كتاب > الكتب الأدبية والفكرية
الأعمال النثرية الكاملة :عندما يكتبُ نزار قباني نَثرًا
منذُ أيّامٍ وأنا أحاولُ جاهداً البحثَ عن مُقدّمةٍ لهذا المقالِ تليقُ بقامةِ الشّاعرِ نزار قباني. مُتأمّلًا في جمالِ لُغتي؛ بحثتُ عن جُملٍ عذبةٍ ونقيّةٍ تشبهُ سلسبيلَ ابن الفيحاء؛ إلا أنّ الطّريقَ لم تكن معبّدةً أمامي.
وكِدتُ أن أتنحّى عن هذهِ المَهمّة إذْ وجدتُ نفسي كَمَن يُحاولُ أن يجمعَ كلَّ العُطورِ في قارورةٍ واحدة.
ليسَ أنقى من شعرِ نزارٍ إلّا نَثرهُ! تكادُ تَلمسُ الأشياءَ وأنتَ تقرأ لهُ، فعندما يتحدّثُ عن البستانِ يتوجّبُ عليكَ الاستعدادُ لالتقاطِ تفاحةٍ أو باقةِ وردٍ قد يُلقيها عليكَ في أيّ لحظةٍ، وإن تحدّثَ عن المرأةِ؛ فستراها أمامكَ وتشتَمُّ عِطرها وتراقبُ اغتسالها بالبَرَدْ، وقد يُؤلمُكَ كلامهُ فيما لو أخذَك في رحلةِ إلى الوطن.
إنّ الأعمالَ النثريّة الكاملة لنزار قباني هي الجزءُ السّابعُ من سلسلةِ أعمالهِ الكاملةِ؛ ويضمّ أربعةَ كتبٍ تبدأ مع "الشّعر قنديلٌ أخضر" وترتيبهُ ضمنَ سلسلةِ الأعمالِ الكاملةِ هو الثامنُ والعشرون، وقَدْ صَدرَ عام 1963، ليضمّ مجموعةً من المَقالاتِ التي تحملُ موضوعاتٍ متنوّعة، حيثُ كانَ الدّفاعُ عن القصيدةِ الحديثةِ في وجهِ المُتمسّكينَ بالقصيدةِ العَموديّة أهمّ هذهِ الموضوعات، وفي هذا الصّددِ يقولُ القباني: "أسلوبُ القصيدةِ العَموديّة القديمِ يشابهُ من حيث البناء، بناءَ القلاعِ في القرونِ الوسطى، مَرمَرٌ ورخامٌ وشموخُ أعمدةٍ؛ أمّا القصيدةُ الحديثةُ فهيَ أشبهُ بديكور حُجرةٍ صغيرةٍ وُزّعتْ مقاعِدُها ولوحاتُها وأوانيها بشكلٍ ربّما لا يوحي بالثّراءِ الفاحشِ لكنّهُ يوحي بالدفء والأُلفة." وفي هذا الكتابِ عملٌ أدبيٌّ بعنوان: "أغنية إلى شاكر مصطفى" وهي المُقدّمة التي كتبها نزار قباني لإحدى كُتبِ شاكر مصطفى، وهيَ بحدّ ذاتها تُحفةٌ أدبيّة تستحقُّ التّمعّن.
أمّا الكتابُ الثّاني: "قصّتي مع الشّعر" وترتيبهُ ضمنَ سلسلة ِالأعمالِ الكاملةِ هو التّاسع والعشرون، فقد صدرَ عامَ 1970، وفيهِ أجملُ رحلاتِ الكاتبِ حولَ العالمِ رجوعًا إلى دمشق، وبالتّحديدِ إلى حارةِ مأذنةِ الشّحم في الشامِ القديمةِ، حيثُ نبدأ مع نزار مشوارَ السّيرةِ الذاتيّةِ التي يُصوّرُها لنا بريشةِ رسّامٍ وقلمِ شاعرٍ؛ ليقدّمَ لنا لوحةً لن تملَّ الأبصارُ من رؤيتها.
وتبدأُ الرّحلةُ في ذاكرةِ القبّاني من طفولتهِ وسنواتِ الشّبابِ الأولى في البيتِ الدّمشقيِّ الجميلِ الذي يقولُ عنهُ: "هل تعرفونَ معنى أن يسكنَ الإنسانُ في قارورةِ عِطرٍ؟ بيتُنا كانَ تلكَ القارورة". وسنتعرّفُ على دراسةِ نزار قباني للمحاماة؛ وكيفَ اعتزلها قبلَ أن يعملَ بها، فيُخبرنا عن ذلك: "لم أمارس المُحاماة، ولم أترافعْ في قضيّةٍ قانونيّةٍ واحدة، القضيّةُ الوحيدةُ التي ترافعتُ عنها ولا أزال، هي قضيّةُ الجمال، والبريءُ الوحيدُ الذي دافعتُ عنهُ هو الشّعر."
و نظرًا لعملِ القبّاني في السّلكِ الّدبلوماسي؛ فإننا سوف نسافرُ معهُ خلال هذا الكتابِ حولَ العالمِ، ونتكتشفُ من وجهةِ نظرهِ أهميّةَ هذهِ التنقّلاتِ وكيفَ أثرَتْ مشوارهُ الشّعري، كما سنكتشفُ مصادرَ إلهامهِ وكيفَ بنى قصائدهُ؛ حيثُ يركّزُ على أن الإنسانَ هو مصدرُ الإلهامِ الوحيدِ وأّنهُ يُسخّرُ الطّبيعةَ بكلِّ جمالِها في يدِ المرأةِ التي يُحب.
وفي كتابِ "عن الشعر والجنس والثورة" -الكتابُ الثلاثون في سلسلة الأعمالِ الكاملة والصّادرُ في العامِ 1971- حوارٌ طويلٌ وممتعٌ أجراهُ الدّكتور (منير العكش) مع نزار قباني على مدارِ شهرينِ كاملين، ويعتبرهُ نزار من أكثرِ الحواراتِ التي استطاعَ من خلالها أن يشرحَ للناسِ وجهاتَ نظرهِ كشاعرٍ أمامَ الجمهورِ العربي، وقدّم خلالها رأيهُ في الكثيرِ من القضايا بدءاً من المرأةِ مروراً بالوطنِ وانتهاءً بدورِ الشّعرِ في تغييرِ الواقعِ العربيِ.
وفي كتابهِ الرّابعِ "المرأةُ في شِعري وفي حَياتي" وهوَ الكتابُ الحادي والثلاثون والصّادِرِ عامَ 1975، فيعتبَرُ بمثابةِ عمليّةِ جمعٍ وتوثيقٍ للكثيرِ من الحواراتِ الصّحفيّةِ والمُتلفزة التي أُجرَيت مع القبّاني، وتمحورَت هذه النصوصُ حولَ موضوعِ المرأةِ، وقد حاولَ فيها الشّاعرُ أن يُصحّحَ الصورةَ القديمةَ المحفورةَ في ذاكرةِ النّاسِ عن نزار قباني بصفتهِ "شاعرُ المرأةِ فقط"؛ فعمدَ على رسمِ ملامحَ أكثرَ حداثةً وإنسانيّة؛ فنسمعهُ يقولُ عندما يُسألُ ماذا فعلتَ من أجل المرأة؟: "وما الذي لم أفعلهُ من أجلها؟ حملتُها على كتفي أربعينَ عاماً وسافرتُ بها مشياً على الأهدابِ من الخليجِ إلى المُحيط، وعلى كل كُثيبِ رملٍ نامَت عليه، ترعرعَت نخلةٌ وانبثقَ ينبوعُ ماءٍ، ربّما كانَ من أهمّ إنجازاتي أنّني حذفتُ اسمَ المرأةِ من قائمةِ الطّعامِ ووضعتهُ في قائمةِ الأزهار".
تضمُّ الأعمالُ النّثريّةُ الكاملةُ لنزار قبّاني، مايجذِبُ القارئَ من مختلفِ الطبقاتِ الثقافيّة، ولو أنّ مسألةَ المُستوى الفنّي لأعماله؛ِ بقيت مثارَ جدلٍ بينَ القرّاءِ والنقّادِ وكلّ من يتذوّق الشّعرَ والنّثر العَربيّ، بلْ كانتْ أيضًا عُقدةً تلازمُ القبّاني نفسَه، إذْ وصَفها قائلًا: "إنّها الصُّداعُ الذي يفتَرسُني دائمًا قبلً أنْ أجتازَ بابَ المَطبعة".
معلومات الكتاب:
الكتاب: الأعمال النثرية الكاملة لنزار قباني
المؤلّف: نزار قباني.
دار النشر: منشورات نزار قباني- بيروت
عدد الصفحات: 650 من القطع المتوسّط.