التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية

تطور الهُوية الجنسية

استمع على ساوندكلاود 🎧

يبدأ تشكل الطفل من خليةٍ واحدةٍ فقط ألا وهي البيضة الملقحة التي تتطور على مدى تسعة أشهرٍ وثلاثة أسابيع لِتُنتج ملايين الخلايا المختلفة بعضها عن بعض والتي يتكون منها الطفل. ومجموعة متكاملة من هذه الخلايا تُكوِّن هذه الخلايا الجهاز التناسلي بهرموناته مُحددةً بذلك النمطَ الجنسي الظاهر والصفاتِ الجنسية الثانوية.

في البدايةِ نُخلَق جميعنا إناثاً في الرحم، وفي الأسبوع الثامن من التعشيش يتكون العامل المُحدِّد للخِصى (TDF) لدى بعض الأجنة، الأمر الذي يجعلهم ذكوراً، ويحدد تطور أعضائهم التناسلية إلى أعضاء تناسلية ذكرية وما يتبع ذلك من مراحل هرمونية.

كل هذا يُحدد في الرحم، ويمكن ملاحظته باستخدام الأمواج فوق الصوتية (الإيكو) لاحقاً، وما يُحدد خارج الرحم وفي السنوات الأولى من العمر والمدرسة يصب في الهوية الجنسية.

تبدأ البيئةُ التي ينشأ فيها الطفل والتي تتعلق بجنسه (Gender) بالتكوُّن قبل الولادة، وتسمح عملية التصوير بالموجات فوق الصوتية بتحديدِ جنس الجنين بدقةٍ محدودة في المرحلة الثانية من الحمل (الفصل الثاني Second Semestre) وهي الفترة الممتدة من الأسبوع الثالث عشر وحتى الأسبوع الثامن والعشرين، وغالباً ما تختار العائلة -على أثرِ معرفة جنس المولود- اسماً وملابس وألعاباً مناسبة للجنس، وقد تختلف تطلعات الأبوين باختلاف الجنس. وهكذا، فإنَّ العوامل التي ستأثر بميول الطفل وذوقه ستُحدد قبل ولادته مسبقاً.

تؤدي الطبيعة بعواملها المختلفة (والتي كما سبق وذكرنا قد يتدخل بها الأبوان) دوراً في تحيز الدماغ خفيًّا نحو جنسٍ معين عند الثديات خلال السنوات القليلة الأولى، وربما قد يحدث هذا في بعض الحالات بعد عدة سنين حتى لو حدث تطورٌ بمفهوم الجنس عند الطفل، وسُمِّي هذا باسم "الهوية الجنسية الجوهرية" التي تمثلُ كل الغرائز التي يُحددها الشخص نتيجةَ التداخل بين العوامل الوراثيةِ والخارجية؛ إذ  أوضحت بعض الدراسات أنَّ هذا التعبير يظهر بين سن الثانية أو الثالثة من العمر، ولكن الدور الجنسوي (Gender Role) (الذي يمثل التصرفات التي يؤديها الشخص وتحدد جنسه) لا يكون واضح المعالم حتى سن الخامسة من العمر غالباً (ومن الممكن أن يحدث قبل ذلك).

يدرك الأطفالُ الاختلافاتِ الماديةَ بين الذكور والإناث في السنة الثانية من العمر تقريباً؛ فمعظمهم قادرٌ على تصنيف نفسه كـ "صبي" أو" فتاة" قبل عيد ميلادهم الثالث، وبحلول عامهم الرابع يصبح لِمعظمهم شعورٌ ثابتٌ بهويتهم الجنسية. وخلال هذه المرحلة من الحياة، يتعلم الطفل السلوك الملائم المرتبط بجنسه (الدور الجنسوي) بمعنى "الأشياء التي يؤديها الصبيان" و"الأشياء التي تؤديها الفتيات".

خلال مرحلة الطفولة، تبقى الهويةُ الجنسية في المرحلةِ نفسها غير المكتملة منذ الولادة، لذلك يشرع الوالدان في بناء الدور الجنسوي للطفل؛ إذ تُكوِّن قراراتهم المؤثرَ الأكبر من المؤثرات البيئيَّة؛ فتجربة مجموعة من الأنشطة المتنوعة أو الأنشطة التي تنحصر على إحدى النمطين الجنسيين تؤثر في تطور النوع، وتَحدُث التغيرات السلوكية عندما يتفاعل الآباء والأمهات مع الأطفال الذكور مقابل الإناث؛ إذ تُحتضن الإناث أكثرَ ويُعاملن برقةٍ، بينما يُشجع الذكور على اللعب بحزم، وهذا التفاوت قد يبدو أكبرَ عند الآباء من الأمهات.

تُعزَّز الهوية الجنسية للطفل خلال المرحلة المتبقية من الطفولة والمدرسة من خلال الدور الجنسوي، فيظهر تفضيل الرفاق من  الجنس نفسه عادة بين سن الثالثة والرابعة من العمر، ويُعرَّف الدور الجنسوي على نحوٍ أفضل عن طريق الأنشطة والتفاعلات، فيُفضل الذكور الأنشطةَ العنيفة بينما تفضل الفتيات الأنشطة الأكثرَ هدوءاً مع اعتمادٍ كبير على الخيال.

يبدو أنَّ كل الافتراضات المذكورة صحيحة إلى حدٍّ كبير عند فحص الأطفال في السن الذي يذهبون فيه إلى المدرسة، وكثيراً ما تُعدُّ بيئةُ المدرسةِ أنموذجاً للمجتمع الذي يُبنى الدور الجنسوي فيه للذكور والإناث.

تُعد العوامل المؤثرة في النشاط الجنسي في مرحلة المراهقة، كالسمات الشخصية والتفاعل بين الأقران والقلق من العوامل الأكثرَ أهميةً في تطور الهوية الجنسية؛ إذ تُقوَّى تلك الهوية الناشئة عن طريق رفقاء اللعب وزملاء الدراسة، كما يؤدي البلوغُ الذي يتحول إلى مراهَقة دوراً هاماً في تعزيزها من خلال التأكيد البدني للصورة الذاتية المصاحبة، على الرغم من اعتقاد العديد بأنَّ الهوية الجنسية ثابتة في بداية الطفولة، لكن لا بدَّ من التأكيد على أنَّه في أواخر مرحلة المراهقة وبداية مرحلة سن الرشد تُؤسسُ الهوية الجنسية بلا شك. في أغلب الحالات، يصاحب ذلك تعريفُ الدورِ الجنسوي إلى جانب الميول الجنسي.

بالمجمل نجد أنَّ الأطفالَ يولدون بمعرفةٍ مبدئية عن الجنس، وتؤدي العوامل الخارجية التي يتدخل فيها الوالدان بتحيزِ الدماغ لتحديد الهوية الجنسية والدور الجنسوي (إدراكُ الشخص لجنسه وتصرفه بما يوافق جنسه)؛ إذ إنَّ هذه التصرفات تصبح واضحةً مع تقدم العمر، وقد تُكوِّن مصدر قلقٍ للأهلِ في حال لم تتطابق الهويةُ الجنسية مع الدور الجنسوي اللذين اختاروهما بأنفسهم لطفلهم مسبقاً.

في الختام؛ لا زالت الهوية الجنسية تُدرَس هرمونياً وجينياً وبيئياً لمحاولة الوصول إلى أوضح صورة ممكنة عن ما يجعل أحدنا "ذكراً أو أنثى أو بينهما أو ليس أيًّا منهما". خلالَ 50 عاماً من الأبحاث تمكن العلماء من البحث والملاحظة لنصل في وقتنا هذا إلى التعرف إلى تنوعات هويتنا الجنسية واختلافاتها على نحوٍأفضل، آملين في المستقبل القريب أن نتمكن من معرفة أشكال الهوية الجنسية واختلافاتها الطبيعية وغيرِ الطبيعية بأدق صورة متاحة.

المصادر:

هنا