ كافّة المواد الّتي غادرت والّتي دخلت سلسلةَ جبالِ سانت الياس، على ساحل ألاسكا، خلال الخمسة ملايين عام الماضية، باستخدام أحدثِ تجهيزاتِ المسح السايزمي* وأخذ العيِّنات البحريّة، وقد وجدوا بأنّ معدَّلات التعرية تسارعت بشكلٍ حادّ عندما تسبب التبرُّد المناخيّ بعصورٍ جليديّةٍ أقوى وأكثر ثباتاً قبل حوالي المليون عام.
البحثُ الجديد الرائد، الّذي يأتي تتويجاً لأكثر من عقدٍ من العمل الحقليّ، أظهرَ أنّ السلاسلَ الجبليّةَ تتطوّر بشكلٍ فعَّال مع مُناخِ الأرضِ وتستجيبُ له، بدلاً من كونِها أجزاءَ ساكنة وصلبة من الأرض، ويشيرُ العلماء إلى أنّ الفهمَ الدقيق للتوازن بين القوى المناخيّة والتكتونيّة المؤثِّرة في بناء الجبال لا يزالُ من المجهولات البارزة في علوم الأرض، وقد تمّ الحصولُ على قدرٍ هائلٍ من المعلومات الهامّة من خلال دراسة الجيولوجيا الشاطئيّة المرتبطةِ بسلسلة جبال سانت الياس، وكانت النتائج التي حصلوا عليها مثيرةً، وأضافت رؤيةً مُعمّقةً جديدةً لهذه المناقشة، لم تكُن ممكنةً إلّا من خلال دراسةِ السجلِّ الرسوبيّ للمناطق البحريّة المتاخِمة.
نفّذ الدراسةَ فريقٌ من العلماء من 10 بلدان، استخدموا تجهيزاتٍ سايزمية* للحصول على صورٍ وخرائطَ لمروحةٍ* ضخمةٍ من الرسوبيّات في البحرِ العميق في خليج ألاسكا ناتجةٍ عن تعريةِ سلسلةِ جبال سانت الياس، كما تضمّنت الدراسة أخذَ عيّناتٍ لُبيّةٍ* رسوبيّةٍ قصيرةٍ لفَهم النظام الحديث.
ومن ثمّ قام الفريقُ بتحديدِ زمنِ ومدى سرعةِ تراكمِ هذه المروحةِ الرسوبيّة، من خلال تحديد أعمار حوالي 4 كيلومترات من عيّناتٍ لُبيّةٍ بحريّةٍ مأخوذةٍ من الخليجِ والرفِّ القاريِّ لألاسكا، فتبيّنَ أنّ معظم الرسوبيّات كانت أحدثَ عمراً ممّا كان متوقَّعاً، كما تبيّن أنّ معظم معدّلات إنتاج الرسوبيات وبالتالي التعرية كانت أعلى مما توقّعه الباحثون.
اعتباراً من التغيُّر المناخي الكبير خلال المرحلة الانتقاليّة في أواسط البليستوسين، عند التحوّلِ من العصور الجليدية القصيرة (حوالي 40،000 عام) إلى العصور الجليديّة شديدة الطول (حوالي 100،000 عام)، أصبحت التعريةُ أكبر بكثير، أي أكبر ممّا تستطيع التكتونيّة تعويضه.
فوجئ العلماء بقدرتِهم الجيّدة على تحديد أعمار المتتاليات الرسوبيّة خلال قيامهم بالحفر، كما أنّ تركيب الرسوبيات أعطى دليلاً واضحاً حول تاريخ بدء انتشار الجليديّات ومن ثمّ تمدُّدها، بما يتوافق مع الاتجاهات المناخيّة العالميّة خلال بضع ملايين السنين الماضية حيث أنّهم فقط من خلال حفرِ قاعِ البحر حيث تتراكم الرسوبيات، استطاعوا رؤيةَ هذه التفاصيل.
تتشكّلُ السلاسلُ الجبلية عندما تتدافع الصفائح التكتونيّة مع بعضِها لملايين السنين مما يؤدّي إلى تجعيد قشرة الأرض الخارجيّة، لكن حتّى عند بناء الجبال بفعل هذه القوى الجبّارة، فإنّ عواملَ أخرى (مزيج من العمليّات التكتونيّة والمُناخيّة) تعمل على إزالة القشرة المتراكمة.
اعتباراً من منتصف البليستوسين، استمرّت معدّلات التعرية بالتغلُّبِ على المدخلات التكتونية ب 50 إلى 80 في المئة. ممّا يُظهر أنّ العمليّات المناخيّة، كحركة الجليديّات، يمكن أن تتجاوز عمليّات بناء الجبال لفترة مليون عام، كما ألقت نتائجُ هذه الدراسة الضوءَ على الدور المحوريّ الّذي تلعبُه التقلُّبات المناخيّة في تشكيلِ تضاريسِ الأرض.
الهوامش:
1 – الجليديات Glaciers: هي أجسامٌ مستمرّة ٌمن الجليد الكثيف تتحركّ بشكلٍ مستمرٍّ تحت تأثير ثقلها. وهي تتشكل نتيجة لتجاوز معدّل تراكم الثلوج لمعدّل إزالتها بفعل الذوبان والتصعُّد (التحوّل المباشر من الحالة الصلبة إلى الغازية) لسنوات، وغالباً لقرون.
2 – تكتونية الصفائح Plate tectonics : نظريّةٌ علميّةٌ تشرح الحركة كبيرة المقياس للصفائح الليثوسفيرية الأرضية.
لتفاصيل أكثر عن هذه النظرية يمكن الاطلاع على المقال السابق الذي يتناول الموضوع.
3 – التجهيزات السايزمية Seismic equipment : أجهزةٌ تعتمد على إرسال أمواج زلزالية اصطناعية إلى داخل القشرة الأرضية واستقبالها ومن ثم معالجتها وتحليلها لتكوين صورةٍ واضحة عن البنيات التحت سطحية.
4- المروحة الرسوبيّة Sedimentary fan: هي عبارةٌ عن توضُّعاتٍ رسوبيّةٍ تأخذُ شكلَ مروحةٍ أو مخروطٍ. تتشكّلُ هذه المروحة إمّا بفعل المجاري المائيّة وتُسمّى عندها بالمروحة الغرينية أو مروحة الطمي Alluvial fan ، أو بفعل الانهيارات الثلجية أو المجاري المائيّة الصغيرة عند سفوح السلاسل الجبليّة وتُسمّى عندها بمخروط الحطام Debris cone.
5- العيّنة اللبيّة Core sample: هي عبارةٌ عن مقطعٍ أسطوانيٍّ من مادّةٍ طبيعيّةٍ. يتمّ الحصول على هذه العينات عادةً من خلال الحفر ضمن الصخور أو الرسوبيّات باستخدام أنبوبٍ فولاذيٍّ مجوَّف. (موضّحة في الصورة)
المصدر:
ترجمة: مهند أدهم Mohannad Adham