الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة
الحوافزُ غيرُ الإدراكية (الجزء الثاني)
في بدايةِ القرنِ العشرين، أقنعَ نِقاشُ السؤالِ المفتوحِ لـMoore العديدَ من الفلاسفةِ بأنَّ الحالاتِ الأخلاقيّةَ غيرُ مُعادِلةٍ للحالاتِ التي تَستخدِمُ المصطلحاتِ غيرَ الأخلاقيّةِ أو التوجيهيّة؛ إذْ إنّه يمكنُ لأيِّ متكلّمٍ مختصٍّ أنْ يُميِّزَ بشكلٍ جيّدٍ ومِن دونِ شكّ: المصطلحَ الأخلاقيَّ المستعمل؛ مثلَ (جيِّد) أو (صحيح)، ولكنّ السؤالَ -بالنسبةِ له كذلك- هل إذا كانَ ذلك الموضوعُ الموصوفُ جيّدًا أو صحيحًا؛ فهو مفتوحٌ دائمًا؟
بالنسبةِ لغيرِ الإدراكيّة، فإنَّ التعبيراتِ الأخلاقيّةَ المستخدَمةَ في سؤالٍ مفتوحٍ كهذا؛ لم تسْعَ لتقديمِ أيِّ شيء، ولا لإسنادِ أيِّ خاصيّةٍ، وهي أيضًا غيرُ متعادِلةٍ مع أيِّ توجيهٍ.. بالأحرى، هم لم يقدّموا إلا العواطفَ المنقولة.
أَدركَ الفلاسفةُ المعاصرون أنَّ الجُمَلَ التي تُعبِّرُ عن الهُوِيَّاتِ قد تكونُ تركيبيّةً في مُقابلِ التحليلِ أو المعنى الحقيقيِّ للتعريف؛ فنحن نستطيعُ أنْ نكتشفَ أنَّ الماءَ يَحوي ما يحتويه من هيدروجين وأكسجين (H2O) دونَ أنْ نستنتج ذلك مِن معاني المصطلحاتِ المُتَضمَّنِ فيها (أي الماء).
نقاشُ السؤالِ المفتوحِ يدعَمُ ما نُسمّيهِ قانونَ هيوم Hume (وهو الادّعاءُ بأنَّهُ لا يُمكِنُ لأحدٍ أنْ يَستنتِجَ على نحوٍ صحيحٍ فعلَ الوجوبِ مِن فعلِ الكينونةِ (ought من is)).
بِحَسْبِ قانونِ هيوم، لا وجودَ لمقدِّماتٍ منطقيّةٍ تتألّفُ بِشكلٍ كاملٍ مع حالاتٍ توجيهيّةٍ غيرِ أخلاقيّةٍ مُحَدَّدة، تَستلزِمُ استنتاجًا معياريًّا أو أخلاقيًّا.
إنَّ غيرَ الإدراكيِّ؛ في موقفٍ لشرحِ هذا القانونَ. إلى حدِّ الآن، العرضُ الإيجابيُّ لعملِ المصطلحاتِ الأخلاقيّةِ يقترحُ القيامَ بفعل، أكثرَ مِنْ مُجرّدِ الشرحِ الأخلاقيِّ للعالم.
سيقولُ إنَّ المصطلحاتَ الأخلاقيّةَ جوهريًّا تُعبِّرُ عَنْ موقفٍ إيجابيّ، أو وظيفةٍ يُؤْمَرَ بها commend))، في حينِ أنَّ المصطلحاتِ التوجيهيّةَ البحْتةَ ليست كذلك. قد تكونُ التعبيراتُ الأخلاقيّةُ تحليليًّا معادِلةً للتعبيراتِ الطبيعيّة، لكنَّ هذه التحليلاتِ ذاتَها ليست واضحة، حتّى بالنسبةِ لمتكلّمٍ مختصّ؛ وهذا إمّا لأنَّهُ لا توجدُ تحليلاتٌ واضحة، أو لأنَّ التحليلَ الأخلاقيَّ بشكلٍ خاصٍّ؛ معقّد.
واحدةٌ من الأخلاقِ التي تعودُ للفلسفةِ التحليليّةِ في القرنِ العشرين، هي أنَّ أيَّ تحليلات؛ يمكنُ للمتكلِّمينَ المختصّينَ التشكيكُ فيها.
مفارقةُ التحليل (The paradox of analysis):
إذا كانَ أيُّ تعريفٍ يمكنُ أنْ يُشَكَّكَ فيه من قبلِ مختصّ، ونحن نعلمُ أنَّ هنالك على الأقلِّ بعضَ التعريفاتِ الموجودةِ ضمنيًّا في الحقيقةِ المحلَّلةِ؛ إذنْ فالحقيقةُ المجرَّدةُ هي أنَّ المتكلّمَ يمكنُ أنْ يتبنّى أيَّ تحليلٍ قد لا يعارِضُ ذلك التحليل.
إنَّ أيَّةَ مساواةٍ قدْ تكونُ تحليليّةً لأنًّ المختصّينَ يراعونها ضمنيًّا وكأنَّ المساواةَ صحيحةٌ أو حقيقيّة، وقد تمَّ اقتراحُ أنَّ المفاهيمَ الأخلاقيَّةَ مفاهيمُ وظيفيّةٌ مماثلةٌ لمفاهيمِ مختلِفِ الحالاتِ الذهنيّة، كما يراهُ الوظيفيّون (functionalists).
إنَّ الأخلاقَ المنطقيّةَ تجسِّدُ نظريّةً أخلاقيّةً تحدِّدُ أيَّ الطرقِ ترتبطُ بها الخاصيَّاتُ الأخلاقيّةُ المختلفة (كالصّحة rightness، والخطأ wrongness، والصلاح goodness، والسوء badness، والعدل fairness... إلخ) مع بعضها، ومع الخاصيّاتِ الأخرى.
عندما نضعُ جميعَ الادِّعاءاتِ لنظريةِ المنطق (Commonsense theory) مع بعضها البعض، فإنّها تحدِّدُ الدورَ الذي يتوجّبُ على كلِّ خاصيّةٍ القيامُ به في شروطِ الخاصيّاتِ الأخرى المرتبطةِ بها.
مفهومُ الوظيفةِ المحدَّدةِ So-specified)) لكلِّ شرطٍ قد تكونُ عندئذٍ المفهومَ المُشارَ إليهِ في ذلكَ الشرطِ؛ ومِن ثَمَّ فإنه علينا أنْ نتوقّعَ أنْ تكونَ مثلُ هذهِ المفاهيمِ معقَّدةً جدًا.
الطبيعيَّة (Naturalism):
يدّعي الطبيعيُّون أنّ الطبيعةَ عادةً تستبعِدُ الكِياناتِ الخارقةَ للطبيعة، وقد قلّلوا مِن الخاصيّاتِ أو المواضيعِ الغامضةِ التي يبدو أنَّها غيرُ طبيعيّة؛ إلى خاصيّاتٍ طبيعيّةٍ مألوفة، وحاولوا إظهارَ هذه المواضيعِ أو الكِياناتِ على أنَّها ليست أسْمى مِن الخاصيّاتِ أو المواضيعِ الطبيعيّةِ.
غيرُ الإدراكيّةِ ليست شكلًا مِن الطبيعيَّةِ المختزَلةِ عن محتوياتِ الأحكامِ الأخلاقيّةِ والمبادئِ والجملِ. إنها لا تساوي الخاصيّةَ المبنيّةَ على أحكامٍ كهذه مع أيِّ خاصيّةٍ طبيعيّة؛ لأنها تنفي أنَّ وظيفةَ هذه التعبيراتِ هي إسنادُ الخاصيَّاتِ.
لكنْ بطريقةٍ أخرى، فإنَّ غيرَ الإدراكيِّين طبيعيُّونَ؛ لأنهم يُعيدونَ موقفَ قبولِ الحكمِ الأخلاقيِّ إلى مصدرٍ طبيعيٍّ مِن المواقف؛ كموقفِ الموافقةِ أو عدمِ الموافقةِ، ولا يُسَلِّمون بأيِّ خاصيَّةٍ لا يمكنُ إرجاعُها إلى خاصيَّةٍ طبيعيَّة.
وسببٌ آخرُ لاعتبارِ أنَّ غيرَ الإدراكيّةِ كانت طبيعيّة؛ أنَّه إذا شَكَّ أحدُهم في احتمالاتِ إرجاعِ الخاصيَّاتِ الأخلاقيَّةِ إلى خاصيَّاتٍ طبيعيَّة؛ فلن يكونوا بحاجةٍ إلى الاعترافِ بوجودِ أيِّ خاصيَّاتٍ خارقةٍ للطبيعة.