الفنون البصرية > فن وتراث
متحفُ الشّمع (مدام توسو Madame Tussauds)، تماثيلٌ تكادُ تنطق!
يحرصُ كثيرٌ من زوارِ العاصمةِ البريطانيةِ على زيارةِ متحفِ مدام توسو للتماثيلِ المصنوعةِ من الشّمعِ لما عُرفَ عنه من براعةٍ واحترافٍ في تجسيدِ الشخصياتِ حتى تكادُ تماثلُ الواقعَ. ويعودُ اسمُه إلى ميري توسو (ميري غروشولتز 1761-1850) وهي المؤسِّسةُ الفرنسيّةُ الأصلِ للمتحف.
القصةُ المريعةُ وراءَ نشأة المتحف:
قضت ميري توسو الفترةَ الأولى من حياتِها في مدينةِ بيرن ثم انتقلت إلى باريس حيث عملت منذ 1780 وحتى اندلاعِ الثّورةِ الفرنسيّة في1789 كمعلمةٍ للفنِّ لأختِ الملكِ الفرنسيِّ لويس السّادس عشر وانتقلت للإقامةِ في البلاطِ الملكيِّ (قصر فيرساي). وإثرَ الثّورةِ الفرنسيّةِ سُجنت مع أمِّها في سجنِ La force السّيء الذّكر لاتهامِها بمناصرةِ الملكيّةِ وتبعاً لمذكراتِها فإنها أُجبِرت على صنعِ أقنعةِ موتٍ لرؤوسٍ تم قطعُها حديثاً بالمقصلة ! وهي تعودُ لنبلاءَ تم إعدامُهم، وقد كان من بينهم عددٌ من أصدقائِها وحتى الملكُ والملكة. لتنتهي الثّورةُ الفرنسيّة في عام 1794 وترِث ميري معرضَ الشّمعِ الشّهيرَ الخاصَّ بمعلِّمها الدكتور فيليب كورتيوز.
ولم يكن زواجُها من المهندسِ فرانسوا توسو ناجحاً، فاصطحبت ولديها ومجموعةً التماثيلِ الشمعيّةِ التي كانت قد صنعتها لعرضِها في الجزرِ البريطانيةِ في جولةٍ استمرت ثلاثاً وثلاثين عاماً قبل أن تؤسّسَ لإقامةٍ دائمةٍ في شارع بيكر في لندن حيث عملت إلى ما قبل وفاتِها بثمان سنوات، لينتقلَ بعدها المتحفُ إلى مقرِّه الحالي في شارع مارلبون في لندن عام 1884.وقد أطلقت مجلة Punch الشّهيرةُ اسمَ غرفةِ الرّعبِ على الغرفةِ المخصصةِ لعرضِ يقايا أعمالِ مدام توسو خلال الثّورة الفرنسيّة.
أضرارٌ تعرّض لها المتحف: تعرّضَ المتحفُ لدمارٍ كبيرٍ إثرَ تعرّضهِ لحريقٍ شبَّ فيه عام 1925، ليُصارَ بعدها إلى ترميمِه مع إضافةِ سينما ومطعم .كما تعرّضَ للقصفِ بقنبلةٍ ألمانيةٍ في الحربِ العالميّةِ الثانيةِ أدّت لتدميرِ السينما و352 من تماثيل الرؤوس.
والآن نبدأ جولتُنا داخلَ المتحفِ والتعرّف على أقسامِه المختلفة:
1-party أو (الحفلة) : وهنا تعيشُ أجواءَ السجادةِ الحمراءَ وتتجولُ بين تماثيلِ نجومِ هوليوود أمثال أنجيلينا جولي – براد بيت- جورج كلوني- كيت ونسلت وغيرهم.
2-culture أو (الثقافة): وفيه تلتقي بأعظمِ المفكرين، العباقرة، الكُتاب والرّسامين الذين كان لهم بصمتُهم الخاصة في العالم أمثال أينشتاين، ستيفين هوكينغ، شيكسبير وغيرهم الكثير.
3-قسم الموسيقا: وهنا تعيشُ كواليسَ الأحداثِ الموسيقيةِ وتلتقي بأيقوناتِ البوب أمثال مادونا ، ليدي غاغا ، أديل ،مايكل جاكسون وغيرهم.
4-قسم الرياضة: وفيه تلتقي بنجومِ الرياضةِ مثل كريستيانو رونالدو،رافاييل نادال، محمد علي كلاي ،وغيرهم.
5-القادة العالميين: مثل باراك أوباما ، نيلسون مانديللا، ديفيد كاميرون وغيرهم.
6-وفي قسم الأفلام تطالعُك شخصياتِ أفلامٍ مشهورةٍ من مختلف الحقب.
7-وهنا القسمُ المخصصُ للعائلةِ المالكةِ البريطانيّة : وتجدُ فيه تماثيلَ الملكة إليزابيث، دوق ودوقة كامبريدج والأمير هاري وبقية العائلة.
8-كما يوجد قسم مخصص لبوليوود ومشاهيرها.
9-قسم marvel للأبطال الخارقين مثل سوبرمان ،هالك، سبايدرمان وغيرهم.
10-قسم شخصيات حرب النجوم star wars.
11-قسم مشاهير اليوتيوب.
12- وأخيراً غرفةُ الرّعب وتعرضُ فيها تماثيلُ الرؤوسِ التي قُطعت خلالَ الثورة الفرنسية.
ولتجربةٍ أمثلَ يوجدُ عرباتٍ داخليةٍ تنقلك بين مشاهد تجسّدُ تاريخَ مدينةِ لندن بطريقةٍ تفاعليةٍ جذّابة.
ونظراً للنّجاحِ والإقبالِ الشّديدين والذي يحظى به متحف الشّمع في لندن ،فقد افتتح له عددٌ من الفروع حول العالم منذ عام 1972 وحتى الآن وتنتشر في : أمستردام، برلين، نيويورك، لاس فيغاس، واشنطن، هوليوود، بانكوك، هونغ كونغ، شانغاهاي، بلاك بول وأخيراً فرع في النمسا.
كيفية صنع التّماثيل:
يُصنعُ سنوياً في استوديوهات مدام توسو حوالي 40-50 تمثال والعديدُ من المشاريعِ الكبيرةِ لا يزالُ قيدَ الإنجازِ ممّا قد يرفعُ العددَ حتى 100 تمثالٍ سنوياً وكلُّ الأقسام سيتمُّ توسيعُها تبعاً لذلك. وتزوّدُ هذه الاستوديوهات جميعَ فروعِ متحفِ مدام توسو بالتماثيل، حيث تبلغُ حصةُ متحفِ الشّمعِ في لندن حوالي 10-12تمثال سنويّاً.ورغم التطورِ في الموادِ المستخدمةِ وكميةِ التماثيلِ المصنوعةِ ونوعيتِها فإنه تم الحفاظُ على نفسِ طريقةِ العملِ منذ افتتحت مدام توسو متحفَها منذ أكثر من 200 سنة ولإعطاءِ هذا المظهرِ البالغِ الدّقةِ تمرُّ التّماثيلُ بعمليةٍ معقدةٍ تبدأ بقياسِ جسمِ الشّخصِ المعني من رأسِه حتى أخمصِ قدميه وقد يستغرقُ ذلك قرابةَ 4 ساعات لأخذ حوالي 250 معلومة وفي حالِ تعذّرَ حضورُ الشّخصِ ينبغي إرسالُ المقاساتِ المطلوبةِ مرفقةً بصورٍ ومقاطعَ فيديو. وفي حالةِ الشّخصياتِ التّاريخيةِ يًعتمد الشّكلُ الموجودُ في اللّوحات، التماثيلُ أو أقنعةُ الحياةِ والموتِ الخاصة بالشّخصية، بالإضافة لبحثٍ حولَ وصفِ الشخصيةِ في المراجِعِ التّاريخيةِ وكلُّ هذا يقومُ به قسمٌ متخصصٌ في الأبحاثِ في المتحف. تبدأُ عمليّةُ صنعِ التّمثالِ بصبِّ الصلصالِ على هيكلٍ معدنيٍّ مع الفصلِ بين الجسمِ والرّأسِ ثم يستخدمُ النموذجُ المصنوعُ من الصلصالِ لصنعِ قالبٍ من الجصِّ يُصبُّ فيه الشّمعُ السائلُ ويُتركُ ليبردَ حتى يغدو بسماكةِ 5-10 إنشات. يتمُّ بعدَها تركيبُ القطعِ المختلفةِ مع إضافةِ المفاصل. وتصنعُ العيونُ بعنايةٍ فائقةٍ لإعطاءِ نفسِ درجةِ اللّونِ والنظرةِ وتلوّن بعدَها بالألوانِ المائيةِ ثم تغطى بالأكريليك، أما الأسنانُ فيصنعها تقنيو صناعة تعويضاتِ الأسنان البشرية أنفسهم وتُراعى فيها الدّقة أيضاً. أما شعرُ الرّأسِ فهو حقيقيٌّ وتُغرس كلُّ شعرةٍ على حدة. يتمُّ بعدَها تلوينُ الجسمِ بموادَّ وتقنيةٍ تعطي أقربَ مظهرٍ للشّكلِ الطّبيعيّ للجلد. وأخيراً يتمُّ إلباسُ الشّخصية ثياباً إما أن يكون صاحب/ة التمثال قد تبرّع بها أويتمُّ شراءُ أو صنعُ ملابس، أحذية ومجوهرات مقلّدة تماثلُ ما تظهرُ به الشخصيّةُ عادة.
يستغرقُ صنع التمثال الواحد نحو أربعة –ستة أشهر وتكلفته نحو 200000 يورو.
بشخصيّاتِه التي شغلت العالمَ سواءً بتأثيرِها الإيجابيّ أو السّلبي، ومع المواكبةِ المستمرّةِ للأحداثِ والتّطوراتِ العالمية، بالإضافةِ للدّقةِ والمهارةِ العاليةِ في صنعِ التماثيل، حافَظَ متحفُ الشّمعُ على مكانتِه كأحدِ أهمِّ المعالمِ السّياحيةِ والفنّيةِ في لندن والعالم .
(لمشاهدة تشكيلة أوسع للصور يرجى زيارة الموقع الرسمي للمتحف: هنا)
المصادر: