الفيزياء والفلك > فيزياء
سلوك الضوء في الفضاء المنحني.
للتّحقّق من أثر الجاذبية على انتشار الضّوء، يجب على العلماء عادةً الخضوع لشروط الكتل الضّخمة والمسافات الفلكيّة. ولكن الفيزيائيين في جامعتي فريدريك ألكسندر FAU وفريدريك شيلر أظهروا أنه يوجد هناك طريقة أخرى. ففي مقال نُشر في مجلّة ( Nature Photonics) استطاعوا إيجاد حل لمشكلة الحاجة لمسافات فلكيّة في المخبر، مُركّزين اهتمامهم على خواص انحناء سطوح المواد.
فبحسب النّظرية النّسبيّة العامّة لأينشتاين، يمكننا اعتبار الجاذبيّة على أساس أنها انحناء لفضاء زمكاني بأربعة أبعاد. وفي هذا الفضاء المنحني، تتحرك الأجرام الفلكيّة والضوء على طول الخطوط الجيوديسية*، أي وفق أقصر مسافة ممكنة بين نقطتين، والتي غالباً ما تبدو مختلفة وعشوائيّة إلا أنها تكون مستقيمة عند النّظر من الخارج.
واستخدم فريق البحث الذي يقوده الدكتور أولف بيشيل (Ulf Peschel) مسارات مكانيّة لاختبار انتشار الضوء في هذه الفضاءات المنحنية في المخبر. وبدلاً من تغيير الأبعاد الأربعة جميعها للفضاء الزمكاني، قاموا بتقليص الأبعاد إلى بعدين فقط ودراسة انتشار الضوء خلال السّطوح المنحنية. ولكن، ليست كل السّطوح المنحنية متماثلة فعلى سبيل المثال يمكنك بسهولة تشكيل السّطوح الأسطوانية أو المخروطيّة باستخدام قطعة مسطّحة من الورق، ولكن من المستحيل فرد سطح كرة على ورقة مسطحة من دون تمزيقها أو تشويهها. والمثال الأشهر على ذلك هو خريطة العالم الكرويّة والتي تُظهر دوماً السطوح بطريقة مشوّهة. حيث أن انحناء سطح الكرة هو خاصة أساسيّة لا يمكن أن تتغيّر ولها تأثير على الخواص الهندسيّة والفيزيائيّة في هذه السطوح ثنائيّة الأبعاد.
قام الباحثون باختبار أثر هذا الانحناء الأساسي للفضاء على انتشار الضوء في تجربتهم. ومن أجل ذلك، قاموا بحجز الضوء في مساحة صغيرة بالقرب من سطح جسم مصنّع خصيصاً لذلك، ومن ثم جعله يتابع سيره على السطح. ومع انتشار الضوء، فإنه يقوم بنفس السّلوك عند انحرافه عن الكتل الضّخمة. ومن الممكن بتغيير انحناء السّطح التّحكّم بانتشار الضوء. وبشكل معاكس، فإنه من الممكن الحصول على معلومات حول انحناء السّطوح بتحليل انتشار الضوء فيها. وبالتّحول إلى الملاحظة الفلكية فإن ذلك يعني أن الضوء الذي يصل إلينا من النّجوم البعيدة يحمل معلومات هامّة عن الفضاء الذي سافر عبره.
كما قام الباحثون خلال عملهم بدراسة كثافة التداخل. حيث سبقهم إلى ذلك الفيزيائيين الإنكليزيين روبرت هانبري براون (Robert Hanbury Brown) وريتشارد تويس (Richard Twiss)، والتي تستعمل لتحديد حجم النّجوم القريبة من الشّمس. وبطريقة القياس هذه، يتم إعداد مقرابين "تلسكوبين" على مسافة بعيدة والتّركيز على النّجم الذي نريد إجراء الدّراسة عليه. ويتم قياس الاختلاف في شدة الضّوء عبر المقرابين، ومن ثم مقارنة نتائجهما. حيث يَنتج هذا الاختلاف نتيجة تداخل الأشعة الضوئية الصّادر بشكل منفصل عن سطح النجم، فيَظهر على شكل نمط من النقاط الضوئية في الصورة النّاتجة، مما يسمح بالوصول إلى نتائج حول حجم الجسم الذي تتم دراسته.
وبما أن مسارات الضوء في فضاء منحني يميل إلى التقارب أو التباعد بدرجة أكبر من فضاء مسطح. فإن حجم النّقاط يتغيّر بحسب الانحناء. وأظهر الباحثون أن معرفة الانحناء أساسيّة للوصول إلى النّتائج، وأنّ التجربة التي تستخدم هذا التّداخل مناسبة لقياس انحناء الكون بدقّة أكبر.
سواء كانت نتائج بحثهم ستقود إلى فهم أفضل للكون فإن المعلومات لم تكتمل بعد. يقول البروفيسور بيشل: "إن الهدف الأساسي من بحثنا هو نقل النتائج التي تعتمد على النّظرية النسبيّة العامّة إلى علم المواد، عبر نمذجة دقيقة لسطوح الأجسام. فعلى الرّغم من أنّ هذين المجالين يبدوان غير مترابطين، فإنّه يوجد علاقات هامّة. فمن وجهة نظر صناعيّة، فإن تصميم السطوح المستوية دوماً أسهل التحقيق. ولكن السّطوح المنحنية لديها العديد من الميّزات التي لم تستثمر بعد. كاستخدامها للتّحكّم بمسار الضّوء في الجمل البصريّة مثلاً. حيث أن إنشاء اختلاف في انحناء هذه السطوح له نفس أثر تغيير حجوم المواد نفسها. مما يُوفر بالعديد من الخطوات والمواد المستخدمة وبالتّالي تخفيف الدّارات البصرية التكامليّة أو المكوّنات البصريّة المكرويّة المستخدمة.
*الخط الجيوديسي في الفراغ المنحني يختلف عنه في حالة ما إذا كان الفراغ مستويًا.
لمعرفة المزيد عن الفضاء المنحني ممكن متابعة المقال : هنا
المصدر: هنا